الثامن والثلاثون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل
الذي يتوهم فيه جريه على غير من هو له ولم يبرز فيه الضمير وربما احتج به الكوفي ونحن لا نجيز ذلك لأنا نقول: أن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هوله خبراً أو صفة أو حالاً أو صلة وجب إبراز الضمير فيه.
فمن ذلك قوله تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها.
فقوله خالدين حال من المجرور ب على أي: أولئك عليهم لعنة الله خالدين فيها فقد جرى على غير من هوله فلم يبرز فيه الضمير.
ومن قال: إنه حال من اللعنة لمكان الكناية المتصلة به وهو فيها لم يصح لأنه حينئذ جرى على اللعنة والفعل لغيرها فوجب أن يبرز فيه الضمير وكان يجيء: خالدين فيها هم.
ومثله: أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها وهو على هذا الخلاف.
ومثله: يدخل النار خالداً فيها لا يكون خالداً فيها صفة للنار لأنه لم يقل: خالداً فيها هو وإنما حال من الهاء في يدخله أي: يدخله ناراً مقدراً الخلود فيها كما قال: فتبسم ضاحكاً من قولها أي: مقدراً الضحك من قولها.
وأما قوله: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها لا يكون خالداً حالاً من الهاء في جزاؤه لأنه أخبر عن المصدر بقوله جهنم فيكون الفصل بين الصلة والموصول ولا يكون حالاً من جهنم لمكان فيها لأنه لم يبرز الضمير ألا ترى أن الخلود ليس فعل جهنم فإذا هو محمول على مضمر أي: يجزاه خالداً فيها.
ونظيره في الحديد: بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وقال: جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
قال أبو علي: بشراكم اليوم جنات أي: حلول جنات أو: دخول جنات لأن البشرى حدث والجنة عين ولا تكون هي هي وإذا كان كذلك لم تخل خالدين من أن تكون حالاً من بشراكم أو من المصدر المحذوف في اللفظ المراد في المعنى فلا يجوز أن يكون من بشراكم على معنى: تبشرون خالدين لئلا يفصل بين الصلة والموصول فإذا كان كذلك قدرت الحال من الدخول المحذوف من اللفظ المثبت في التقدير ليكون المعنى عليه كأنه: دخول جنات خالدين أي: مقدر بين الخلود مستقبلاً كقوله: فادخلوها خالدين.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون الحال مما دل عليه البشرى كما كان الظرف متعلقاً بما دل عليه المصدر في قوله تعالى: إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون كأنهم يبشرون خالدين فالقول: إن ذلك لا يمتنع فيما ذكرت من الظرف إذ كان الظرف أسهل من الحال ألا ترى أن الحال هو المفعول به في المعنى فلا يحسن أن يعمل فيه مالا يعمل في المفعول به ومن ثم اختلفا في امتناع تقديم الحال إذا كان العامل فيها بمعنى ولم يمتنع ذلك في الظرف وقد جعلنا الظرف متعلقاً بالبشرى وإن لم تقدره كذلك ولكن إن جعلت الظرف خبراً جاز ذلك ويكون جنات بدلاً من البشرى على أن حذف المصدر المضاف مقدر ويكون خالدين على الوجهين اللذين تقدم ذكرهما.
ومثله في التغابن: ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
خالدين حال من الهاء العائدة إلى من وحمل على المعنى فجمع.
ومثله في الطلاق: خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً.
وفي التوبة موضعان: أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وبعده: ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وفي آل عمران: للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً.
وفي النساء: والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وفي المائدة: فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
خالدين حال من المفعول دون جنات.
وفي التوبة: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة.
فهذا ونحوه على الخلاف الذي قدمناه.
قال: أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً.
ف ماكثين حال من الهاء والميم وعندهم صفة ل الأجر.
فأما قوله: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هم ببالغه أي: ما الماء ببالغ فيه.
وإن شئت: ما فوه ببالغ الماء ولا يكون: و ما فوه ببالغه الماء ويكون الضميران ل فيه وفاعل بالغ الماء لأنه يكون جارياً على فيه وهو للماء والمعنى: إلا كاستجابة كفيه إلى الماء وكما أن بسؤال نعجتك ومن دعاء الخير لم يذكر معهما الفاعل واللام متعلق ب البسط.
فأما قوله: وما هو ببالغه أي: ما الماء بالغ فاه من كفيه مبسوطتين.
ويمكن أن يكون هو في قوله: وما هو ببالغه ضميراً ل باسط أي: ما الباسط كفيه إلى الماء بالبالغ الماء أي: ليس ينال الماء بيده فإذا لم ينل الماء لبعده عنه مع بسطه الكفين فأن لا يبلغ فاه مع هذه الصورة على الامتناع أولى.
وقيل: إن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه وما الماء ببالغ إليه.
وقيل: إنه كالظمآن يرى خياله في الماء وقد بسط كفيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه. عن ابن عباس.
وقيل: إنه كباسط كفيه إلى الماء ليفيض عليه فلا يحصل في كفيه شيء منه.
وعن الفراء: إن المراد بالماء هاهنا البئر لأنها معدن للماء وإن المثل: كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء.
وأما قوله تعالى: فظلت أعناقهم لها خاضعين.
فقد قال الفراء: إن خاضعين جرى حالاً عن المضاف إليهم دون الأعناق فجمع جمع السلامة ولو جرى على الأعناق لقيل: خاضعة.
وليس الأمر كما قال لأنه لم يقل: خاضعين هم ولكن الأعناق بمعنى الرؤساء.
وإن شئت كان محمولاً على حذف المضاف أي: فظلت أصحاب أعناقهم فحذف المضاف.
وأما قوله: إلى طعام غير ناظرين إناه.
فهو نصب على الحال من الضمير في قوله: لا تدخلوا بيوت النبي ولم يجر وصفاً ل طعام لأنه لم يقل: غير ناظرين أنتم إناه إذ ليس فعلاً ل طعام.
======
(التاسع والثلاثون) ما جاء في التنزيل نصباً على المدح ورفعاً عليه
وذلك إذا جرى صفات شتى على موصوف واحد يجوز لك قطع بعضها عن بعض فترفعه على المدح أو تنصبه وكذلك في الشتم تقول: مررت بالرجل الفاضل الأديب الأريب وبالرجل الفاسق الخبيث اللئيم.
يجوز لك أن تتبعها الأول وأن تنصب على المدح وترفع.
فمن ذلك قوله تعالى: ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر إلى قوله: والموفون بعهدهم.
والتقدير: هم الموفون.
والصابرين أي: أمدح الصابرين.
وقيل: إن قوله والموفون رفع عطف على من آمن.
ومن ذلك قوله تعالى: لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة.
أي: وامدح المقيمين.
والمؤتون الزكاة.
أي: وهم المؤتون وكذلك: والمؤمنون بالله.
وقيل إن قوله: والمقيمين جر وعطف على قوله: منهم وهذا خطأ لأنه لم يعد لفظة من.
وأما قوله: ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين فنصب على الذم أي: أذم الملعونين.
وقيل: هو حال من الضمير في لنغرينك أي: لنغرينك بهم ملعونين.
ومن ذلك قوله تعالى: سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب فيمن نصب على تقدير: أذم حمالة الحطب فيكون قوله: وامرأته رفعاً عطفاً على الضمير في يصلى أي: يصلى هو وامرأته.
وأما من رفع حمالة الحطب فيكون وامرأته مبتدأة ويكون حمالة الحطب خبره.
وإن رفعته بالعطف كان التقدير: هي حمالة الحطب وكل ما ذكرنا في الذي والذين: إذا جاز كونهما وصفاً لما قبلهما فإن نصبهما ورفعهما على المدح جائز.
وأما قوله تعالى: الصابرين والصادقين فقد يكون من هذا الباب وقد يكون جراً جرياً على قوله: للذين اتقوا عند ربهم.
الذين يقولون ربنا
الصابرين.
ومن ذلك قوله: مذبذبين بين ذلك أي: أذمهم.
وأما قوله: أشحة عليكم فيكون على الذم ويكون على الحال من المعوقين أي: يعوقون هاهنا عند القتال ويشحون عن الإنفاق على فقراء المسلمين.
وإن شئت من القائلين وإن شئت لا يأتون البأس إلا قليلاً ويكون على الذم.
=======
المتمم الأربعين المحذوف خبره
فمن ذلك قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن والتقدير: فيما يتلى عليكم شهر رمضان.
ويكون قوله: الذي أنزل فيه القرآن نعتاً.
وقيل: بل هو الخبر.
وقيل: بل الخبر قوله: فمن شهد منكم الشهر أي: فمن شهده منكم.
وجاز دخول الفاء لكون المبتدأ موصوفاً بالموصول والصفة جزء من الموصوف وكان المبتدأ هو الموصول.
ومثله قوله: قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم.
لما وصف اسم إن بالموصول أدخل الفاء في الخبر كما دخل في قوله: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم.
وكما قال: إن الذين يكفرون بآيات الله ثم قال: فبشرهم بعذاب أليم لأن المبتدأ الموصول والنكرة الموصوفة يدخل الفاء في خبرهما.
وقال الأخفش: بل الفاء في قوله: فإنه ملاقيكم زائدة فعلى قياس قوله هنا تكون زائدة.
ويجوز أن يكون قوله الذي تفرون خبر إن كأنه قال: الموت هو الذي تفرون منه نحو القتل أو الحرب ويكون الفاء في فإنه ملاقيكم للعطف.
ومن ذلك أيضاً واللذان يأتيانها منكم أي: فيما يتلى عليكم.
ويجوز أن يقال: وإنما رفع قوله واللذان ولم ينصبه.
وقال في الكتاب: اللذين يأتيانها فاضربهما لأن الاختيار النصب لأن الذي في الكتاب يراد بهما معينان والفاء زائدة فهو بمنزلة: زيداً فاضرب.
وفي الآية لا يراد بهما معينان بل كل من أتى بالفاحشة داخل تحتها.
فقوله: فآذوهما في موضع الخبر والفاء للجزاء في الآية وفي المسألة الفاء زائدة.
وقال: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما.
وقال: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما أي: فيما يتلى عليكم.
فأما قوله: مثل الجنة التي وعد المتقون فهو على القياس المتقدم أي: فيما يتلى عليكم.
وقال أبو إسحاق التقدير صفة الجنة التي وعد المتقون وليس بصحيح لأن اللغة لا تساعد عليه ولأن موضوعه التشابه ولا معنى للوصفية في شيء من تصاريفه وكيف يصح.
ومن جهة المعنى أيضاً: إنه لو قال قائل: صفة الجنة فيها أنهار لكان كلاماً غير مستقيم لأن الأنهار في الجنة لا في صفتها وأيضاً فقد أنث ضمير المثل حملاً على الصفة وهذا أيضاً بعيد.
وقول الفراء أيضاً من أن الخبر جعل عن المضاف إليه وهو الجنة دون المضاف الذي هم مثل فباطل أيضاً لأنا لم نر اسماً يبدأ به ولم يخبر عنه البتة وكذا من قال: المثل يقحم أي: يلغى لأن الاسم لا يكون زائداً إنما يزاد الحرف فكذلك قول الزجاج لأنه إن أراد بالمثل الصفة فقوله: صفة الجنة جنة فاسد لأن الجنة ليست بالصفة والزيادة شيء يقوله الكوفيون في: مثل واسم ويعلم ويكاد ويقول: هذه الأربعة تأتي في الكلام زيادة ونحن لا نقول بذلك.
وأما قوله: الذي خلقني إن جعلته مبتدأ فقوله: فهو يهدين خبره وما بعده معطوف على الذي والتقدير: هو يطعمني ويسقيني إلى قوله: وبالصالحين محذوف الخبر أي: فهو يهديني كما تقول: زيد قائم وبكر وخالد.
ومن ذلك قوله تعالى: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس أي: البر والتقوى أولى فحذف الخبر.
وأما قوله: " وقالت اليهود عزير ابن الله " فيمن لم ينون فيجوز أن يكون عزيز مبتدأ وابن صفة والخبر مضمر.
أي: قالت اليهود عزير ابن الله معبودهم.
ويجوز أن يكون حذف التنوين لالتقاء الساكنين ويكون ابن خبراً.
ويجوز أن يكون لم يصرف عزير ومثله: يدعو لمن ضره أقرب من نفعه فيمن جعل يدعو بمعنى يقول.
وقد تقدم ذلك في المبتدأ ومثله ما أكرهتنا عليه من السحر ولم يقل محطوط عنا وقد تقدم.
ومثله قوله: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله " والتقدير: إن الذين آمنوا والذين هادوا إلى قوله: فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون كذلك فالتقدير في والصابئون أي والصائبون كذلك فحذف الخبر وفصل بين اسم إن بمبتدأ مؤخر تقديراً وقال: ومن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقياراً بها لغريب أي: إني لغريب وإن قياراً كذلك.
وقال الله تعالى: (أن الله بريء من المشركين ورسوله) أي: رسوله بريء فحذف الخبر.
وقيل: بل هو عطف على الضمير في بريء هو ورسوله.
وعند سيبويه: هو محمول على موضع إن كقوله: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون فيمن فتح.
ومن ذلك قوله تعالى: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة) ولم يذكر الخبر والتقدير: كمن كان على ضلالة.
وقال: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً) أي: كمن لم يزين له ذلك.
وقال: (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) والتقدير: كمن لا يقام عليه.
فحذف الخبر في هذه الآي.
وقد أظهر في قوله أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله.
وأما قوله: (أمن هو قانت آناء الليل) فيمن خفف فيكون أي: يكون من هذا الباب على تقدير: أمن هو قانت آناء الليل كالجاحد والكافر.
وزعم الفارسي أن التقدير: أمن هو قانت آناء الليل كمن جعل لله أنداداً.
ثم قال: واستضعفه أبو الحسن دون الاستفهام لا يستدل عليه بما قبله وإنما يستدل عليه بما بعده.
فقيل: إن ذلك على تقديرك دون تقديرنا فما تقول في قوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام وقوله: أفمن يتقي بوجهه أليس الخبران محذوفين وقوله: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار.
قلت: أيها الفارسي جواباً: إن سيبويه قال: إن الخبر محذوف يعني خبر قوله أفمن حق عليه ولم تكن لتذب عن أبي الحسن: أن التقدير: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ بل قدرت حذف الخبر.
وزعم أحمد بن يحيى أن من قدر: أمن (هو قانت آناء الليل) فهو كالأول.
وزعم الفارسي أن هذا ليس موضع النداء بل موضع تسوية ألا تراه قال من بعد: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وجواب الفارسي تحت قول أحمد هو كالأول يعني أنه قال - عز من قائل: قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار يامن هو قانت آناء الليل أبشر إنك من أصحاب الجنة فحذف في الثاني لذكره أولاً.
فأما من شدد فقال: أمن هو قانت فالتقدير: الكافر الجاحد خير أمن هو قانت كقوله: أم زاغت عنهم الأبصار والتقدير: أمفقودون هم أم زاغت عنهم الأبصار ومن ذلك قوله: (وما من إله إلا الله) قوله إلا الله بدل من موضع الجار والمجرور والخبر مضمر والتقدير: ما من إله في الوجود إلا الله كقوله: لا إله إلا الله فليس الرفع محمولاً على الوصف للمجرور لأن الأكثر في الاستثناء والبدل دون الوصف.
وأما قوله تعالى: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين) ف الذين يلمزون مبتدأ وخبره: سخر الله منهم.
ومن نصب زيداً مررت به كان الذين منصوباً عنده ولا يكون فيسخرون خبره لأن لمزهم للمطوعين لا يجب عنه سخريتهم بهم كما أن الإنفاق يجب عنه الأجر في قوله: الذين ينفقون أموالهم إلى قوله: فلهم أجرهم وإذا لم يجب عنه كان فيسخرون عطفاً على يلمزون أو على يجدون وموضع والذين لا يجدون جر تابع ل المؤمنين أو نصب تابع ل المطوعين والظرف أعني في الصدقات يتعلق ب يلمزون دون المطوعين للفصل بين الصلة والموصول أي: يعينون في إخراج الصدقات لقلتها ومنه قوله: فروح وريحان ومنه قوله: فنزل من حميم أي: فله نزل من
=======
الحادي والأربعون ما جاء في التنزيل من إن المكسورة المخففة من إن
وذلك إذا جاءت لزمتها اللام في الخبر كما أن النافية يلزمها إلا في الخبر.
فمن ذلك قوله تعالى: وإن كنتم من قبله لمن الضالين.
قال: وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
قال: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين.
قال: إن كنا عن عبادتكم لغافلين.
قال: وإن كاد ليضلنا عن آلهتنا.
قال: وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين فاللام هنا ك إلا.
كقوله: إن الكافرين إلا في غرور.
وقوله: إن هم إلا كالأنعام.
وقوله: إن نظن إلا ظنا.
قال سيبويه: ويكون إن يبتدأ بما بعدها في معنى اليمين وفي اليمين كما قال: إن كل نفس لما عليها حافظ.
وإن كل لما جميع لدينا محضرون.
قال: وحدثني من لا أتهم به أنه سمع عربياً يتكلم بمثل قوله: إن زيداً لذاهب وهي التي في قوله: قال أبو علي: أما إن في الآي فالقول فيها أنها مخففة من الثقيلة وقد دخلت على الفعل مخففة وامتنعت من الدخول عليه مشددة فالجواب أنها امتنعت من ذلك مثقلة لشبهها بالفعل في إحداثها النصب والرفع كما يحدثهما الفعل من حيث لم يدخل الفعل على الفعل لم تدخل هي أيضاً عليه وأصلها أنها حرف تأكيد وإن كان لها هذا الشبه الذي ذكرنا بالفعل فإذا خففت زال شبه الفعل عنها فلم تمتنع من الدخول على الفعل إذ كانت الجمل المخبر بها على وجهين: مبتدأ وخبر وفعل وفاعل وقد تحتاج المركبة من الفعل والفاعل من التأكيد إلى مثل ما تحتاج إليه المركبة من المبتدأ والخبر فدخلت المخففة على الفعل مؤكدة إذ كان أصلها التأكيد وزال المعنى الذي كان امتنع من الدخول على الفعل وهو شبهها به ولزوال شبهها بالفعل اختير في الاسم الواقع بعدها الرفع وجاء أكثر القراءة على ذلك كقوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون و: إن كل نفس لما عليها حافظ فمن حيث اختير الرفع في الاسم الواقع بعدها جاز دخولها على الفعل في الآي التي تلوناها أو غيرها.
وأما اللام التي تجيء بعدها مخففة فهي لأن تفرق بينها وبين إن التي تجيء نافية بمعنى ما كالتي في قول الله تعالى: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وليست هذه اللام التي تدخل على خبر المشددة التي هي الابتداء لأنه كان حكمها أن تدخل.
على إن فأخرت إلى الخبر لئلا يجتمع تأكيدان إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى أو ما هو واقع موقعه وراجع إليه فهذه اللام لا تدخل إلا على المبتدأ أو على خبر إن إذا كان إياه في المعنى أو متعلقاً به ولا تدخل من الفعل إلا ما كان مضارعاً واقعاً في خبر إن وكان فعلاً للحال فإذا لم تدخل إلا على ما ذكرنا لم يجز أن تكون هذه اللام التي تصحب إن الخفيفة إياها إذ لا يجوز دخول لام الابتداء على الفعل الماضي وقد وقع بعد إن هذا الفعل نحو إن كاد ليضلنا و: إن وجدنا أكثرهم لفاسقين.
وقد جاءت الأفعال الواقعة بعد إن فعملت فيما بعد اللام ومعلوم أن لام الابتداء التي تدخل في خبر إن الشديدة لا يعمل الفعل الذي قبلها فيما بعدها وذلك قوله: وإن كنا عن عبادتهم لغافلين وقول القائل: هبلتك أمك إن قتلت لفارساً حلت عليك عقوبة المتعمد فلما أعمل الفعل فيما بعده هذه اللام علم من ذلك أنها ليست التي تدخل في خبر إن الشديدة وليست هي التي تدخل على الفعل المستقبل والماضي للقسم نحو: ليفعلن أو لتفعلن.
ولو كانت تلك للزم الفعل الذي تدخل عليه النون يعني: ليفعلن الذي تدخل عليه إحدى النونين فلما لم يلزم النون علم أنها ليست إياها قال الله تعالى: إن كاد ليضلنا وإن كانوا ليقولون فلم يلزم النون.
حكى سيبويه إن هذه النون قد لا تلزم المستقبل في القسم فيقال: والله لتفعل وهم يريدون: لتفعلن.
قال: إلا أن الأكثر على ألسنتهم ما أعلمتك يعني من دخول النون ولا ينبغي أن نقول: إن هذه اللام هي التي في لتفعلن فتحمل الآي التي تلوناها على الأقل في الكلام على أن هذه اللام لو كانت هذه التي ذكرنا أنها للقسم وتدخل على الفعل المستقبل والماضي لم تدخل على الأسماء مثل: وإن كنا عن عبادتكم لغافلين وإن قتلت لفارساً لأن تختص بالدخول على الفعل الماضي أو المستقبل المقسم عليه أو ما يتصل بهما نحو إلى من قوله: لإلى الله تحشرون.
والدليل على ذلك أنها لا تعلق الأفعال الملغاة قبل إن إذا وقعت في خبرها كما تعلقها التي تدخل على الأسماء.
فقد ثبت بما ذكرنا أن هذه اللام الداخلة على خبر إن المخففة التي تدخل في خبر إن المشددة ولا هي التي تدخل على الفعل المستقبل والماضي في القسم لكنها تلزم إن هذه لتفصل بينها وبين التي بمعنى ما النافية ولو أدخلت شيئاً من الأفعال المعلقة على إن المكسورة المخففة من الثقيلة وقد نصبت واللام في خبرها.
لم تعلق الفعل قبلها من أجل اللام كما تعلقه مع لام الابتداء لأن هذه اللام قد ثبت أنها ليست تلك فإذا لم تكن تلك لم تعلق الفعل الملغى كما تعلقه لام الابتداء.
فهذه حقيقة إن هذه المخففة واللام التي تلحق معها عندي ويدل على أن هذه اللام ليست التي للابتداء أن تلك تدخل على الخبر نفسه التي لا تستغنى أو يكون قبل الخبر ويكون الأول في المعنى أو ما يقوم مقام ما هو الأولى في المعنى أو تدخل على الاسم نفسه إذا فصل بين إن واسمها ولا تدخل على الفضلات وما ليس بالكلام افتقار إليه كما دخلت هذه في قوله لفارساً ونحوه فلو أدخلت علمت على مثل: إن وجدك زيداً لكاذباً.
لوجب انفتاح إن إذ ليس في الكلام شيء يعلق الفعل عنها ولم يجب أن يكون في إن ضمير القصة من هذه المسألة كما تقول أن في مثل قوله: علم أن سيكون ضمير لأن هذا الضمير إنما يكون في أن المخففة من أن الشديدة وليست هذه تلك إنما هي أن التي كانت قبل دخول الفعل عليه أن التي لا تمتنع من الدخول عليه وهي ثقيلة وكما تقول في حال انكسارها نحو: إن كاد ليضلنا إنه لا ضمير فيه كذلك تقول في حال انفتاحها بعد الفعل: إنه لا ضمير فيها.
والوجه أن تقول: إنه لا ضمير فيه في نحو: إن كاد ليضلنا وإنه دخل على الفعل كما دخل على الاسم لأنه حرف وضعه التأكيد فالصنفان جميعاً يؤكدان وإنما امتنع من الدخول على الفعل في حال التثقيل لشبهه بالفعل وكما لم يدخل فعل على فعل كذلك لم تدخل هذه مثقلة عليه وهذه العلة زائلة عنها في حال التخفيف فيجب أن تدخل عليها فإذا قلنا: علمت أن قد وجدك زيد لكاذباً لم تدخل اللام كما كانت تدخل قبل دخول علمت ولم يمنع الفعل من فتح أن شيء وارتفعت الحاجة إليها مع دخول علمت لأن علمت يفتحها إذ لا مانع لها من فتحها فإذا فتحتها لم تلتبس بإن التي ينفي بها ولولا فتحها إياها لاحتيج إلى اللام لأن علمت من المواضع التي يقع فيها النفي كما وقع بعد ظننت في نحو قوله: وظنوا ما لهم من محيص.
فلو بقيت إن على كسرتها بعد علمت للزمتها اللام وكان ذلك واجباً لتخليصها من النفي فإذا لم تبق على الكسرة فلا ضرورة إلى اللام فإن شئت قلت: إذا أدخلت علمت عليها حذفت اللام لزوال المعنى الذي كانت اللام اجتلبت له وإن شئت قلت.
أتركها ولا أحذفها فتكون كالأشياء التي تذكر تأكيداً من غير ضرروة إليه وذلك كثير في الكلام.
فأما قول أبي الحسن: ويدخل على من زعم أن هاهنا ضميراً أن تقول له: كيف تصنع.
إلى آخر الباب فذلك من قوله يدل على انه جعل اللام التي في نحو: إن وجدت زيداً لكاذباً لام ابتداء وقد بينا فساد ذلك وكيف يجوز أن تكون هذه لام الابتداء وقد دخلت في نحو قوله: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين وليس في هذا الكلام شيء يصلح أن تدخل عليه لام الابتداء البته ولا يوجد فيها شرطه ووصفه وقد بينا ذلك ولا يصلح أن يكون في إن هذه ضمير من حيث ذكرت قبل.
وأما قوله تعالى: وإن كلا لما ليوفينهم من خفف إن ونصب بها كلا فهو الذي حكاه سيبويه ومن قال: وإن كلا لما فشدد كان لما مصدراً لقوله: كلا لما لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
وأما قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون وإن كل نفس لما عليها حافظ فشدد وكذلك: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا فشدد قوم وأما من خفف فسهل سائغ وإن على قراءته هي المخففة من الثقيلة المكسورة الهمزة المعملة عمل الفعل وهي إذا خففت لزمتها اللام لتفصلها من النافية وتخلصها منها ولهذا المعنى جاءت هذه اللام وقد تكون ما صلة.
فأما من ثقل فقال لما قيل: إن لما بمنزلة: إلا.
قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلا فعلت ولم فعلت لم جاز هذا في هذا الموضع وإنما أقسمت هاهنا كقولك: والله فقال: وجه الكلام ب لمتفعلن هاهنا ولكنهم أجازوا هذا لأنهم شبهوه ب نشدتك الله إذ كان فيه معنى الطلب.
قال أبو علي: ففي هذا إشارة من سيبويه إلى أنهم استعملوا لما حيث يستعملون فيه إلا.
وقال قطرب: حكاه لنا الثقة يعني كون لما بمعنى إلا.
وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: لا أعرف جهة التثقيل.
وقال الفراء في قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون الوجه التخفيف ومن ثقل: إن شئت طفت علماء علة حاتم والوجه الآخر من التثقيل أن تجعلوا لما بمنزلة إلا مع إن خاصة فتكون في مذهبها.
وقال أبو عثمان المازني فيما حكاه عنه أبو إسحاق: الأصل لما فثقل.
فهذا ما قيل في تثقيل لما من هذه الآي الثلاث أعني قوله: وإن كل لما جميع وقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا وقوله: إن كل نفس لما عليها حافظ.
ويجوز أن يتأول على هذا الذي قيل من أن معنى لما ك إلا على أن يكون إن فيها هي النافية لا يمتنع ذلك في شيء منها.
فأما قوله: وإن كلا لما ليوفينهم فلا يجوز فيه هذا التأويل ولا يسوغ ألا ترى أنك لو قلت: إن زيداً إلا لمنطلق لم يكن لدخول إلا مساغ ولا مجاز.
فإن قال: أو ليس قد دخلت إلا بين المبتدأ وخبره في المعنى فيما حكاه سيبويه من قولهم: ليس الطيب إلا المسك وإن مثل ليس في دخولها على المبتدأ وخبره قيل.
إنه ذكر: أن قوماً يجرون ليس مجرى ما كما أجروها مجراها فقولهم: ليس الطيب إلا المسك كقولهم: ما الطيب إلا المسك ألا تراهم رفعوا المسك كما يرتفع خبر ما في نحو ذا ولم يتأول سيبويه ليس على أن فيه ضمير القصة والحديث لما كان لا يرى في هذا التأويل من إدخال إلا بين المبتدأ والخبر فلا مساغ لتثقيل لما في هذه الآية على انه يكون بمنزلة إلا.
فأما ما قاله الفراء من قوله: إن هي لمن ما ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتهن فلا تخلو ما هذه التي قدرها هاهنا من أن تكون زائدة أو موصولة فلا يسهل أن تكون موصولة لأن التقدير يكون: لمن الذين هم جميع لدينا محضرون.
وقلت: قولي هم جميع لدينا صلة الذين والذين مع صلته بمنزلة اسم واحد في صلة من ومحضرون خبر ما الذي بمعنى الذي والاسم وخبره صلة من فقولك غير جائز لأن من على هذا لم يرجع من صلته إليه شيء فهذا التقدير في هذه الآية غير متأت.
وأما قوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا فلا يجوز فيه ذلك أيضاً ألا ترى أنك إن قدرت ما زائدة كان المعنى: وزخرفاً وإن كل ذلك متاع الحياة الدنيا.
والزخرف وما قبله من المذكور لا يكون من في المعنى فلا يكون من المتاع.
فهذا قول ساقط مستكره لانكساره وتجويز مالا يجاز فيه حيث يوجد لتأويله مجاز وإن كان غير هذا الوجه من حذف الحرف من من وحذفه غير سائغ لأن أقصى أحوالها أن تكون كالمتمكنة والمتمكنة إذا كانت على حرفين لم تحذف إنما تحذف من الثلاثة لتصير على حرفين فإذا بلغ ذلك لم يكن بعده موضع حذف هذا على إن من غير متمكنة والحذف فيها وفي ضربها غير موجود.
فأما لدن فهو على ثلاثة أضرب وقد قلنا فيه فيما تقدم وكذلك ما قالوه من قولهم: و الله خالط من سلمى خياشم وفا موضع ضرورة فأما ما ذكره الفراء من الحذف من لمن ما كالحذف من قولهم علما.
فالذي نقول: إن الحذف أحد ما تخفف به الأمثال إذا اجتمعت وهو على ضربين: أحدهما: أن يحذف الحرف مع جواز الإدغام كقولهم: بخ بخ في: بخٍ بخٍ.
والآخر أن يحذف لامتناع الإدغام في الحرف المدغم فيه لسكونه وإن الحركة غير متأتية فيه مثل علما أو لأن الحرف المدغم يتصل بحرف إذا أدغم فأسكن لزم تحريك ما قبله وهو مما لا يتحرك مثل يسطيع فلا يشبه قولهم علما إذا أرادوا: على الماء ما شبهه به لو أريد به: لمن ما لأنك لو أدغمت اللام من على في التي للتعريف للزم تحريكها وهي ما يلزمه السكون ولذلك اجتلبت معها همزة الوصل فلما كان كذلك حذفت اللام الأولى وليس كذلك لمن ما ألا ترى إن الحرف المدغم فيه هنا متحرك وليس بساكن فلا يشبه هذا ما شبهه به.
فإن قلت: اجعله مما ذكرته مما يحذف الحرف فيه مع جواز الإدغام ك بخ قيل: هذا يمتنع من وجهين: أحدهما: إنه منفصل وبخ متصل والمنفصل في الإدغام ليس كالمتصل إذ لا يلزم لزومه وإن التقدير باتصاله الانفصال ألا ترى أنك تظهر مثل: جعل لك و: قعد داود ونحوه من المنفصل ولو كان متصلاً لم يجز إلا الإدغام وكما لم يستثقل اجتماع الأمثال لما كان التقدير بها الانفصال في هذه الأشياء كذلك لا يستثقل في لمن ما اجتماع وأيضاً فإذا لم يدغم مثل: قوم موسى من أدغم مثل: جعل لك لكراهية تحريك الساكن في المنفصل فأن يكره الحذف أولى لأن التغيير بنقل حركة ثابتة في الحرف أسهل من حذف حرف بكثير ألا ترى إلى كثرة ما ينقلون من الحركات للإدغام في المتصل وقلة حذف الحرف للإدغام في المتصل فإذا امتنعوا من الكثير الذي أنس به في المتصل كان أن يمتنعوا من القليل الذي لم يأنسوا به في المنفصل أولى.
والآخر: أن الحذف في هذا قياساً على بخ لا يجوز لما أعلمتك من قلته وأنا لا نعلم له مثلاً فلا مساغ للحمل على هذا الضيق القليل مع ما ذكرته لك من الفصل بين المنفصل والمتصل وعلى أن بخ ليس لنا أن نقول إنه حذف لاجتماع المثلين دون أن تجعله محذوفاً على حد بناء جاء على علته غيره من ذوات الثلاثة المحذوفة لأنها كحذف د دٍ ونحو ذلك فقول الفراء في هذا فاسد في المعنى من حيث أريتك وفي اللفظ لما ذكرته من امتناع حذف من قبل الإدغام وبعد الإدغام.
وقول المازني أيضاً ليس بالجديد لأن الحروف يخفف مضاعفها ك أن ورب ونحو ذلك ولا ينقل إلى أنه أقرب إلى الصواب لأن الدخل فيه من جهة اللفظ دون المعنى فأما ما حكوه من كون لما بمعنى إلا فمقبول ويحتمل أن تكون الآي الثلاثة عليه كما أعلمتك وتكون إن النافية.
قال: وقد رأينا نحن في ذلك قولاً لم أعلم أحداً تقدمنا فيه وهو أن تكون لما هذه في قول من شدد في هذه الآي لم النافية دخلت عليها ما فهيأتها للدخول على ما كان يمتنع دخولها عليه قبل لحاق ما لها ونظير ذلك: إنما أنذركم بالوحي ولعلما أنت حالم وما أشبهه وربما أوفيت.
ألا ترى أنها هيأت الحرف للدخول على الفعل فكأنه في التقدير: إن كل نفس لما عليها أي: ليس كل نفس إلا عليها حافظ نفياً لقول من قال: كل نفس ليس عليها حافظ أي: كل نفس عليها حافظ.
ف إن على هذا التقدير تكون النافية الكائنة بمعنى ما والقراءة بالتثقيل على هذا تطابق القراءة بالتخفيف لأن المعنى يؤول إلى: كل نفس عليها حافظ مثل قوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب إلا أنه أكد ب إن والقراءة بالتخفيف لما أسهل مأخذاً وأقرب متناولاً.
وأما تقدير قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون كأنه قيل: كل ما جميع لدينا محضرون على ما كانوا ينكرونه من أمر البعث حتى حمل عظيم إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله - فقيل له: أترى الله يحيي هذا بعد ما رم وكما حكي في التنزيل من قولهم: أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون في كثير من الآي تحكي عنهم أنهم ينكرون فيها البعث فقيل لهم: كل ما جميع لدينا محضرون نفي لقولهم: كلهم ليس يجمعون عند الله ولا ينشرون.
وأما قوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة فكأنه قيل: كل ذلك ليس متاع الحياة الدنيا فنفى ذلك بأن قيل: ليس ذلك متاع وإذا نفي أنه كله ليس متاع الحياة الدنيا أي: ليس شيء من ذلك للكافر يقربه إلى الله وإلى الدار الآخرة إنما هو متاع الدنيا والعاجلة.
وأما قوله: لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين قيل: التقدير: ما كنا فاعلين وليست إلا معها.
فأما قوله: قل إن كان للرحمن ولد فقد قيل: قل إن كان للرحمن ولد وتم الكلام.
ثم قال: فأنا أول العابدين على أنه لا ولد له.
وقيل: إن كان للرحمن ولد على الشرط فأنا أول العابدين على انه لا ولد له صح وثبت ولا يكون ذلك أبداً كما قال عيسى: إن كنت قلته فقد علمته أي إن صح وثبت أني كنت قلته فيما مضى فقد علمته.
========
الثاني والأربعون ما جاء في التنزيل من المفرد ويراد به الجمع
فمن ذلك قوله تعالى: وأنزل معهم الكتاب بالحق يعني: الكتب لأنه لا يجوز أن يكون لجميع الأولياء كتاب واحد.
وقال: كل آمن بالله وملائكته وكتابه فيمن قرأه هكذا يريد: وكتبه.
فأما قوله تعالى: والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت فالطاغوت يقع على الواحد وعلى الجمع وأراد به الجمع هنا.
وقال في الإفراد: يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به جاء في التفسير أنه أراد: كعب بن الأشرف.
وقال في موضع آخر: والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها أراد به الأصنام وأن في موضع النصب بدل من الطاغوت أي: اجتنبوا عبادتها وهو في الأصل مصدر طغى وأصله: طغيوت على فعلوت مثل: الرهبوت والرحموت فقدم الياء وأبدل منها الفاء فصار طاغوت.
ومن ذلك قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم لفظه لفظ المفرد ومعناه الجنس ألا ترى قوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات يدل على صحة هذا: والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا.
الذين مبتدأ وخبره فلهم أجر غير ممنون فهذا لا يصح في سورة العصر إذ لا خبر بعده.
ومن ذلك قوله تعالى: مستكبرين بها سامراً أي: سماراً لقوله مستكبرين قبله وبعده تهجرون: فالسامر كالباقر والحامل عند أبي علي.
ومثله: فليدع ناديه.
عند أبي علي وعلى هذا حمل أيضا ًقوله: عاليهم ثياب سندس فيمن أسكن الياء فقال: يكون ثياب سندس مبتدأ على قول سيبويه وعاليهم خبر مقدم.
وزعم أنه بمنزلة قوله: سامراً تهجرون وهذا لعلة نظره فيما قبل الآية لقوله ويطوف عليهم ولدان مخلدون ألا ترى أنه يجوز أن يكون عاليهم صفة له.
قال: ومثله: دابر.
من قوله فقطع دابر القوم الذين ظلموا.
قال: ينبغي أن يكون دابر فاعلاً من باب: الحامل والباقر على تفسير معمر إياه ب: آخر القوم الذي يدبرهم.
قوله في موضع آخر: وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين فقال: وما كانوا فجمع الضمير.
فإن قلت: يكون الضمير عائداً على الذين كذبوا وهو جمع.
قيل: هذا يبعد لأن الذين كذبوا بآياتنا معلوم أنهم غير مؤمنين فإذا لم يجز هذا ثبت أن الضمير يعود إلى الدابر وإذا عاد إليه ثبت أنه جمع والدابر يجوز أن يكونوا مؤمنين ويجوز أن يكونوا كافرين مثل الخلف ويصح الإخبار عنهم بأنهم كانوا مؤمنين.
ومن ذلك قوله: وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار أي: الكفار فيمن أفراد الجنس ومنه: وكان الكافر على ربه ظهيراً.
أي: على معصية ربه ظهيراً.
وأما قوله تعالى: والفلك التي تجري في البحر.
فالفلك اسم يقع على الواحد والجمع جميعاً.
قال في المفرد: ومن معه في الفلك المشحون.
وقال في الجمع: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم.
فقال: وجرين فجمع وهو في الجمع مثل: أسد وفي المفرد مثل: قفل.
ومن ذلك أحد في قوله: ولم يفرقوا بين أحد منهم.
وقال: فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً.
أي: أنفساً.
وقال: وحسن أولئك رفيقاً.
أي: رفقاء.
وقال: ثم نخرجكم طفلاً.
أي: أطفالاً.
وقال: ألا تتخذوا من دوني وكيلاً.
أي: وكلاء.
وقال: فإنهم عدو لي.
أي: أعداء.
وقال: خلصوا نجياً.
أي: أنجية.
وقال: فمالنا من شافعين ولا صديق.
أي: أصدقاء.
=======
الثالث والأربعون ما جاء في التنزيل من المصادر المنصوبة بفعل مضمر دل عليه ما قبله
فمن ذلك قوله تعالى: قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك أي: نسألك غفرانك ونستغفر غفرانك واغفر لنا غفرانك.
ومن ذلك قوله تعالى: لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله.
أي: لأثيبنهم ثواباً فدل على ذلك أكفرن.
ومن ذلك قوله: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً لأن قوله: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله دل على أنه كتب ذلك أي: كتب ذلك عليهم كتاباً مؤجلاً.
ومن ذلك قوله: كتاب الله عليكم لأن قبله حرمت وقد نقدم ذلك.
ومن ذلك قوله: ذلك عيسى بن مريم قول الحق فيمن نصب أي: أقول قول الحق.
ومنه قوله تعالى: ومن الليل فتهجد به نافلة لك لأن معنى تهجد وتنفل واحد.
ومن ذلك قوله: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله.
لأن معنى هذه الجملة: صنع الله ذلك صنعاً.
ومثله قوله: بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لأن معنى ينصر ويعد واحد.
ومثله لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لأن ما قبله يدل على يعد الله.
فهذا قياس ما يرد عليك مما قد فاتني منه والله أعلم.
وأما قوله تعالى: استكباراً في الأرض ومكر السيء.
أي: استكبروا ومكروا المكر السيء ألا ترى أن بعده ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله كما أن السيء صفة للمكر كذلك الذي قبل تقدير: ومكر المكر السيء.
وكذلك: أفأمن الذين مكروا السيئات.
أي: مكروا المكرات السيئات فحذف الموصول هذا وأقام صفته فوقعت الإضافة إليه كما تقع على موصوفه الذي
=======
الرابع والأربعون ما جاء في التنزيل من دخول لام إن على اسمها وخبرها أو ما اتصل بخبرها وهي لام الابتداء دون القسم
وقد تقدم على ذلك أدلة وهي تدخل على خبر إن أو ما يقع موقعه أو على اسم إن إذا وقع الفصل بين إن واسمها.
فمن ذلك قوله تعالى: وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم فإذا دخل على الاسم لما وقع الفصل بينها وبين اسمها.
وقال: إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين.
وقال: إن في ذلك لعبرة فأدخل على الخبر.
وقال: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم.
وقال: وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم.
وقال: وإنه لعلم للساعة.
وقال: وإنه لذكر لك ولقومك.
فأدخل على الفضلة الواقعة قبل الخبر.
وقال: إنهم لفي سكرتهم يعمهون.
وقال: أءنك لأنت يوسف.
وقال: إن هذا لهو الفضل.
وقال: وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون وإنهم لهم المنصورون.
وأما قوله: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم فإنك لو جعلت في أم الكتاب خبراً كنت أدخلت اللام على الخبر الثاني والأحسن من ذلك أن تدخل على الخبر الأول فوجب أن يكون قوله في أم الكتاب ظرفاً متعلقاً بالخبر لا خبراً.
وأما قوله تعالى: إن هذان لساحران فيمن أضمر لأن لو جعل إن بمعنى نعم فإنه أدخل اللام على خبر المبتدأ لأن هذان في قولهما ابتداء واللام لا تدخل على خبر الابتداء وإنما تدخل على المبتدأ وإدخالها على الخبر شاذ وأنشدوا فيه: أم الحليس لعجوز شهر به ترضى من اللحم بعظم الرقبة وقد تقدم ما هو الاختيار عندنا.
وتختص هذه اللام بباب إن وشبهوا بإن لكن وأنشدوا.
ولكنني من حبها لعميد وهذا حديث يطول وفيما ذكرناه كفاية.
فأما قوله تعالى: وإن منكم لمن ليبطئن فإن قوماً من النحويين أنكروا أن يدخل الصلة قسم كما ذهب إليه أبو عثمان لأن الفراء حكى ذلك وقال: فاحتججنا عليه بقوله:: وإن منكم لمن ليبطئن بهذا ما أشار إليه في كتاب الأخبار في قوله: وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه وكان الوجه الذي ذهبوا لأجله إلى ذلك القسم جملة ليس لها بالصلة ولا بالموصول التباس فإذا لم يلتبس لم يجب أن يفصل بها ألا ترى أن: والله لعمرك ونحوهما في نحو الذي والله لا تعلق له بالموصول فلما رأوه كذلك لم يجيزوا والجواب عن ذلك أنه ينبغي أن يجوز من وجهين: أحدهما: أن القسم بمنزلة الشرط والجزاء وكما يجوز أن يخلو الشرط مما يعود إلى الموصول إذا عاد إليه من الجزاء كذلك يجوز أن يخلو القسم من الراجع.
والوجه الآخر: أن القسم تأكيد وتسديد ل ما الصلة وإذا جاز الفصل فيها والاعتراض من حيث كان تسديداً للقصة نحو قوله تعالى: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها فالفصل بين القسم وبينه أجدر وأقيس لما ذكرناه من شبهه بالجزاء والشرط مع أن فيه ما ذكرناه من تسديد القصة فهذا وجه الجواز
========
الخامس والأربعون باب ما جاء في التنزيل وفيه خلاف بين سيبويه وأبي العباس وذلك في باب الشرط والجزاء
وذلك أنك إذا قلت: إن تأتني آتيك فسيبويه يقدره على التقديم أو كأن قال: آتيك أن تأتني.
وأبو العباس يقدره على إضمار الفاء على تقدير: أن ومن ذلك قوله: " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً " فيمن ضم الراء وشدد هو على التقديم عند سيبويه وعلى إضمار الفاء عند أبي العباس.
وكذلك قوله: " يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيدا " من جعل قوله: " وما عملت من " شرطا أضمر الفاء في قوله " تود ".
وهو عند أبي العباس وعند سيبويه يقدر التقديم في " تود ".
ومن جعل ما بمعنى الذي فله أن يبتدئ بها ويجعل " تود " الخبر.
ومن قال: إن ما معطوفة على قوله " ما عملت " جعل قوله " تود " في موضع الحال من " عملت ".
قال أبو علي: في قوله: " يوم تجد كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها ": إن جعلت " تجد " من: وجدان الضالة كان " محضرا " حالاً وقوله " وما عملت من سوء " في موضع نصبٍ بالعطف على ما الأولى و " تود " في موضع الحال عن ما الثانية لأن في الجملة ذكرا يعود إلى ما.
وإن جعلت تجد بمعنى تعلم كان " محضرا " المفعول الثاني.
والمعنى: يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت من خير محضرا وتود لو أن بينها وبينه جزاء ما عملت لا يكون إلا كذلك لأن ما عملته فيما مضى لا يكون محضرا هناك.
وقريب من هذا في المعنى قوله: " ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقعٌ بهم " أي: جزاؤه لأن الإشفاق منه يجب ألا يقرب منه.
ويجوز أن يكون موضع ما الثانية رفعا و " تود " في موضع رفع خبر الابتداء.
ولا يجوز أن يكون ما بمعنى الجزاء إلا أن يكون " تود ": فهي تود ولو كان: وما عملت من سوء ودت لجاز أن يكون جزاء.
ويجوز على قياس قول أبي الحسن في قوله: " الوصية للوالدين " من أن المعنى: فالوصية أن يكون جزاء ويقدر حذف الفاء ويكون المعنى: فهي تود لو أن بينها وبينه.
وهو قياس قول الفراء عندي لأنه ذكر في حد الجزاء أن قوله: " وإن أطعتموهم إنكم لمشركون " على حذف الفاء.
فسيبويه حمل هذه المواضع على التقديم ولم يجز إضمار الفاء وقال في باب أي: إذا قلت: أيها تشألك هو على إضمار الفاء أي: فلك.
ولعله عمل هناك على الموصول إذ أجراها مجراها إذا قلت: أيها تشأ لك هو.
وأبو العباس يزعم أنك إذا قلت: إن تأتني آتيك.
فقد وقع الجزاء موقعه فلا ينوى به التقديم كما أن الفاعل إذا وقع موقعه لا ينوى به غير موضعه.
وسيبويه يقول: إن الشرط على وجهين: أحدهما أن يكون المعتمد المقصود تقديم الشرط وإتباع الجزاء له كقولك: إن تأتني آتك وإن تأتني فأنا مكرم لك.
ولا يجوز تقديم الجواب على الشرط.
والآخر أن يكون الاعتماد على فعل وفاعل أو مبتدأ وخبرٍ يبتدئه المتكلم ويعلقه بشرط كما يعلقه بظرف فيقول: أكرمك إن أتيتني وأنا مكرمك إن زرتني كما تقول: أكرمك يوم الجمعة.
فإذا قال: إن أتيتني أكرمك فليس أكرمك بجواب فيكون تقديما إلى غير موضعه وإنما هو الفعل الذي القصد فيه التقديم.
======
السادس والأربعون باب ما جاء في التنزيل من إدخال همزة الاستفهام على الشرط والجزاء
وهذه أيضاً مسألة فيها اختلاف بين سيبويه ويونس وصورتها: أإن تأتني آتك بجزم الجواب عند سيبويه.
ويونس يقول: أإن تأتني أتيك بالرفع ويقول: هو في نية التقديم ويقدره: أآتيك إن تأتني.
فمن ذلك قوله تعالى: " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ".
فهاتان آيتان يحتج بهما سيبويه على يونس وذلك أنه إذا نوى بالجزاء التقديم وجب أن يكون التقدير في الآية الأولى: انقلبتم على أعقابكم فإن مات وفي الآية الأخرى: أفهم الخالدون فإن مت وهذا ليس وجه الكلام وإنما وجه الكلام: أفهم الخالدون إن مت وكذا: انقلبتم على أعقابكم إن مات لأن من قال: أنت ظالم إن فعلت لم يقل: فأنت ظالم إن فعلت فإن قيل: فإن الفاء زيادة قيل: الفاء ها هنا نظير ثم في قوله: " أثم إذا ما وقع آمنتم به ".
وكما لا يجوز تقدير الزيادة في ثم فكذا ها هنا
==========
السابع والأربعون باب ما جاء في التنزيل من إضمار الحال والصفة جميعا
وهو شيء لطيف غريب فمن ذلك قوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر " أي: فمن شهده منكم صحيحا بالغا.
ومن ذلك قوله في الصفة: " وإن كان رجلٌ يورث كلالةً أو امرأةً وله أخٌ أو أخت " والتقدير: وله أخ أو أخت من أم فحذف الصفة.
وقال: " وأوتيت من كل شيء " " وفتحنا عليهم أبواب كل شيء " كان المعنى: كل شيء أحبته وكل شيء أحبوه.
وقال في الريح: " ما تذر من شيءٍ أتت عليه إلا جعلته كالرميم ".
وقال: " تدمر كل شيء " ولم تجتح هودا والمسلمين معه.
وقوله: " وكذب به قومك " يعني الكافرين لأن فيهم حمزة وعلياً وجعفرا.
وقال: " حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً " أي: شيئا مما ظنه وقدره يبين ذلك قول العباس بن مرداس: وقد كنت في الحرب ذاتدرأ فلم أعط شيئاً ولم أمنع أراد شيئاً مما قدرت إعطائي إياه.
وبعد هذا البيت: إلا أفائل أعطيتها عديد قوائمه الأربع فقال: لم أعط شيئا.
ثم قال: إلا أفائل أعطيتها.
وعلى هذا قولهم: ما أنت بشيء أي: شيء يقع به اعتداد.
فهذا قريب من قولهم: تكلمت ولم تتكلم.
وقريب من هذا قول الكميت: كأنه لم يعط عطاء يكون له موضع أو يكون له اعتداد.
وقريب من هذا قوله تعالى: " فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى " والذي لا يموت يحيا والذي لا يحيا يموت ولكن المعنى: لا يحيى حياة طيبة يعتد بها ولا يموت موتا مريحا مما دفعوا إليه من مقاساة العذاب وكأن الإحياء للعذاب ليس بحياة معتدٍّ بها.
قال عثمان: وأما حذف الحال فلا يحسن وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها وما طريقه طريق التوكيد غير لائقٍ به الحذف لأنه ضد الغرض ونقيضه ولأجل ذلك لم يجز أبو الحسن تأكيد الهاء المحذوف من الصلة نحو: الذي ضربت نفسه زيد على أن يكون نفسه توكيدا للهاء المحذوفة من ضربت وهذا مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقا من انتقاض الغرض بإدغامه.
فأما ما أجزناه من حذف الحال في قوله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي: فمن شهده صحيحا بالغا فطريقه: أنه لما دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز حذفه تخفيفا.
وإما إذا عريت الحال من هذه القرينة وتجرد الأمر دونها لما جاء حذف الحال على وجه.
وحكى سيبويه: سير عليه ليل وهم يريدون: ليل طويل وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقامه قوله: طويل ونحو ذلك وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته وذلك أن يكون في مدح فتقول: كان والله رجلاً فتزيد في قوة اللفظ بالله هذه الكلمة وتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت عليها أي: رجلا فاضلا شجاعا أو كريما أو نحو ذلك وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنسانا وتمكن الصوت بإنسان وتفخمه فتستغنى بذلك عن وصفه وتريد: إنسانا سمحا أو جوادا أو نحو ذلك وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت: سألناه وكان إنسانا.
وتزوى وجهك وتقطبه فيغنى عن ذلك قولك: إنسانا لئيما أو بخيلا أو نحو ذلك.
فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة.
فأما إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو الحال فإن حذفها لا يجوز ألا تراك لو قلت: وردنا البصرة فاجتزنا بالأبلة على رجل أو رأينا بستانا وسكت لم تفد بذلك شيئا لأن هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك المكان وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت وما ذكرت فإن لم تفعل كلفت علم ما لا يدل عليه وهو لغو من الحديث وتجوز في التكليف.
ومن ذلك ما يروى في الحديث: " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".
أي: لا صلاة كاملة أو فاضلة ونحو ذلك.
ومثله: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي عليه السلام.
=====
(الثامن والأربعون) باب ما جاء في التنزيل من الجمع يراد به التثنية
فمن ذلك قوله تعالى: " فإن كان له إخوةٌ فلأمه السدس ".
وأجمعوا غير ابن عباس أن الأخوين يحجبان الأم من الثلث إلى السدس خلافا له فإنه لا يحجب إلا بوجود ثلاثة إخوة.
ومن ذلك قوله تعالى: " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " أي: يديهما.
ومن ذلك قوله: " إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما " أي: قلباكما.
مثل هذا لا يجوز فيه الإفراد استتغناء بالمضاف إليه وتجوز فيه التثنية اعتبارا بالحقيقة ويجوز فيه الجمع اعتبارا بالمعنى لأن الجمع ضم نظير إلى نظير كالتثنية.
وقالوا: كل شيء من شيئين فتثنيتهما جمع كقولك: ضربت رءوس الزيدين وقطعت أيديهما وأرجلهما وهذا أفصح عندهم من رأسيهما كرهوا أن يجمعوا بين تثنيتين في كلمة واحدةٍ فصرفوا الأول إلى لفظ الجمع لأن التثنية جمع في المعنى لأن معنى الجمع ضم شيءٍ إلى شيءٍ فهو يقع على القليل والكثير وأنشدوا: ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل طهور الترسين فأما قوله تعالى: " فلا أقسم برب المشارق والمغارب " فقيل: هو من هذا الباب لقوله: " رب ومعنى " رب المشرقين ورب المغربين " قيل: المشرقان: الشتاء والصيف وكذا المغربان. عن ابن عباس.
وقيل: مشرق الشمس والفجر ومغرب الشمس والشفق.
قوله: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين.
قيل: معناه: بعد المشرق والمغرب.
فهذا كالقمرين والعمرين.
وقيل: مشرق الشتاء والصيف.
وأما قوله تعالى: " وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ".
وهم لم يدعوا إلهية مريم كما ادعوا إلهية المسيح فيما يزعمون فإن ذلك يجيء على: لنا قمراها والنجوم الطوالع والعجاجان لرؤبة والعجاج والأسودان للماء والتمر أطلق على أحدهما اسم الآخر وإن لم يكن ذلك اسما له.
واعلم أنه قد جاءت التثنية يراد بها الكثرة والجمع كما جاء الجمع يراد به التثنية.
قال الله تعالى: " بل يداه مبسوطتان ".
وقال: " ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ".
أي: كرتين اثنتين.
وإنما ذاك بكراتٍ وكأنه قال: كرة بعد كرة كما قالوا: لبيك أي: إلبابا بعد إلباب وإسعادا بعد إسعادٍ في: سعديك وحنانيك: تحننا بعد تحنن قال: ضرباً هذاذيك وطعناً وخضا أي هذا بعد هذٍ.
وأنشدوا للكميت: وأنت ما أنت في غبراء مظلمةٍ إذا دعت ألليها الكاعب الفضل أي: أللا بعد ألل.
وهذا حديث يطول.
وأما قوله تعالى: " ولمن خاف مقام ربه جنتان ".
الفراء يريد به المفرد كقوله: ومهمهين ثم قال: قطعته وهذا لا يصح كقوله " وجنى الجنتين " وقوله: " جنةً وحريرا " " ودانيةً " وقوله " قطعته " كقوله: " معين بسواد " في الرد إلى الأول.
ومن ذلك قوله: " أولئك مبرءون " يعني: عائشة وصفوان.
وقال: " وألقى الألواح " وفي التفسير: كان معه لوحان.
وقال: " وكنا لحكمهم شاهدين " والمتقدم: داود وسليمان.
وأما قوله تعالى: " إن المتقين في جناتٍ ونهر في مقعد صدق ".
هو على حذف المضاف أي: في وكذا قراءة من قرأ " في مسكنهم " أي: في موضع سكناهم لأن الاستغناء بالجمع عن المضاف إليه أكثره في الشعر نحو: " في حلقكم عظم " و " بعض بطنكم ".
نقل فارسهم.
======
التاسع والأربعون باب ما جاء في التنزيل منصوبا على المضاف إليه
وهذا شيء عزيز قال فيه فارسهم: إن ذاك قد أخرج بطول التأمل والفكر.
فمن ذلك قوله عز من قائل: " قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله " " خالدين " حال من الكاف والميم المضاف إليهما مثوى ومثله: " إن دابر هؤلاء مقطوعٌ مصبحين " ف " مصبحين " حال من " هؤلاء ".
وكذلك قوله: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً " " إخوانا " حال من المضاف إليهم في قوله في " صدورهم ".
ومثله: " إليه مرجعكم جميعا ".
قال أبو إسحاق: المثوى: المقام و " خالدين فيها " منصوب على الحال أي: النار مقامكم في حال خلودٍ دائما.
قال أبو علي: مثوى عندي في الآية اسم للمكان دون المكان لحصول الحال في الكلام معملا فيها ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون موضعا أو اسم مصدرٍ فلا يجوز أن يكون موضعا لأن اسم الموضع لا يعمل عمل الفعل لأنه لا معنى للفعل فيه فإذا لم يكن موضعا ثبت أنه مصدر والمعنى: النار ذات إقامتكم أي: النار ذات إقامتكم فيها خالدين أي: هم أهل أن يقيموا ويثبتوا خالدين فالكاف والميم فاعل في المعنى وإن كان في اللفظ خفض بالإضافة.
وأما قوله: وما هي إلا في إزار وعلقة مغار ابن همام على حي خثعما فهو أيضا على حذف المضاف.
المعنى: وما هي إلا في إزار وعلقة وقت إغارة ابن همام.
ألا ترى أنه قد عداه ب على إلى حي خثعما فإذا عداه ثبت أنه مصدر إذ اسما المكان والزمان لا يتعديان فهو من باب: خفوق النجم ومقدم الحاج وخلافة فلان ونحوه من المصادر التي استعملت في موضع الظرف للاتساع في حذف المضاف الذي هو اسم زمان وإنما حسن ذلك في المصادر لمطابقتها الزمان في المعنى ألا ترى أنه عبارة عن منقض غير باق كما أن الزمان كذلك ومن ثم كثر إقامتهم ما التي مع الفعل بمعنى المصدر مقام ظرف الزمان لقولهم: أكلمك ما خلا ليل نهارا وما خلفت جرة درة " وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم " حتى إن قوما من النحويين يسمونها: ما الوقت وحقيقته: ما أعلمتك.
وقال في التذكرة: القول في مثوى: إنه لا يخلو من أن يكون اسم مكان أو مصدرا والأظهر المكان فإذا كان كذلك فالحال من المضاف إليهم كما إن قوله: يعني الجعدي: كأن حواميه مدبراً خضبن وإن كان لم يخضب حال من المضاف إليه.
وإن جعلت المثوى مصدرا ألزمك أن تقدر حذف المضاف كأنه: موضع ثوائكم خالدين فيكون الحال من المصدر والعامل فيها كأنه: يثوون فيها خالدين.
فالعامل في الحال على هذا المصدر وفي الوجه الأول معنى الإضافة مثل قوله تعالى: " فما لهم عن التذكرة معرضين " الحال عن الإضافة وما فيه من معنى الفعل هو العامل والدليل على ذلك أنه لا يخلو من أن يكون العامل المضاف إليهم أو معنى اللام فلا يكون معنى اللام لأنه لو كان كذلك لم تكن الحال مجموعا بالواو والنون ألا ترى أن " ما لهم " أي: شيء وأي شيء ثبت لهم لا يكون جميعا مما يعقل فلا يكون الحال عنه وإذا لم يكن عنه علمت أنه من المضاف إليهم وأن العامل في الحال ما في الإضافة من معنى الفعل وحروف الجر في هذا بمنزلة الأسماء كما كانت الأسماء بمنزلتها في نحو: غلام من تضرب أضرب وفي الاستفهام: غلام من تضرب كما تقول: بأيهم تمرر وغلام من تضرب أضرب بمنزلة: من تمرر أمرر.
وقال في موضع آخر من التذكرة.
القول في قوله تعالى: " فما لهم عن التذكرة معرضين ": إن الحال لا يخلو فيه من أن يكون: عما في اللام أو عن المضاف إليهم فلا يجوز أن يكون عما في اللام فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه عن المضاف إليهم والمضاف إليه إنما جاز انتصاب الحال عنه لأنه لا تخلو الإضافة فيه من أن تكون بمعنى اللام أو بمعنى من فمن أي القسمين كان فمعنى الفعل فيه حاصل فانتصابهما عن معنى الفعل ولا يكون ذلك معنى مضمرا كما ذهب إليه أبو عثمان في قوله: وإذ ما مثلهم بشر ولكن حكم منزلة الحرف المراد في الظرف في ذلك حكم الإظهار لأن الإضمار لا يلزمه ألا ترى أنك إذا كنيت عنه ظهر الحرف فكذلك حكم الظرف المراد في الإضافة لما لم يلزم حذفه لقولك: ثوب زيدٍ وثوب لزيدٍ وحلقة حديدٍ وحلقة من حديد بمنزلة الحرف الذي يراد في الظرف ولا يلزم حذفه فعن هذا يلتزم الحال عن المضاف إليه.
ومما يبين ذلك قوله: ألا ترى أن الحال لا تكون من المضاف إليه ولا تكون من كان لأنه لا عمل لها في ذي الحال ولا من خبرها فإذا لم يجز ذلك ثبت أنه من المضاف إليه كما أنها في الآية من المضاف إليه.
فأما قوله: فهل في معدٍّ فوق ذلك مرفدا فلا يخلو من أحد أمرين: أحدهما: على ما يذهب إليه أبو الحسن في قوله تعالى: " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك " ونحوها فيكون في موضع رفع.
والآخر: أن يكون صفة والموصوف محذوف.
فيجوز انتصاب المرفد أن يكون حالا عن كل واحدٍ من القولين ويجوز أن يكون من المضاف إليه ويجوز أن يكون تبيينا عن ذلك مثل: أفضلهم رجلا.
ومن ذلك قوله: " أن دابر هؤلاء مقطوعٌ مصبحين " ف " مصبحين ".
حال من المضاف إليهم أعنى: " هؤلاء ".
========
المتم الخمسين
فمن ذلك قوله تعالى: " قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ".
المعنى: أي لا تشركوا به شيئا ف لا ناهية جازمة و أن بمعنى أي.
وقيل: بل التقدير فيه: ذلك ألا تشركوا فيه فيكون خبر مبتدأ مضمر أي: المتلو ألا تشركوا وليس التقدير: المحرم ألا تشركوا لأن ترك الشرك ليس محرما كما ظنه الجاهل ولا أن لا زائدة.
وقيل: التقدير: حرم عليكم بألا تشركوا.
وقيل: التقدير: أتلو عليكم ما حرم أي: أتلوا المحرم لئلا تشركوا.
وقيل: التقدير: عليكم ألا تشركوا و أن هذه نابية عن القول وتأتي بعد فعل في معنى القول وليس بقول كقولك: كتبت إليك أن قم.
تأويله: قلت لك قم.
ولو قلت: قلت لك أن تقوم لم يجز لأن: القول يحكى ما بعده ويؤتى بعده باللفظ الذي يجوز وقوعه في الابتداء وما كان في معنى القول وليس بقول فهو يعمل وما بعده ليس كالكلام المبتدأ.
وهذا الوجه في أن لم يعرفه الكوفيون ولم يذكروه وعرفه البصريون وذكروه وسموه: أن التي للعبارة وحملوا عليه قوله: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا ".
وفي تقديره وجهان: أحدهما: انطلقوا فقالوا: قال بعضهم لبعضٍ: امشوا واصبروا وذلك أنهم انصرفوا من مجلسٍ دعاهم فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله إلى توحيد الله تعالى وذكره وترك الآلهة دونه وصار انطلق الملأ لما أضمر القول بعده لمعنى فعلٍ يتضمن القول نحو: كتبت وأشباهه.
والوجه الأخر: أن يكون انطلقوا بمعنى: تكلموا كما يقال: انطلق زيد في الحديث كأن خروجه عن السكوت إلى الكلام هو الانطلاق.
ويقال في " أن امشوا ": أن اكثروا وانموا.
وليس المشي ها هنا قطع الأماكن بل المعنى هو الذهاب في الكلام مثل: " والذين يسعون في آياتنا ".
ومعنى المشي هو الدؤوب والملازمة والمداومة على عبادتها مثل: " إلا ما دمت عليه قائماً " ليس يريد الانتصاب وإنما يريد الاقتضاء ومثل: " القيوم " أي: المديم حفظه خلقه.
فإن قيل: فإذا كان تأويل المشى على ما ذكرتم فغير ممتنع أن يكون التقدير: انطلقوا بالمشى لأنه يكون على هذا المعنى: أوصوهم بالملازمة لعبادتها قيل الوصية وإنما هي العبادة في الحقيقة لا بغيرها فلا يجوز تعليق الوصية بغير العبادة.
وأيضا ليس المعنى: ذهبوا في الكلام وخاضوا فيه بالمداومة والملازمة بالعبادة.
وأما قوله: " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ".
أن بمعنى: أي وهي تفسير " أمرتني " لأن في الأمر معنى أي: ولو قلت: ما قلت لهم إلا ما قلت لي أن اعبدوا الله لم يجز لأنه قد ذكر أولها: أن يكون الفعل والذي يفسره أو يعبر عنه فيه معنى القول وليس بقولٍ وقد مضى هذا.
والثاني: ألا يتصل به شيء منه صار في جملته ولم يكن تفسيرا له كالذي قدره سيبويه: أوعزت إليه بأن افعل.
والثالث: أن يكون ما قبلها كلاما تاما لأنها وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها ومن أجل ذلك كان قوله: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ": وآخر قولهم " دعواهم " مبتدأ و " آخر قولهم " مبتدأ لا خبر معه وهو غير تام فلا يكون بعده أن بمعنى أي.
وقوله تعالى: " وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدقت الرؤيا ".
ومعناه: بأنك قد صدقت الرؤيا.
وأجاز الخليل أيضاً أن يكون على أي لأن " ناديناه " كلام تام ومعناه: قلنا: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
ومن ذلك قوله: " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك " يكون بمعنى أي ويكون بإضمار الباء كما حكى الخليل: أرسل إليه بأنك ما أنت وذا.
وأما قوله: " وجعلناه هدىً لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا " فيمن زعم وهو معمر " ألا تتخذوا من دوني " على إضمار القول كأنه يراد به: قلنا أن لا تتخذوا ولم يكن قوله هذا متجها وذلك أن القول لا يخلو من أن تقع بعده جملة على معنى: يحكى أو معنى جملة تعمل في لفظه.
القول الأول: كقولك: قال زيد عمرو لمنطلق فموضع الجملة نصب بالقول.
والآخر يجوز أن يقول القائل: لا إله إلا الله فتقول: قلت حقا أو يقول: الثلج حار فتقول: قلت باطلا فهذا معنى ما قاله وليس نفس القول.
وقوله " أن لا تتخذوا " خارج من هذين الوجهين ألا ترى أن " أن لا تتخذوا " ليس هو معنى القول كما أن قولك: حقا إذا سمعت كلمة الإخلاص معنى القول وليس قوله " أن لا تتخذوا " بجملة فيكون كقولك: قال زيد عمرو منطلق.
ويجوز أن يكون بمعنى أي أي التي للتفسير انصراف الكلام من الغيبة إلى الخطاب كما انصرف من الخطاب في قوله تعالى: " وانطلق الملأ منهم أن امشوا " إلى الأمر كذلك انصرف من الغيبة إلى النهي في قوله: " أن لا تتخذوا " وكذلك قوله: " أن اعبدوا الله ربي " في وقوع الأمر بعد الخطاب ويجوز أن تضمر القول وتخمل " تتخذوا " على القول المضمر إذا جعلت أن زائدة فيكون التقدير: وجعلناه هدى لبني إسرائيل فقلنا: لا تتخذوا من دوني وكيلا فيجوز إذا في قوله: " أن لا تتخذوا " ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون الناصبة للفعل فيكون المعنى: وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني والآخر: أن تكون بمعنى أي لأنه بعد كلام تام فيكون التقدير: أي لا تتخذوا.
والثالث: أن تكون أن زائدة وتضمر القول.
وأما قوله: " وقضى ربك ألا تعبدوا ".
قال أبو علي: يكون أن التفسير لأن " قضى ربك " كلام تام ولا " تعبدوا " نهى كأنه: قضى ربك هذا وأمر بهذا.
فعلى هذا يكون قوله: " وبالوالدين إحساناً " كأنه أمر بعد نهي كأنه: وأحسنوا بالوالدين إحسانا وتكون الناصبة للفعل أيضا فيكون الواو في " بالوالدين " عاطفة على أن كأنك قلت: قضى بأن لا تعبدوا وأن تحسنوا ويكون الفعل بعد الواو القائمة مقام أن محذوفا وما أقل ما يحذف الفعل في صلة أن وكذلك ينبغي ألا يحذف بعدما يقوم مقامها وقد قال: أما أنت منطلقا انطلقت إليك فحمله على أن كنت وما بدل من الفعلين وليس في الآية بل فلا تحمل على أن الناصبة
==========51
الحادي والخمسون باب ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين
فمن ذلك ما قاله القاسم في قوله تعالى: " لم يتسنه " إنه من قوله: " من حمأ مسنونٍ " أي: يتغير ثم أبدلت من النون الأخيرة ياء فصار " يتسنى " فإذا جزمت قلت: لم يتسن كما تقول: لم يتغن ثم تلحق الهاء لبيان الوقف.
وقيل: هو من السنة تسنى أي: مرت عليه السنون فتغير.
ومن أثبت الهاء في الوصل فلأنهم قالوا: سنة وسنهات فيكون الهاء لام الفعل.
ومن ذلك قوله تعالى: " فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا " أي: تمل لقوله: " فليملل وليه ".
يقال: أمللت وأمليت.
ومن ذلك قوله: " ثم ذهب إلى أهله يتمطى " والأصل: يتمطط.
قالوا: لأنه من المطيطاء.
ومنه قوله: " وقد خاب من دساها " أي: دسها بالفجور والمعاصي فأبدلت من اللام ياء فصار: " دساها ".
ومنه قوله تعالى: " فدلهما بغرور " أي: دللهما لقوله: " هل أدلك ".
ويكون فعل دلى يدلى الذي مطاوعه تدلى: كقوله: هما دلتاني من ثمانين قامة أي: أوقعهما في المعصية بغروره وإلقائهما فيها وطرحهما.
قال سيبويه: وكل هذا التضعيف فيه عربي كثير جيد جدا يعني: ترك القلب إلى الياء عربي جيد إذا قلت: تظنيت وتسريت.
وقد جعل سيبويه الياء في تسريت بدلا من الراء وأصله: تسررت وهو من السرور فيما قاله الأخفش لأن السرية يسر بها صاحبها.
وقال ابن السراج: هو عندي من السر لأن الإنسان يسر بها ويسترها عن حزبه كثيرا.
والأولى عندي أن يكون من السر الذي هو النكاح.
وقيل: ليس الأصل فيه تسررت وإنما هو تسريت بمعنى: سراها أي: أعلاها وسراة كل شيء: أعلاه.
وأما كلا وكل فليس أحد اللفظين من الآخر لأن موضعهما مختلف تقول: كلا أخويك قائم ولا تقول: كل أخويك قائم.
ولا يجوز أن تجعل الألف في كلا بدلا من اللام في كل ولم يقم الدليل على ذلك وكذلك قال سيبويه.
ومثله: ذرية أصله: ذروة فعلولة من الذر فأبدلت من الراء ياء وقلبت الواو ياء وأدغمت فيه فصارت ذرية.
وفي ذلك ما روى عن ابن كثير في قوله: " فذانك برهانان من ربك ".
قال أبو علي: وجه ما روى من " فذانيك: أنه أبدل من النون الثانية الياء كراهية التضعيف.
ومن ذلك قراءة من قرأ: " وقرن في بيوتكن " هو من قر في المكان يقر أصله: اقررن فأبدل من الراء الأخيرة ياء ثم حذفها وحذف همزة الوصل فصار: قرن وهو مشكل.
ومثله: " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " فيمن قرأها بالتخفيف أصله " تعتدونها " فأبدل من الدال حرف اللين.
=====
52
الثاني والخمسون باب ما جاء في التنزيل من حذف واو العطف
فمن ذلك قوله تعالى: " صمٌّ بكمٌ عميٌ " والتقدير: صم وبكم وعمى كقوله في الأخرى: " صمٌّ وبكمٌ في الظلمات " فالتقدير فيه أيضا: وفي الظلمات.
ومن ذلك قوله: " أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون " و " أصحاب النار هم فيها خالدون " فحذف الواو.
وهكذا في جميع التنزيل من هذا النوع.
ومن ذلك قوله تعالى: " سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم " أي: ورابعهم كلبهم.
وكذلك قوله: " ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم " أي: وسادسهم.
دليل ذلك قوله: " ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم ".
وكما ظهرت الواو هنا فهي مقدرة في الجملتين المتقدمتين إذ ليست الجملتان صفة لما قبلهما ولا حالا ولا خبرا لما تقدم في غير موضع وإنما هما جملتان في تقدير العطف على جملتين.
ومن ذلك قوله تعالى: " ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم " التقدير: وأغويناهم وقد تقدم شرحه.
وأما قوله تعالى: " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه " فإن جواب إذا قوله " تولوا " وليس الجواب " قلت " والتقدير في قلت أن يكون بحرف عطف إلا أنك استغنيت عنه بتضمن الثانية الذكر مما في الأولى بمنزلة قوله " رابعهم كلبهم " ألا ترى أن إفاضتهم الدمع إنما هو إياسهم من الخروج والتوجه نحو العدو لتعذر الظهور الحاملة لهم عليها.
وأما قوله تعالى: " واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا ".
فحمله أبو الحسن على حذف الواو نهى بعد أمرٍ.
وحمله الفراء على جواب الأمر وفيه طرف من النهي ومثله: " ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ".
ومن ذلك قوله: " رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما " أي: وأنعم الله فحذف الواو.
وقال الله تعالى: " فخرج على قومه في زينته.
قال الذين يريدون " أي: وقال.
ومن ذلك قال الفراء في قوله: " أوهم قائلون " على إضمار الواو كأنه: أو وهم قائلون فحذفت قال أبو علي: إنما قال هذا لأن " أوهم قائلون " معطوف على " بياتا " الذي هو حال فهذه الجملة إذا دخلت كانت مؤذنة بأن الجملة بعدها للحال أيضا فالتقدير أتاهم بأسنا بائتين أو قائلين.
ولو قلت: جاءني زيد ويده فوق رأسه بلا واو لكان حسنا وإذا كان كذلك فقد يجوز ألا تقدر الواو يدلك على أن قوله " وهم قائلون " جملة في موضع مفرد قوله: " أرأيتكم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً " فقوله: " أوهم قائلون " بمنزلة " نهارا ".
=========
الثالث والخمسون باب ما جاء في التنزيل من الحروف التي أقيم بعضها مقام بعض
وهذا الباب يتلقاه الناس معسولا ساذجا من الصنعة وما أبعد الصواب عنهم وأوقفهم دونه وذلك أنهم يقولون: إن إلى يكون بمعنى مع ويحتجون لذلك بقول الله تعالى: " من أنصاري إلى الله " أي: مع الله.
وقال الله تعالى: " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " أي: مع امولكم.
ويقولون في بمعنى على ويحتجون بقوله تعالى: " ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي: عليها.
وهذا في الحقيقة من باب الحمل على المعنى.
فقوله: " من أنصارى إلى الله " معناه: من يضيف نصرته إلى نصرة الله وكذا: " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ".
أي مضمومة إليها وكذلك قوله: " هل لك إلى أن تزكى " وأنت إنما تقول: هل لك في كذا لكنه لما كان هذا دعاء منه صلى الله عليه وعلى آله له صار تقديره: أدعوك وأرشدك إلى أن تزكى.
وأما قوله: " ولأصلبنكم في جذوع النخل " فليس في بمعنى على وإنما هو على بابه لأن المصلوب في الجذع والجذع وعاء له.
-----
الرابع والخمسون باب ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل المضاف إلى المكنى
وذلك قد جاء في التنزيل في ستة مواضع: فمن ذلك قوله تعالى: " واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ".
وقال: " فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجلٍ هم بالغوه ".
وقال الله تعالى: " لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ".
وقال الله تعالى: " إنا منجوك وأهلك ".
وقال: " إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ".
فهذه ستة مواضع.
فالهاء والكاف في هذه الآي جرٌّ عندنا.
وقال أبو الحسن: هو نصب واحتج بانتصاب قوله " وأهلك " فلولا أن الكاف منصوب المحل لم ينصب " أهلك " واحتج بأن النون إنما حذف حذفا لتعاقبه المضمر لا لأجل الإضافة فوجب أن يكون منصوبا قياسا على قولنا: هؤلاء ضوارب زيداً وحجاج بيت الله فإن التنوين هنا حذف حذفا فانتصب ما بعده كذلك ها هنا ولا يلزم قولكم إن المضمر يعتبر بالمظهر لأنا نرى نقيض ذلك في باب العطف حيث لم يجز عطف المظهر على المضمر المرفوع ولا على المضمر المجرور وإن جاز عطفه على المضمر المنصوب فكذلك ها هنا يجوز أن يقع المضمر منصوبا وإن كان المظهر لو وقع كان مجرورا.
ولنا أنه اسم مضاف إليه اسم قبله فوجب أن يكون مجرورا قياسا على: ضاربا زيدٍ وغلاما بكر وهذا لأن المضاف إليه يعاقب النون أو التنوين وهذا الاسم عاقب النون حتى لا يجمع بينه وبين النون في حال السعة فوجب أن يكون مجرورا ولأن المضمر يعتبر بالمظهر ما لم يعرض هناك عارض مثل ما عرض في باب العطف بامتناع المظهر على المضمر المرفوع لما صار المضمر المرفوع كالجزء من الفعل بدليل إسكانهم لام الفعل من أجل هذا المضمر في ضربت وامتنع عطف المظهر المجرور على المضمر المجرور لامتناع الفصل بين الجار والمجرور وهذا المعنى لم يعرض ها هنا فبقى اعتباره بالمظهر.
وأما انتصاب " أهلك " من قوله: " إنا منجوك وأهلك " فبفعلٍ مضمرٍ لامتناعه من أن يكون معطوفا على مضمر مجرور لأن الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور.
وأما الهاء في قوله: " ما هم ببالغيه " فقد قال أو على: المعنى: ما هم ببالغي ما في صدورهم وليس المعنى: ما هم ببالغي الكبر لأنهم قد بلغوا الكبر إذ كانوا قد فعلوه وطووا صدورهم عليه.
فإن قلت: فإن معنى قوله: " إن في صدورهم إلا كبر ": ما في صدورهم إلا كبر.
وإذ لم يكن في صدورهم إلا كبر قلت: المعنى: ما هم ببالغي ما في صدورهم فقد قلت: إن المعنى: ما هم ببالغي ما في الكبر لأن في صدورهم الكبر لا غير.
فالقول في ذلك: إن هذا على الاتساع وتكثير الكبر لا يمتنع أن يكون في صدورهم غيره ألا ترى أنك قد تقول للرجل: ما أنت إلا سير وما أنت إلا شرب الإبل وإذا كان كذلك كان المعنى: إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغي ما في صدورهم ويكون المعنى بقوله " ما في " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره " فمعنى: " ما هم ببالغيه " ما هم ببالغي ما يرونه من توهين أمره وتنفير الناس عنه وصدهم عن الدين.
قال أبو عثمان المازني: ولا يضاف ضارب إلى فاعله لأنك لا تضيفه إليه مضمرا وكذلك لا تضيفه إليه مظهرا.
قال: وجازت إضافة المصدر إلى الفاعل مظهراً لما جازت إضافته إليه مضمرا.
وكأن أبا عثمان إنما اعتبر في هذا الباب المضمر فقدمه وحمل عليه المظهر من مثل أن المضمر أقوى حكما في باب الإضافة من المظهر وذلك أن المضمر أشبه بما تحذفه الإضافة وهو التنوين من المظهر.
وكذلك لا يجتمعان في نحو: ضاربانك وقاتلونه من حيث كان المضمر بلطفه وقوة اتصاله وليس كذلك المظهر لقوته ووفور صورته ألا ترك تثبت معه التنوين فتنصبه نحو: ضاربان زيدا وقاتلون بكرا فلما كان المضمر مما تقوى معه مراعاة الإضافة حمل المظهر وإن كان هو الأصل عليه. ///
الخامس والخمسون باب ما جاء في التنزيل في جواب الأمر
فمن ذلك قوله تعالى: " فادع لنا ربك يخرج لنا " ف " يخرج لنا " جزم لأن التقدير: ادع لنا ربك وقل له أخرج يخرج لنا مما تنبت الأرض.
ومنه قوله: " اسلك يدك في جيبك تخرج " أي: أخرجها تخرج.
وقال: " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة " ففي " يقيموا ثلاثة أقوال: الأول: أن يكون جواب قل لأنه يتضمن معنى: مرهم بالصلاة يفعلوا لأنهم آمنوا.
والثاني: أن قل تقتضى مقولا وذلك المقول ها هنا " أقيموا " فالتقدير: قل لهم أقيموا الصلاة يقيموها أي: إن قلت أقيموا أقاموا لأنهم يؤمنون فيكون جواب أمر محذوف دل عليه الكلام.
والثالث: أن يكون بحذف اللام من فعل أمر الغائب على تقدير: قل لهم ليقيموا الصلاة.
وجاز حذف اللام هنا ولا يجوز ابتداء مع الجزم لأن لفظ الأمر ها هنا صار عوضا من الجازم وفي أول الكلام لا يكون له عوض إذا حذف.
وفي التذكرة في قوله: " هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم تؤمنون بالله " إلى قوله " يغفر لكم " قيل: " تؤمنون " على إرادة أن فلما حذفت رفع كأنه: هل أدلكم على أن تؤمنوا على أنه بدل من " تجارة " فلما حذف رفع فيكون المعنى معنى أن وإن حذفت وأن يكون بمعنى " آمنوا " أقوى لانجزام قوله " يغفر " ألا ترى أنه لا يخلو من أن يكون جوابا لقوله: " هل أدلكم " أو يكون جواب " آمنوا " فلا يكون جواب " هل أدلكم " لأنه ليست المغفرة تقع بالدلالة إنما تقع بالإيمان فإذا لم يمتنع أن يكون جوابا له ثبت أنه بمعنى الأمر.
هذا قول سيبويه.
وقال قوم: إن قول الفراء أجود وذا كأن " تؤمنوا " لا يقتضى جوابا مجزوما لأنه مرفوع والاستفهام يقتضيه وإذا وجب بالإجماع حمل الكلام على المعنى فأن يقدر " هل تؤمنوا يغفر " أولى لارتفاع " تؤمنون " ولكون المعنى عليه ويكون " تؤمنون " بدلا من " أدلكم ".
قال أبو عثمان في قوله: " وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ": التقدير في " يقولوا ": قولوا لأنه إذا قال قل فقوله لم يقع بعد فوقوع يفعل في موضع افعلوا غير متمكنٍ في الأفعال فلما وقع التمكن وقع افعلوا وهكذا تقول في قوله: إذا الدين أودى بالفساد فقل له يدعنا ورأساً من معدٍّ نصارمه أي: دعنا.
وهذا لا يرتضيه أبو علي لأن الموجب للبناء في الاسم الواقع موقع المبني لا يكون مثل ذلك في الأفعال وإنما يكون في الأسماء.
=======
السادس والخمسون باب ما جاء في التنزيل من المضاف الذي اكتسى
فمن ذلك قوله تعالى: " فاقع لونها تسر الناظرين " وقف على " فاقع " أنث اللون لأنه قد اكتسى من المضاف إليه التأنيث.
وقال: " فله عشر أمثالها " لما أضاف الأمثال إلى المؤنث اكتسى منه التأنيث ولم يقل عشرة.
وقال: " تلتقطه بعض السيارة " في قراءة الحسن بالتاء.
ومن ذلك قوله: " ومن خزي يومئذٍ " " وهم من فزعٍ يومئذٍ " " من عذاب يومئذٍ ".
وقوله: " فذلك يومئذٍ يومٌ عسير " فيمن فتح فتحه لأنه بناه حين أضافه إلى إذ فاكتسى منه البناء.
وربما يكتسى منه الشيوع ومعنى الشرط ومعنى الاستفهام.
فالشيوع كقوله: " بئس مثل القوم الذين كذبوا " لما أضاف " مثل " إلى اللام كان بمعنى اللام.
فأما قوله تعالى: " قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " فليس من هذا الباب لأنه مضاف إلى المعرب دون المبني فانتصابه إنما هو على الظرف أي: هذا واقع يوم ينفع الصادقين أو يكون ظرفا ل " قال " أي: قال الله هذا في ذلك اليوم.
وقال قوم: " يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ": إن قوله " يوم هم على النار " مبني على الفتح وهو في موضع الرفع لأنه بدل من قوله " يوم الدين ".
وقالوا: إنما بني لأنه أضيف إلى الجملة والجملة لا يتبين فيها الإعراب فلما أضيف إلى شيئين كان مبنياًّ.
وقالوا في قوله تعالى: " وما أدريك ما يوم الدين " فجرى ذكر " الدين " وهو الجزاء قال: " يوم لا تملك " أي: الجزاء يوم لا تملك فصار " يوم لا تملك " خبر الجزاء المضمر لأنه حدث فيكون اسم الزمان خبرا عنه ويقوى ذلك قوله: " اليوم تجزى كل نفسٍ بما كسبت ".
ويجوز النصب على أمرٍ آخر وهو أن " اليوم " لما جرى في أكثر الأمر ظرفا ترك على ما كان يكون عليه في أكثر أمره ومن الدليل على ذلك ما اجتمع عليه القراء في قوله تعالى: " منهم الصالحون ومنهم دون ذلك ".
وقوله تعالى: " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ".
ومثله: " وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس ".
ومثله: " لقد تقطع بينكم " فيمن نصب.
ومثله: " يوم القيامة يفصل بينكم " مرتبا للمفعول لما جرى بين في كلامهم منصوبا بقاه على النصب.
قال سيبويه: وسألته عن قولهم في الأزمنة: كان ذلك زمن زيدٍ أمير فقال: لما كانت بمنزلة إذ أضافوها إلى ما قد عمل بعضه في بعض كما يدخلون إذ على ما قد عمل بعضه في بعض فلا يغيرونه فشبهوا هذا بذاك.
ولا يجوز هذا في الأزمنة حتى تكون بمنزلة إذ فإن قلت: يكون هذا يوم زيد أمير خطأ.
حدثنا بذلك عن يونس عن العرب في ذلك لأنك لا تقول: يكون هذا إذا زيد أمير.
قال أبو عثمان: جملة هذا الباب: إن الزمان إذا كان ماضيا أضيف إلى الفعل أو إلى الابتداء والخبر لأنه في معنى إذ فأضيف إلى ما يضاف إليه وإذا كان لما لم يقع لم يضف إلا إلى الأفعال لأنه في معنى إذا وإذا هذه لا تضاف إلا إلى الأفعال.
قلت: وفي التنزيل: " يوم هم بارزون " و " يوم هم على النار يفتنون ".
وفيما اكتسى المضاف من المضاف إليه التأنيث: " وتوفى كل نفسٍ " و " اليوم تجزى كل نفسٍ " وقوله: " ثم توفى كل نفس " جاء تأنيث الفعل في هذه الآي وأمثالها لأن كلا لما أضيف إلى المؤنث اكتسى منه التأنيث ليكون حجة لقراءة الحسن " يلتقطه بعض السيارة " و كل ك بعض و بعض ك كل.
السابع والخمسون من شيء محذوف
فمن ذلك قوله تعالى: " رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وإقام الصلاة " وأنت تقول: أقمت إقامة فإذا قلت: إقام الصلاة حذفت التاء ويصير المضاف إليه عوضا من التاء.
نظيره في الأنبياء: " فعل الخيرات وإقام الصلاة ".
وقد شاع كون المضاف إليه بدلاً من التنوين والألف واللام.
الثامن والخمسون باب ما جاء في التنزيل معطوفا وليس المعطوف مغايرا للمعطوف عليه وإنما هو هو أو بعضه
فمن ذلك قوله تعالى: " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا " إن حملت الكلام على المعنى وقلت: إن التقدير: أحرص من الناس كان " الذين أشركوا " داخلين معهم وخصوا بالذكر لشدة عنادهم.
ومثله: " من كان عدواًّ لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ".
ومثله: " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياءً " و الضياء في المعنى هو الفرقان.
وقال: " ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ".
فأما قوله: " فيها فاكهةٌ ونخلٌ ورمان " فالشافعي يجعله من هذا الباب فيقول لو قال رجل: والله لا آكل الفاكهة فأكل من هذين يحنث وجعله من هذا الباب ك " جبريل وميكال ".
وأبو حنيفة يحمله على أصل العطف من المغايرة دون ما خص بالذكر بعد الواو إما تعظيماً وإما لمعنى آخر.
ومثله: " الذي خلقني فهو يهدين.
والذي هو يطعمني ويسقين " إلى قوله: " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ".
وحكى سيبويه: مررت بزيد وصاحبك ولا يجوز: فصاحبك بالفاء خلافا لأبي الحسن الأخفش.
وقال: " تلك آيات الكتاب وقرآنٍ مبين ".
وفي موضع آخر: " تلك آيات القرآن وكتابٍ مبين ".
والكتاب والقرآن واحد.
فأما قوله " تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ".
فيكون من هذا الباب فيكون الذي في موضع الجر أي: تلك آيات الكتاب المنزل إليك ويرتفع
==========
التاسع والخمسون باب ما جاء في التنزيل من التاء في أول المضارع فيمكن حمله على الخطاب أو على الغائبة
فمن ذلك قوله تعالى: " خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها " يجوز أن يكون: " تطهرهم أنت " وأن يكون التقدير: تطهرهم هي يعني الصدقة فيكون الأول حالا من الضمير في " خذ " وفي الثانية صفة ل " صدقة ".
قال أبو علي: يمكن أن يكون حالا للمخاطب أي: خذها مطهراً لهم فإن جعلت تطهر صفة ل " صدقة " لم يصح أن يكون " تزكيهم " حالا من المخاطب فيتضمن ضميره لأنك لو قلت: خذ مزكيا وأنت تريد الحال فأدخلت الواو لم يجز ذلك لما ذكرنا ويستقيم في " تطهرهم " أن يكون وصفا وكذلك " تزكيهم " وصفا له وكذلك " تزكيهم " لمكان " بها ".
كما يستقيم فيهما أن تكونا حالين ولا يستقيم أن تكون الأولى وصفا والأخرى للمخاطب كما لا يجوز أن تكون الأولى حالا والأخرى وصفا لمكان الواو.
ومن ذلك قوله: " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعةٌ أو تحل ".
أي تحل أنت وإن شئت: أو تحل القارعة.
ومثله: " وألق ما في يمينك تلقف " إن شئت: تلقف أنت وإن شئت: تلقف العصا التي في يمينك فأنث على المعنى.
وقال: " يومئذٍ تحدث أخبارها " إن شئت: تحدث أنت أو: تحدث هي يعني الأرض.
====
المتم الستين باب ما جاء في التنزيل من واو الحال تدخل على الجملة من الفعل والفاعل
والمعروف منها دخولها على المبتدأ والخبر كقوله: " وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ".
وقد دخل على الفعل والفاعل في مواضع فمن ذلك قوله: " لا ذلولٌ تثير الأرض ولا تسقي الحرث " كان سهل يقف على ذلول ويبتدى بقوله: " تثير الأرض " فيكون الواو في " ولا تسقى الحرث " للحال دون العطف لأن النفي لا يعطف ومن ذلك قوله: " إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً " " ولا تسأل عن أصحاب الجحيم " أي: غير مسئول فهو في موضع الحال وحمله مرةً أخرى على الإثبات.
ومن ذلك قوله تعالى: " قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان " فيمن خفف النون.
قال: وإن شئت كان على لفظ الخبر والمعنى: معنى الأمر كقوله: " يتربصن بأنفسهن " " لا تضار والدةٌ بولدها " أي: لا ينبغي ذلك.
وإن شئت جعلته حالا من استقيما وتقديره: استقيما غير متبعين.
وأنشد فيه أبياتاً تركتها مع أبيات أخرى.
فأما قوله: " وإذ قالت طائفةٌ منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريقٌ منهم النبي " فإنهما كانا طائفتين: طائفة قالت: يا أهل يثرب لا مقام لكم وطائفة تستأذن النبي.
فالواو للاستئناف عطف على " وإذ قالت ".
ويجوز أن يكون للحال من الطائفة أي: وإذ قالت طائفة منهم كيت وكيت مستأذنا فريق منهم النبي.
وجاز لربط الضمير الجملة بالطائفة أي: قالت كذا وحال طائفة كذا.
ومن ذلك قوله تعالى: " الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ".
يجوز أن يكون حالاً من الباغين أي: يصدون باغين ويجوز أن يكون حالا من السبيل.
ويجوز الاستئناف لقوله في الآية الآخرى: " وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً ".
وحكم تعديته أعني " تبغون إلى أحد المفعولين أن يكون بحرف الجر نحو: بغيت لك خيرا ثم يحذف الجار.
ومن ذلك قوله تعالى: " واتخذتموه وراءكم ظهرياً ".
الواو في " اتخذتموه " واو الحال أي: أرهطي أعز عليكم من الله وأنتم بصفة كذا فهو داخل في حيز الاستفهام.
ومن ذلك قوله تعالى: " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون " قيل: لم يقولوا: إن شاء الله.
وقيل: لم يستثنوا حق المساكين.
فعلى الثاني: الواو للحال أي: أقسموا غير مستثنين وعلى الأول: الواو للعطف أي: أقسموا وما استثنوا فهو حكاية الحال من باب: " وكلبهم باسطٌ ".
وإن شئت من باب: " كفروا ويصدون " نظير قوله: " إنا نحن نزلنا الذكر " وقوله: " على خوف من فرعون " وقوله: " رب ارجعون ".
وأما قوله: " يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ".
قال الجرجاني: كما لا يجوز أن يكون " لا نكذب " معطوفاً على " نرد " لأنه يدخل بذلك الحتم ويجرى مجرى أن يقال: يا ليتنا لا نكذب كذلك لا يجوز أن تكون الواو للحال لأنه يوجب مثل ذلك من دخوله في التمني من حيث كانت الواو إذا كانت للحال ربطت الجملة بما قبلها.
فإذا قلت: ليتك تأتيني وأنت راكب كنت تمنيت كونه راكبا كما تمنيت الإتيان.
فإن قلت ما تقول في مثل قول المتنبي: فليتك ترعاني وحيران معرضٌ لا يتصور أن يكون دنوه من حيران متمنًّى فإن ذلك لا يكون لأن المعنى في مثل هذا شبيه التوقيف نحو: ليتك ترعاني حين أعرض حيران وحين انتهيت إلى حيران ولا يكون ذلك إلا في الماضي الذي قد كان ووجد وكلامنا في المستقبل فهذه زيادة في آخر الكتاب تجئ على قول الفراء دون سيبويه وأصحابه من عطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور يذهب إليه في عدة آي: منها قوله: " وصدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام " يحمل جر " المسجد " على الهاء.
ومنها قوله: " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " فيمن قرأها بالجر.
ومنها قوله: " قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم " ومنها قوله: " لا أملك إلا نفسي وأخي " يحمل " أخي " على الياء في " نفسي ".
ومنها قوله: " وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين " يحمل " من " على الكاف والميم.
ونحن ذكرنا الأجوبة في هذا الكتاب وأبطلنا مقالته أن سيبويه لا يجيز: بزيد و ك حتى تقول: وبك فأخذ هذا من ذاك ولأن حرف الجر لا ينفصل عن المجرور والتأكيد في هذا مخالف للعطف لأنه يجيز: مررت بك نفسك لأنه يجوز: مررت بنفسك ولا يجوز: مررت بك أنت وزيد حتى تقول: وبزيد فالتأكيد ب أنت: يخالف التأكيد بالنفس وللفراء أبياتٌ كلها محمولة على الضرورة.
قالوا: والتوكيد بالمضمر المجرور لا يحسن عطف الظاهر عليه كما حسن في المرفوع لأن المرفوع بالفعل قد يكون غير متصل بالفعل الرافع له الظاهر فيه وإنما استحسن التوكيد لأن التوكيد خارج عن الفعل فنصبوه بمنزلة الفاعل الذي ليس متصلا فيعطف عليه كما يعطف على ما ليس بمتصل من الفاعل والمجرور لا يكون إلا متصلا بالجار فلا يخرجه التوكيد إلى شبه ما ليس بمتصل.
=====
الحادي والستون باب ما جاء في التنزيل من حدف هو من الصلة
وهذا الباب وإن تقدم على التفصيل فينبغي أن يفرد له باب فمن ذلك قوله تعالى: " مثلاً ما بعوضةً فما فوقها " فيمن رفع.
وقوله تعالى: " وهو الذي في السماء إله ".
فالتقدير في هذه كلها: ما هي بعوضة وتماما على الذي هو أحسن وهو الذي هو في السماء إله.
فأما قوله: " ثم لننزعن من كل شيعةٍ أيهم أشد على الرحمن عتياًّ " فعلى مذهب سيبويه من هذا الباب والتقدير: أيهم هو أشد فحذف هو فلما حذف هو دخله نقص فعاد إلى البناء لأن أيا إنما أعرب من جملة أخواته إذ كان بمعنى الذي حملاً على البعض فلما نقص عاد إلى البناء.
واستبعد أبو بكر قول سيبويه وقال: لأنه لو كان مبنياًّ لكل بناؤه في غير الإضافة أحق وأجوز ولا يلزم ذلك لأنه على تقدير إضافة لازمة مع الحذف وكلزوم الألف واللام في الآن.
فإن قلت: لم استحسن: لأضربن أيهم أفضل وامرر على أيهم أفضل.
ومثله قوله تعالى: " لننزعن من كل شيعة أيهم " بإضمار هو ومثل قوله: إذا ما أتيت بني مالك فسلم على أيهم أفضل ولم يستحسن: بالذي أفضل ولأضربن الذي أفضل وقال: هذا ضرورة مثل قول عدي: أي هو فيمن قال: ما خبر دون أن تجعله زيادة فالجواب قال لأن أيهم أفضل مضاف وكان المضاف إليه قام مقام المحذوف والذي ليس بمضاف فخالف أيهم فأما إذا لم يكن أي مضافا فهو في نية الإضافة اللازمة.
قال سيبويه: واعلم أن قولهم: فكفى بنا فضلاً على من غيرنا أجود يعنى الرفع وهو ضعيف وهو نحو: مررت بأيهم أفضل وكما قرأ بعض الناس هذه الآية تماما على الذي أحسن.
واعلم أنه قبيح أن تقول: هذا من منطلق إن جعلت المنطلق وصفا أو حشوا فإن أطلت الكلام فقلت: خيرٌ منك حسن في الوصف والحشو.
وزعم الخليل أنه سمع من العرب رجلا يقول: ما أنا بالذي قائل لك سوءا وما أنا بالذي قائل لك قبيحا إذا أفرده فالوصف بمنزلة الحشو لأنه يحسن بما بعده كما أن المحشو إنما يتم بما بعده.
فنرى سيبويه رجح في هذا الفصل رفع غير وإن كان هو محذوفا على حده تابعاً ل من المذكور.
والحديث ذو شجون جر هذا الحديث ما فيه تدافعٌ يدفع أحدهما صاحبه فمن ذلك هذا ما نقلته لك.
ومنه قوله تعالى: " إن الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " يحرك هنا شيئان: الابتداء بالنكرة أو أن تقدر الجملة تقدير المفرد فتجعله مبتدأ وإن لم يكن في اللفظ فإما أن تقدر: الإنذار وترك الإنذار سواء أو تقدر: سواء عليهم الإنذار وتركه.
ولما كان هذا الكلام على هذا التجاذب قرأ من قرأ سورة يس: " وسواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " فجعل " سواء دعاء كما كان ويل و ويح و ويس و جندلٌ وترب كذا.
ومما تجاذبه شيآن من هذا الجنس قوله تعالى: " ومن آياته يريكم البرق " فتحمله على حذف الموصوف أو على حذف أن وكلاهما عنده كما ترى إلا أن حذف الموصوف أكثر من حذف أن.
ومنه قوله تعالى: " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا " إما أن تقدر: وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا ومن أهل المدينة أو تقدر: ومن أهل المدينة إن مردوا.
ومن ذلك قوله: " ليس كمثله شيء " إما أن تقدر ليس كصاحب صفته فتضمر المضاف أو تقدر زيادة الكاف.
فهذا مما تجاذبه الحذف والزيادة وكان الحذف أكثر من الزيادة ومثله: " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به "
======
(الثاني والستون) باب ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم وإجراء اللازم مجرى غير اللازم
فمن ذلك قوله: " وهو بكل شيءٍ عليم " وقوله: " فهي كالحجارة ".
جعلوا الواو من قوله " وهو " والفاء من قوله " فهي " بمنزلة حرف من الكلمة فاستجازوا إسكان الهاء تشبيها ب فخذ و كبد لأن الفاء والواو لا ينفصلان منهما.
ومثله لام الأمر من قوله: " وليوفوا نذورهم وليطوفوا ".
استجازوا إسكانها لاتصالها بالواو فأما: " ثم ليقطع " وقوله " ثم هو " فمن أسكن اللام والهاء معها أجراها مجرى أختيها ومن حركها فلأنها منفصلة عن اللام والهاء.
قال أبو علي: قد قالت العرب: لعمري و: رعملى فقلبوا لما عدوا اللام كأنها من الكلمة كما قلبوا قسيا ونحو ذلك وكذلك قول من قال: كاء في قوله: " وكأين من نبى " و " كأين من قرية " أبدل الألف من الياء كما أبدلها في طيئ " طاء.
ونحو ذلك.
ومثل ذلك " ويخش الله ويتقه " لما كان يتقه مثل علم.
ومن ذلك قوله: " الذي جعل لكم الأرض فراشاً " وقوله: " ويجعل لك قصورا " ولما كان مثلين من كلمتين استجازوا الإدغام كما استجازوه في نحو: رد ومد.
وقد قالوا: لم يضربها ملق فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلى وإن كان منفصلا كما امتنعوا من إمالة نافق ونحوه من المتصلة.
ومن ذلك قوله: " ولو شاء الله ما اقتتل الذين " و " ولو شاء الله ما اقتتلوا ".
فهذا بيانه نحوٌ من بيان سبب تلك و " جعل لك " إلا أنه أحسن من قوله: الحمد لله العلي الأجلل وبابه لأن هذا إنما يظهر مثله في صورةٍ وإظهار نحو " اقتتل " مستحسن وعن غير ضرورةٍ وكذلك قوله: " أتحاجوننا في الله " و " أتمدونني بمال " و " فبم تبشرون " وما أشبه ذلك وكذلك: يضربونني وهم يضربانني أجرى مجرى: يضربان نعمان ويشتمون نافعا ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون الأتراك تقول: يضربان زيداً ويكرمونك ومن أدغم نحو هذا واحتج بأن المثلين في كلمة واحدة فقال: يضرباني وقل أتحاجونا فإنه يدغم أيضا نحو اقتتل.
فيقول: قتل ومنهم من يقول: اقتتل فيثبت همزة الوصل مع حركة الفاء لما كانت الحركة عارضة للنقل أو للالتقاء الساكنين وهذا مبين في فصل الإدغام.
ومن ضد ذلك قولهم: ها الله أجرى مجرى: دابة و شابة.
وكذلك قراءة من قرأ: " ولا تيمموا " " ولا تفرقوا " " واذكروا " " ولا تعاونوا على الإثم " وقوله: " فتفرق بكم عن سبيله " في نيف وثلاثين موضعا أدغم التاء الأولى في الثانية وجعل ما ليس من الكلمة كأنهما واحد.
ومثله: " وإن أدري أقريبٌ ما توعدون " هذا كما أنشدوه من قوله: من أي يومي من الموت أفر أيوم لم يقدر ام يوم قدر والقول فيه أنه أراد: أيوم لم يقدر أم يوم قدر ثم خفف همزة أم فحذفها.
وألقى فتحتها على لم يقدر فصار تقديره: أيوم لم يقدر ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره: لم يقدر ام فحرك الألف لالتقاء الساكنين فانقلبت همزة فصار: يقدر أم واختار الفتحة إتباعا لفتحة الراء.
ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة و الكمأة إذا خففت الهمزة: المراة و الكماة وهذا إنما يجوز في المتصل.
ومن ذلك قوله: " لكنا هو الله ربي ".
" لكنا أصله: لكن أنا فخففت الهمزة فحذفها وألقيت حركتها على نون لكن فصارت " لكنا " فأجرى غير اللازم مجرى اللازم فاستثقل التقاء المثلين متحركين.
فأسكن الأول وأدغم الثاني فصار " لكنا " كما ترى.
وقياس قراءة من قرأ " قالوا الآن " فحذف الواو ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين هناك لأن حركة الثانية غير لازمة فقوله " لكننا " بالإظهار كما يقول في تخفيف حوأبة و جيأل: حوية وجيل فيصبح حرفا اللين هنا لا يقلبان لما كانت حركتهما غير لازمة.
ومثله قوله: " قالوا لان ".
لأن قوله: " عاداً لولى " من أثبت التنوين في عاد ولم يدغمها في اللام.
فلأن حركة اللام غير معتد بها لأنها نقلت إليها من همزة أولى فاللام في تقدير السكون وإن تحركت فكما لا يجوز الإدغام في الحرف الساكن فكذا لا يدغم في هذه اللام.
و " عادا " على لغة من قال: ألحمر فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام لأنها غير معتد بها.
ومن قال: " عاد لولى " فأدغم فإنه قد اعتد بحركة اللام فأدغم كما أن من قال: " قالوا لان " أثبت الواو اعتداداً بحركة اللام.
ومثله قوله تعالى: " إنا إذاً لمن الآثمين " من اعتد بحركة اللام أسكن النون ومن لم يعتد حرك النون.
ومن ذلك قوله تعالى: " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " حرك النون من " يكن " لالتقاء الساكنين ولم يعتد بها لأنها في تقدير السكون ولو كان الاعتداد بها لأعاد ما حذف من أجله وهو الواو.
وقال أبو علي: فإن قلت: فقد اعتدوا بتحريك التقاء الساكنين في موضع آخر وذلك قوله: " لم يكن الذين كفروا " ألا ترى أن من يقول: لم يك زيد منطلقا إذا تحرك لالتقاء الساكنين لم يحذف كما أنه إذا تحرك بحركة الإعراب لم يحذف فالقول إن ذلك أوجه من الأول من حيث كثر في الاستعمال وجاء به التنزيل فالاحتجاج به أقوى.
فأما حذف الشاعر له مع تحريكها بهذه الحركة كما يحذفها إذا كانت ساكنة فإن هذه الضرورة من رد الشيء إلى أصله نحو يعنى بحذف الشاعر له قوله: لم يك الحق على أن هاجه رسم دارٍ قد تعفى بالسرر وقد ذكرنا في المستدرك أن هذا ليس بلغة من قال: لم يكن وإنما من لغة من قال: " أو لم تك تأتيكم " و " ولا تك في ضيق " وما أشبه ذلك.
ومن ذلك قوله: " وقل الحق من ربكم " و " قل اللهم مالك الملك " و " قم الليل " " قل الله " " وإنا أو إياكم ".
يعتد بكسرة اللام والميم فلم يرد المحذوف كما اعتد بها في قوله: " فقولا له قولا لينا " " فقولا إنا رسول رب العالمين " فرد المحذوف لما اعتد بفتح اللام.
ومن قرأ: " فقلا له قولاً لينا " حمله على قوله: " وقل الحق من ربكم " فإن قلت: إنهم قد اعتدوا بحركة التقاء الساكنين في قوله: " عليهم الذلة " و " من دونهم امرأتين " و " إليهم اثنين ".
فيمن قرأ بضم الهاء إنما ضموا تبعا لضم الميم.
وهي لالتقاء الساكنين وعلى ما قدمت تلك حركة لا اعتداد بها فكيف أتبعها الهاء قيل: إن من ضم الهاء أراد الوفاق بين الحركتين.
وهم مما يطلبون المطابقة فكأنهم اعتدوا لأجل هذا المعنى بحركة التقاء الساكنين.
فمن ذلك قوله تعالى: " وقد خلت القرون من قبلي ".
و " قد خلت النذر ".
وقوله: زنت الأمة وبغت الأمة فحذفوا الألف المنقلبة عن اللام لسكونها وسكون تاء التأنيث ولما حركت التاء لالتقاء الساكنين لم ترد الألف ولم تثبت كما لم تثبت في حال سكون التاء وكذلك: لم يخف الرجل ولم يقل القوم ولم يبع.
ومن ذلك قولهم: اضرب الاثنين واكتب الاسم فحركت اللام من افعل بالكسرة لالتقاء الساكنين ثم لما حركت لام المعرفة من الاسم والاثنين لم تسكن اللام من افعل كما لم تسكنها في نحو: اضرب القوم لأن تحريك اللام لالتقاء الساكنين فهي في تقدير السكون.
ومن ذلك قوله تعالى: " ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم " وقوله: " حتى يقولا إنما نحن فتنة " وقوله: " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله " وقوله: " ألم تعلموا أن أباكم " فحذفوا النون في هذه المواضع كما حذفوا الألف والواو والياء السواكن إذا كن لامات من حيث عودلن بالحركة ولو كانت حركة النون معتدّاً بها لحذفت هي من دون الحرف كما فعل ذلك بسائر الحروف المتحركة إذا لحقها الجزم ويدل على ذلك أيضا اتفاقهم على أن المثلين إذا تحركا ولم يكونا للإلحاق أو شاذا عن الجمهور أدغموا الأول في الآخر وقالوا اردد ابنك واشمم الريحان فلم يدغموا في الثاني إذا تحرك لالتقاء الساكنين كما لم يدغموه قبل هذا التحريك فدل ذلك على أن التحريك لا اعتداد به عندهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " و " لا تنسوا الفضل بينكم ".
لم يهمزوها كما همزوا: أقتت وأجوه لما لم يعتد بحركة التقاء الساكنين.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا تقصص رؤياك على إخوتك ".
وقوله: " قد صدقت الرؤيا ".
وقولهم: نوى.
قالوا في تخفيف ذلك كله: رويا ونوى فيصح الواو هنا وإن سكنت قبل الياء من قال: إن التقدير فيهما الهمزة كما صحت في: ضو ونو تخفيف ضوء ونوء لتقديرك الهمز وإرادتك إياه.
وكذلك أيضا صح نحو: شي وفى في: شيء وفيء كذلك
======
الثالث والستون باب ما جاء في التنزيل من الحروف المحذوفة تشبيها بالحركات
وذلك يجيء في الواو والياء وربما يكون في الألف قال الله تعالى: " ما كنا نبغ " " والليل إذا يسر " " عسى ربي أن يهدينى " وما أشبه ذلك حذفت الياء تشبيها بالحركة استخفافا كما حذفت الحركة لذلك.
وذلك قولهم: أخراهم طريق أولاهم كما قيل: يراد ألاهم.
وقال: " قلن حاش لله " يريد: حاشى.
وقال رؤبة: وصاني العجاج فيما وصنى فنظير حذف هذه الحروف للتخفيف حذف الحركات أيضا له في نحو قوله: وقد بداهنك من المئزر وقوله: فاليوم أشرب غير مستحقب وحذف الياء أكثر من حذف الألف لخفاء الألف ألا تراه قال: ورهط ابن المعل أقل من قوله: " نبغ " و " يسر " ولهذا لم يحمل البصريون قوله: " قال يا ابن أم " على أن أصله: يا ابن أمى فقلبت الكسرة فتحة والياء ألفا ثم حذفت الألف لقلة ذلك ولكن حملوه على باب خمسة عشر مما جعل الاسمان فيه اسما واحدا وهكذا قالوا في قوله: " يا أبت " إنه فتح التاء تبعا للباء وعلى أنه أقحم التاء على لغة من قال: يا طلحة ولم يحملوه على أن أصله " يا أبتا " فحذف الألف.
ولكن من قال: يا بني أدغم ياء التصغير في ياء الإضافة وياء الإضافة مفتوحة وحذف لام الفعل.
وحذف الألف من هذه الكلمات الثلاث مذهب أبي عثمان.
ومن ذلك: إن تاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا نحو: حمزة وطلحة وقائمة ولا يكون ساكنا فإن كانت الألف وحدها من سائر الحروف جازت وذلك نحو: قطاة وحصاة وأرطاة وحبنطاة أفلا ترى إلى مساواتهم بين الفتحة والألف حتى كأنها هي هي.
وهذا أحد ما يدل على أن أضعف الحروف الثلاثة الألف دون أختيها لأنها قد خصت هنا بمساواة الحركة دونها.
ومن ذلك أنهم قد بينوا الحرف بالهاء كما بينوا الحركة بها وذلك قولهم: وازيداه واغلاماه واغلامهوه واغلامهيه وانقطاع ظهراه.
فهذا نحو من قولهم: أعطيتكه ومررت بكه واغزه ولا تدعه والهاء في كله لبيان الحركة.
ومن ذلك قراءة من قرأ: " إن بيوتنا عورة " بكسر الواو.
وقولهم: القود والحوكة والخونة.
وقد جرت الياء والواو هنا في الصحة لوقوع الحركة بعدهما مجراهما فيها لوقوع حرف اللين ساكنا بعدهما نحو: القواد والعياب والصياد و " إن بيوتنا عورة " فهذا إجراء الحركة مجرى الحرف.
ومنه: باب قدر و هند في باب ما لا ينصرف في الثلاثي المؤنث: الحركة في قدر بمنزلة حرف نحو زينب و عقرب.
ومنه حذف الحرف من جمزى لما جرى الميم متحركا جرى مجرى الخماسي نحو: مرتمى ومرتضى.
=========
الرابع والستون باب ما جاء في التنزيل أجرى فيه الوصل مجرى الوقف
وهو شيء عزيز نادر حتى قالوا: إنه يجوز في ضرورة الشعر ولكن أبا علي حمل قوله: " وإن كلاًّ لما ليوفينهم " فيمن شدد النون أن أصله لمًّا من قوله: " أكلاً لمًّا " فوقف وأبدل من التنوين ألفا فصار " لما " ثم حمل الوصل على الوقف.
ومن ذلك قوله: " يا بني لا تشرك بالله " و " يا بني أقم الصلاة " فيمن خفف الياء قال: هذا على الوقف.
ومثله قول عمران: قد كنت عندك حولاً لا تروعنى فيه روائع من إنس ولا جانى ومن ذلك قراءة من قرأ: " فإما يأتينكم مني هدًى " و: " قال يا بشراى هذا غلام " هذا على أن الوقف في " هدًى ": هدى بالإسكان وفي " بشراى " بشرى كما حكاه سيبويه من أنهم يقفون ومن ذلك قراءة نافع: " أنا أحيي وأميت " " وأنا أول المؤمنين " " وأنا أعلم بما أخفيتم ".
فهذه على لغة من وقف على أنا فقال: أنا.
ومثله: " لكنا هو الله ربي " الأصل: لكن أنا هو الله ربي فحذف الهمزة وأدغم النون في النون.
ومن ذلك قراءة حمزة: " ومكر السيئ ولا يحيق " بإسكان الهمزة في الإدراج فإن ذلك يكون على إجرائها في الوصل مجراها في الوقف وهو مثل: سيساء وعيهل والقصباء وحسناء وهو في الشعر كثير.
ومما يقوى ذلك أن قوما قالوا في الوقف: أفعى وأفعو أبدلوا من الألف الواو والياء.
ثم أجروها في الوصل مجراها في الوقف فقالوا: هذا أفعويا.
وكذلك حمل حمزة في هذا الموضع لأنها كالألف في أنها حرف علة كما أن الألف كذلك ويقوى مقاربتها الألف أن قوما يبدلون منها الهمزة في الوقف فيقولون: رأيت رجلأ ورأيت جبلأ.
ويحتمل وجها آخر وهو أن تجعل يأولا من قوله: " ومكر السيئ ولا " بمنزلة إبل.
ثم أسكن الحرف الثاني كما أسكن من إبل لتوالي الكسرتين أجراها وقبلها ياء فخفف بالإسكان لاجتماع الياءآت والكسرات كما خففت العرب من نحو أسيدى وبالقلب في رحوى ونزلت حركة الإعراب بمنزلة غير حركة الإعراب كما فعلوا ذلك في قوله: فاليوم أشرب غير مستحقب و لا يعرفنكم العرب.
وكما أن حركة غير الإعراب نزلت منزلة حركة الإعراب في نحو: رد وفر وعض فأدغم كما أدغم: يعض ويفر لما تعاقب حركات الإعراب على لامها وهي حركة التقاء الساكنين وحركة الهمزة المخففة وحركة النونين ونزلت هذه الحركات منزلة حركة الإعراب حتى أدغم فيها كما أدغم المعرب وكذلك نزلت حركة الإعراب منزلة غير حركة الإعراب في أن استجيز فيها من التخفيف كما استجيز في غيرها وليس تختل بذلك دلالة الإعراب لأن الحكم في مواضعها معلوم كما كان معلوما في المتصل والإسكان للوقف.
========
الخامس والستون باب ما جاء في التنزيل من بناء النسب
فمن ذلك قوله تعالى: " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " أي: لاذا عصمة ليصح استثناء قوله: " من رحم " منه.
ويحمل الفراء على: " لا معصوم ".
ويحمله غيره على بابه ويكون " من رحم " بمعنى: راحم.
ومن ذلك قوله تعالى: " حجاباً مستوراً " أي: حجابا ذا ستر لأن الحجاب ستر لا يستر.
ومن ذلك: " خلق من ماء دافق " أي: ذي دفق.
والفراء يقول: من ماء دفوق.
فهذا كله محمول على النسب.
قال الحطيئة: وغررتني وزعمت أن - - ك لابنٌ في الصيف تامر أي: ذو لبن وذو تمر.
ومنه عندي: خير الملك سكة مأبورة أو مهرة مأمورة.
أي: ذات كثرة لأن أمر القوم: إذا كثروا فهو مثل قوله: " حجاباً مستورا ".
قال: قال أبو عمرو: إنما نعرف مأمورة على هذا الوجه ولا نعرف أمرته.
أي: كثرته.
وحكاه غيره فإن صح فهو على بابه.
=========
السادس والستون باب ما جاء في التنزيل أضمر فيه المصدر لدلالة الفعل عليه
وذكر سيبويه من ذلك قولهم: من كذب كان شرا له أي: كان الكذب شرا له.
فمن ذلك قوله تعالى: " فما يزيدهم إلا طغياناً كبيرا ".
أي: فما يزيدهم التخويف.
ومنه: " وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ".
أي: لا يزيد إنزال القرآن إلا خسارا.
ومنه: " يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ".
أي: يزيدهم البكاء والخرور على الأذقان.
وقد ذكرنا قديما في قوله: " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ " أن الهاء كناية عن الاستعانة.
وفي قوله: " يذرؤكم فيه ".
أي: يذرؤكم في الذرء.
ومن ذلك قوله: " اعدلوا هو أقرب للتقوى ".
أي: العدل أقرب للتقوى.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله " يقرأ بالتاء والياء فمن قرأ بالتاء فتقديره: لا تحسبن بخل الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله فحذف البخل وأقام المضاف إليه مقامه وهو الذين كما قال: " واسأل القرية ".
ومعناه: أهل القرية.
ومن قرأ بالياء: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله البخل خيرا لهم.
وهو في هذه القراءة استشهاد سيبويه.
وهو أجود القراءتين في تقدير النحو وذلك أن الذي يقرأ بالتاء يضمر البخل من قبل أن يجرى لفظه تدل عليه والذي يقرأ بالياء يضمر البخل بعد ذكر يبخلون كما قال: من كذب كان شرًّا له.
======
(السابع والستون) باب ما جاء في التنزيل ما يكون على وزن مفعل بفتح العين ويراد به المصدر ويوهمك أنه مكان
فمن ذلك قوله تعالى: " النار مثواكم خالدين فيها ".
المثوى ها هنا مصدر أي: قال: النار ذات ثوائكم لا بد من هذا ليعمل في الحال ف " خالدين حال والعامل فيه نفس المصدر.
وجوز مرة أخرى أن يكون حالا من المضاف إليه والعامل فيه معنى المضامة والممازجة كما قال: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً ".
وقال: " إن دابر هؤلاء مقطوعٌ مصبحين ".
فيجوز على هذا أن يكون المثوى المكان.
ومن ذلك قوله: " لقد كان لسبإ في مسكنهم آيةٌ ".
أي: في مواضع سكناهم لا بد من هذا لأنه إذا كان مكانا كان مفردا مضافا إلى الجمع والأحسن في مثل هذا أن يجمع فلما أفرد علمت أنه مصدر.
ومثله: " في مقعد صدق " أي: في مواضع قعود صدق فهو مصدر والمضاف محذوف.
قال سيبويه: وأما ثلثمائة إلى تسعمائة فإنه شاذ كان ينبغي أن يكون مئين أو مئات ولكنهم شبهوه بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحدا لأنه اسمٌ العدد كما أن عشرين اسم العدد وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع حتى قال بعضهم في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام.
قال علقمة بن عبدة: بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيضٌ وأما جلدها فصليب وقال آخر: لا تنكر القتل وقد سبينا في حلقكم عظمٌ وقد شجينا ونظير هذا قول حميد: وما هي إلا في إزار وعلقةٍ مغار ابن همام على حي خثعما ف مغار ليس بزمان لتعلق على به والمضاف فيه محذوف أي وقت إغارة ابن همام.
ومثله: كأن مجر الرامسات ذيولها عليه قضيمٌ نمقته الصوانع أي: كان مكان مجر الرامسات ف مجر مصدر لانتصاب ذيولها به والمضاف محذوف.
وكذلك قول ذي الرمة: فظل بملقى واحف جزع المعى نصب جزع المعى ب ملقى لأنه أراد به المصدر أي موضع إلقاء واحف جزع المعى.
===
(الثامن والستون) باب ما جاء في التنزيل من حذف إحدى التاءين في أول المضارع
فمن ذلك قوله تعالى: " تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان ".
وقال في سورة الأحزاب: " تظاهرون منهن أمهاتكم ".
وقال: " وإن تظاهرا عليه ".
والأصل: تتظاهرون و: تتظاهرا فلما اجتمعت تاآن حذفت إحداهما.
وكذلك قوله تعالى: " لعلكم تذكرون " فيمن خفف.
وقال: " قليلاً ما تذكرون " في جميع التنزيل.
وأصله: تتذكرون فحذفت إحدى التاءين والمحذوفة الثانية لأن التكرار بها وقع وليس الأول بمحذوف لأن الأول علامة المضارع والعلامات لا تحذف.
ومن ذلك قراءة العامة دون قراءة ابن كثير: " ولا تيمموا الخبيث " " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " " ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " " فتفرق بكم عن سبيله " " فإذا هى تلقف ما يأفكون " " ولا تولوا " في الأعراف وطه والشعراء " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " في الأنفال " قل هل تربصون " في التوبة " لا تكلم " " فإن تولوا فقد " في هود " ما ننزل " في الحجر " إذ تلقونه " " فإن تولوا " في النور " على من تنزل.
تنزل " في الشعراء " ولا تبرجن " " أن تبدل بهن " في الأحزاب " لا تناصرون " في الصافات " ولا تجسسوا " " لتعارفوا " " ولا تنابزوا " في الحجرات " " أن تولوهم " في الممتحنة " تكاد تميز " " لما تخيرون " في القلم " عنه تلهى " في عبس " ناراً تلظى " في الليل " " تنزل الملائكة " في القدر بتشديد الراء.
حذفت العامة إحدى التاءين من هذه الحروف وأدغم الأولى في الثانية ابن أبي بزة إجراءً للمنفصل مجرى المتصل نحو: " اطيرنا " " واداركوا ".
وترى في كتب النحو يقولون: " فلا تتناجوا بالإثم والعدوان " وذلك ليس بمروى في القراءة إنما قاسوه على هذه الحروف.
وزاد بعضهم على ابن كثير: " فبأى آلاء ربك تتمارى " أي: تتمارى.
وروى عن عاصم: " بما كنتم تعلمون الكتاب " أي: تتعلمون فحذف إحدى التاءين.
ومن الحذف الذي جاء في التنزيل قوله: " قال أتحاجوني في الله " وقوله: " فبم تبشرونى " وقوله: " أفغير الله تأمرونى ".
منهم من يدغم النون الأولى في الثانية ومنهم من يحذف فمن حذف حذف النون الثانية التي يتصل بها ياء الضمير ويبقى علامة الرفع ويكسرها لمجاورة الياء.
والدليل على أن النون الثانية هي المحذوفة حذفها في: ليتى و لعلى و: قدى.
ولم يجئ عن أحد: " تبشروننى " ولا " تحاجوننى في الله " إلا الإدغام أو الحذف والحذف ضرب من الإدغام والفرق بين " تأمروننى " وبين الكلمتين الأخريين: أن الأخريين لما شدد فيه الجيم و الشين جاء التشديد فيما بعده للمجاورة والحذف مثل الإدغام وليس في " تأمرننى " إدغام حرف قبله فلم يدغم.
فأما قوله: " قال أتحاجوننى في الله " فإن أحدا لم يدغم كما أدغم " أتحاجونى " و " تبشرون " ولم يحذف أيضا لأنه جاء على الأصل وليس كل ما جاز في موضع جاز في موضع.
وروى عن ابن محيصن: " قل أتحاجونا في الله " بنون واحدة مشددة قياسا على ما ذكرناه.
قال ابن مجاهد: كان أبو عمرو لا يدغم الحرف إذا لقى مثله في كلمة واحدة وهما متحركان مثل: " أتحاجوننا " و " أتمدونن بمال ".
ومثل قوله: " من بعد إكراههن " و " وفي وجوههن " إلا أن يكون مدغما في الكتاب مثل قوله: " تأمروني أعبد " و " ما مكنى " و " أتحاجونى في الله " إلا قوله: " ما سلككم " و " مناسككم " فإنه أدغمها.
ومثل هذه الآية قوله: " أتمدوننى بمال " لا يدغمها أبو عمرو وغيره جرياً على الأصل ولأن النون الثانية غير لازمة ألا تراك تقول: تمدون زيدا.
وأدغمها حمزة كما أدغم غيره " أتحاجونى " ومن حذف التاء قوله تعالى: " وأن تصدقوا خيرٌ لكم " تقديره: تتصدقوا فأدغمه الجماعة وحذفها عاصم كما حذف هو وغيره.
" ولا تيمموا الخبيث ".
ومنه قوله: " تسوى بهم الأرض " أي: تتسوى فحذف.
ومنهم من أدغم فقرأ " تسوى " كما أدغم " تصدقوا ".
وقد اختلفوا في حذف هذه التاء أيتها هي فمن قائل المحذوفة الأولى ومن قائل المحذوفة الثانية وهذا هو الأولى لأنهم أدغموها في نحو " تذكرون " و " تزكى ولأنه لو حذف حرف المضارعة لوجب إدخال ألف الوصل في ضروب من المضارع نحو: يذكرون.
ودخول ألف الوصل لا مساغ له هنا كما لا يدخل على أسماء الفاعلين والمفعولين لأن حذف الجار أقوى من حذف حرف المضارعة للدلالة عليه بالجر الظاهر في اللفظ يعني في: لاه أبوك.
فلهذا خفف الثاني في هذا النحو دون حرف المضارعة لأن الحذف غير سائغ في الأول مما لم يتكرر لأنك قد رأيت مساغ الحذف من الأول من هذه المكررة.
======
التاسع والستون باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الاسم على الموضع دون اللفظ
فمن ذلك قوله تعالى: " وما من إله إلا الله " فقوله: " إلا الله " رفع محمول على موضع " من إله " وخبر " من إله " مضمر وكأنه قال: الله في الوجود.
ولم يجز حمله على اللفظ إذا لا يدخل " من " عليه.
وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل في قوله " لا إله إلا الله " خبر لا مضمر ولفظة " الله " محمول على موضع " لا إله ".
ومثله: " ما لكم من إله غيره " فيمن قرأه بالرفع في جميع التنزيل.
ومثله: " هل من خالقٍ غير الله " فيمن رفعه.
ومثله: " فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب " هو محمول على موضع الجار والمجرور في أحد الوجوه.
وقيل في قوله: " وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ": إن نصبه محمولا على الجار والمجرور ويراد بالمسح الغسل لأن مسح الرجلين لما كان محدودا بقوله " إلى الكعبين " حمل على الغسل.
وقيل: هو محمول على قوله: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ".
ومن ذلك قوله تعالى: " قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيما " ف " دينا " محمول على الجار والمجرور أي: هدانى دينا قيما.
وقيل فيه غير ذلك.
ومثله قوله: " وجاهدوا في الله " إلى قوله: " ملة أبيكم إبراهيم " أي: جاهدوا في دين الله ملة أبيكم هو محمول على موضع الجار والمجرور أي: هدانى.
وأما قوله: " قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده " ففي موضع " من " وجهان: الجر على لفظة " الله " والحمل على موضع الجار والمجرور أي: كفاك الله ومن عنده علم الكتاب.
وهذا قوله: " أولم يكف بربك أنه " يجوز في موضع " أن " الجر والرفع فالجر على اللفظ والرفع على موضع الجار والمجرور أي: ألم يكف ربك شهادة على كل شيء.
==============
المتم السبعين باب ما جاء في التنزيل حمل فيه ما بعد إلا على ما قبله
وقد تم الكلام فمن ذلك قوله تعالى: " وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ".
ف " بادى " الرأى منصوب بقوله " اتبعك " وهم لا يجيزون: ما أعطيت أحدا درهما إلا زيداً دينارا وجاز ذا ها هنا لأن " بادى " ظرف والظرف تعمل فيه رائحة الفعل.
وقيل: هو نصب على المصدر أي: ابتداء الرأى.
قلت: وذكر الأخفش هذه المسائل وفصل فيها فقال: لو قلت: أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم لم يجز ولكن يجوز في النفي: ما أعطيت القوم الدراهم إلا عمراً الدرهم: فيكون ذلك على البدل لأن البدل لا يحتاج إلى حرف فلا يعطف بحرف واحد شيئان منفصلان وكذلك سبيل إلا.
ومثله: " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم " إلى قوله: " بالبينات والزبر " حمله قوم على " من قبلك " لأنه ظرف وحمله آخرون على إضمار فعل دل عليه " أرسلنا ".
ومثله: " ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر " ف " بصائر " حال من " هؤلاء " والتقدير: ما أنزل هؤلاء بصائر إلا رب السموات والأرض جاز فيه ذا لأن الحال تشبه الظرف من وجه.
فأما قوله: " وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً " فقد تكلمنا فيه غير مرة في كتب شتى.
قال أبو علي: ينبغي أن يكون قوله " أو من وراء حجاب " إذا جعلت " وحيا " على تقدير أن يوحى كما قاله الخليل ما لم يجز أن يكون على أن الأولى من حيث فسد في المعنى يكون " من وراء حجاب " على هذا متعلق بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة ل " أن " الموصولة ب " يوحى " ويكون ذلك الفعل يكلم وتقديره: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب فحذف يكلم لجرى ذكره أولا كما حذف الفعل في قوله: " كذلك لنثبت به فؤادك " لجرى ذكره والمعنى: كذلك أنزلناه وكما حذف في قوله: " الآن وقد عصيت ".
قيل: والمعنى الآن آمنت فحذف حيث كان ذكر " آمنت " قد جرى.
وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة لأنه بمنزلة المثبت وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة.
ولا يجوز أن يقدر تعلق " من " من قوله " من وراء حجاب " إلا بهذا لأنك إن قدرت تعلقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بأجنبي ولا يجوز أن يقدر فصل بغير هذا كما قدر في " أو " في قوله: " إلا أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنه رجسٌ أو فسقاً " لأن هذا اعتراض يسدد ما قبله وأنت إذا قدرت " أو من وراء حجاب " متعلقا بشيء آخر كان فصلاً بأجنبي إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدد.
وأما من رفع فقال: " أو يرسل رسولا " فينبغي أن يكون قوله " أو من وراء حجاب " متعلقا بمحذوف ويكون الظرف في موضع حال إلا أن قوله: " إلا وحيا " على هذا التقدير مصدر في موضع الحال كأنه: يكلمه الله إلا إيحاء أي: موحيا كقولك: جئتك ركضاً ومشياً ويكون " من " في قوله " أو من وراء حجاب " في أنه في موضع حال مثل " من " في قوله: " ومن الصالحين " بعد قوله: " ويكلم الناس في المهد وكهلاً ".
فهذه مواضع وقعت فيها في ظرفا في موضع حال كما وقع سائر حروف الجر.
وعلى هذا الحديث المروى: " أدوا عن كل حرٍّ وعبدٍ من المسلمين " ف " من المسلمين " حال من الفاعلين المأمورين المضمرين كما أنه أدوا كائنين من المسلمين أي: أدوا مسلمين كما أن قوله: " ومن الصالحين " معناه: يكلمهم صالحا.
ومعنى " أو من وراء حجاب " في الوجه الأول: يكلمهم غير مجاهر لهم بالكلام من حيث لا يرى كما يرى سائر المتكلمين ليس اله حجاب يفصل موضعا من موضع ويدل على تحديد المحجوب.
هذا كلامه في التذكرة.
ومن هذا يصلح ما في الحجة لأنه قال: ذلك الفعل " يرسل " وقد أخطأ والصحيح ذلك الفعل يكلم.
وقال في موضع آخر: " وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل ".
قوله: " من وراء حجاب " في موضع نصب ب أنه في موضع الحال بدلالة عطفه على " وحيا " وكذلك من رفع " أو يرسل رسولا فيوحي " " أو يرسل " في موضع نصب على الحال.
فإن قلت: فمن نصب " أو يرسل " كيف القول فيه مع انفصال الفعل ب أن وكونه معطوفا على الحال فالقول فيه: إنه يكون المعنى: أو بأن يرسل فيكون الفاء على هذا في تقدير الحال وإن كان الجار محذوفا.
وقد قال أبو الحسن في قوله: " وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله ".
" وما لكم ألا تأكلوا ": إن المعنى: وما لكم في أن لا تأكلوا وأنه في موضع حال كما أن قوله: " فما لهم عن التذكرة معرضين " كذلك فكذلك يكون قوله: " أو يرسل " فيمن نصب في موضع الحال لعطفه على ما هو حال.
قال أبو علي في موضع آخر: ما بعد حرف الاستئناء لا يعمل فيما قبله فلا يجوز: ما زيد طعامك إلا أكل لأن إلا مضارع لحرف النفي.
ألا ترى أنك إذا قلت: جاءني القوم إلا زيدا فقد نفيت المجئ عن زيد ب إلا فكما لا يعمل ما بعد حرف النفي فيما قبله كذلك لا يعمل ما بعد إلا فيما قبلها.
فإن قلت: فهلا لم يعمل ما قبلها فيما بعدها فلم يجز: ما زيد آكل إلا طعامك قيل: ما قبلها يجوز أن يعمل فيما بعدها وإن لم يجز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ألا ترى أنه قد جاز: علمت ما زيد منطلق.
وقوله تعالى: " وظنوا ما لهم من محيص " " وتظنون إن لبثتم إلا قليلا " فيعمل ما قبلها فيها ولم يجز ما بعدها أن يعمل فيما قبلها.
==================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق