الثالث عشر ما جاء في التنزيل دالاً على جواز تقدم خبر المبتدأ
وإنما ذكرنا هذا الباب لأن أبا علي خيل إلى عضد الدولة أنه استنبط من الشعر ما يدل على جواز ذلك فقال: ومما يدل على جواز تقديم خبر المبتدأ على المبتدأ قول الشماخ: كلا يومي طوالة وصل أروى ظنون آن مطرح الظنون قال: ف وصل أروى مبتدأ وظنون خبره.
وكلا ظرف لظنون.
والتقدير فيه: كلا يومي مشهد طوالة كأنها رباب بها في اليومين كقول جرير: كلا يومي أمامة يوم صدٍ وإنْ لم تأتها إلاَّ لماما المعنى: كلا يومي زيارة أمامة يوم صد.
أي: إن زرناها لماما أو دراكا صدت عنا كلا يومي ولو كان أبو الحسن حاضراً لم يستدل بقول الشماخ وإنما يتبرك بقوله عزّ من قائل: " وبالآخرة هم يوقنون " ألا ترى أن هم مبتدأ ويوقنون في موضع خبره والجار من صلة يوقنون وقدمه على المبتدأ.
ومثله: " وفي النار هم خالدون " أي: هم خالدون في النار.
وأما قوله تعالى " وهم بالآخرة كافرون " فليس من هذا الباب لأن هم مبتدأ.
وكافرون خبره.
والجار من صلة الخبر.
وكذلك في هود ويوسف قوله: " وهم بالآخرة هم كافرون " هم مبتدأ: وكافرون الخبر والجار من صلة الخبر فكرر هم تأكيداً.
وسأعدُّه في جملة المكررات.
ومثله قوله: " ومن قبل ما فرطتم في يوسف ".
ما فرطتم في موضع ابتداء ولا يكون مرتفعاً بالظرف لأن قبل لما بُني خرج من أن يكون خبراً.
ألا ترى أنه قال: لا يبنى عليه شيء ولا يبنى على شيء.
فإذا لم يجز أن يكون مستقراً علمت أن قوله: في يوسف وأن قوله: من قبل معمول هذا الظرف.
الذي هو في يوسف وإن تقدم عليه لأن الظرف يتقدم على ما يعمل فيه وإن كان العامل معنى والتقدير: وتفريطكم في يوسف من قبل فوقع الفصل بين حرف العطف والمبتدأ بالظرف.
وإذا كان كذلك فالفصل فيه لا يقبح في الرفع والنصب كما قبح في الجر.
ويجوز ألا يكون ذلك فصلاً ولكن الحرف يعطف جملة على ما قبل.
وكما استدل أبو الحسن بجواز تقديم الخبر على المبتدأ بالبيت استدل بجواز تقديم خبر كان على كان بقوله: " قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ".
والتقدير: أكنتم تستهزئون بالله.
وقد جاء تقديم خبر كان على كان في قوله: " وهو معكم أين ما كنتم ".
وقوله: " وهو معهم أينما كانوا ".
ف أينما في الآيتين خبر كان.
وكذلك في قصة عيسى: " وجعلني مباركاً أينما كنت ".
فأما قوله: " حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله " ف ما موصولة بمعنى: الذي والفعل بعده صلة له والعائد إليه محذوف أي: كنتم تدعونه أو تدعونهم لقوله ضلُّوا.
والموصول مرفوع بالابتداء وأين خبر مقدم عليه.
بخلاف ما في الآيتين المتقدمتين لأنها صلة زائدة والتقدير: أين كنتم وكما استدل بهذين فيما ذكرنا استدل بتقديم خبر ليس على ليس بقوله تعالى: " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم ".
فقال: التقدير: ألا ليس العذاب مصروفاً عنهم يوم يأتيهم.
ف يوم منصوب بمصروف وقدمه على ليس فدل على جواز: قائماً ليس زيد.
فزعم عثمان أن الآية تحتمل وجهين غير ما قاله.
أحدهما: أن يوماً ظرف والظرف يعمل فيه الوهم فيجوز تقديم الظرف الذي عمل فيه خبر ليس على ليس ولا يدل على جواز قائماً ليس زيد.
والوجه الثاني: أن يوماً منصوب بمعنى ألا لأن معنى ألا تنبيه.
قال سيبويه: ألا تنبيه تقول: ألا إنه ذاهب.
وألا حرف واحد وليست لا التي للنفي دخل عليها الهمزة.
ألا ترى وقوع إنَّ بعدها في قوله: " ألا إنهم يثنون صدورهم " " ألا إنهم هم السفهاء " " ألا إنهم هم المفسدون " " ألا إنهم من إفكهم ".
ولو كانت تلك لم تخل من أن يقع بعدها اسم أو فعل نحو: ألا رجل وألا أمرأة وألا يقوم زيد ففي وقوع إن بعدها دليل على ما ذكرنا.
فإن قلت: إذا كان حرف تنبيه فكيف جاز أن يدخل على التنبيه في مثل قوله: ألا يا اسلمى و " ألا يسجدوا ".
فإنما جاز ذلك: لأن يا لما استعمل استعمال الجمل سد مسدهه في النداء جاز دخول هذا الحرف عليه كما جاز دخولها على الجمل.
ويدلك على أنها ليست للنفي قوله تعالى: " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم " ولو كان نفياً لم يدخل على ليس إذ تقلب المعنى إلى الإيجاب وليس الأمر كذلك لأن معنى النفي بلا قائم صحيح في ليس هذا فهذا يدلك على أنها ليست لا التي للنفي.
ويدلك على ذلك أيضاً أن لا النافية لم تدخل على ليس في موضع فحملها على النافية هنا لا يصح لأنه لم يوجد له نظير ف ألا بمعنى: انتبه.
وقد عمل في يوم يأتيهم فلا يدل على جواز: قائماً ليس زيدٌ.
وإنما يدل عليه: " أينما كانوا " " أينما كنتم " لأن ليس من أخوات كان.
وقد جاء ألا في التنزيل يراد ب لا فيه معنى النفي في موضعين في ابتداء الكلام: أحدهما: قوله: " ألا يعلم من خلق ".
والموضوع الآخر: " ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ".
لأنه لا يجوز أن يكون " من قبل " خبراً لما نقلناه عن سيبويه يقودك إليه في قول الشاعر: وما صحب زهرٍ في السنين التي مضت وما بعد لا يدعون إلا الأشائما ألا ترى أن شارحكم زعم أن ما موصولة وبعد صلته ولو يكن له حسّ ولا علم بقول صاحب الكتاب من أن قبل و بعد في حالتي البناء لا يخبر عنهما ولا بهما ولا توصل بهما الموصولات.
ف ما في البيت زيادة غير موصولة كقوله: " فبما نقضهم ميثاقهم " فأما تقدم خبر كان على اسمها فقد شاع عنهم وجاء في التنزيل في مواضع منها: قوله " ليس البر أن تولوا وجوهكم " فيمن نصب البر وقوله: " وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا " وهي قراءة أهل الأمصار أعني قولهم " ثم لن تكن فتنتهم إلا أن قالوا " فيمن نصب.
وقوله: " إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ".
وقوله " أو لم يكن لهم آية أن يعلمه ".
فإن يعلمه اسم يكن وآية خبر مقدم على الاسم وهي قراءة الناس سوى ابن عامر فإنه قرأ أو لم تكن بالتاء وآية رفعا.
فحمله الفارسي على إضمار القصة وأن يعلمه مبتدأ وآية خبره والجملة خبر تكن كقوله: " أو لم تك تأتيكم رسلكم ".
ومثل قوله: " وما كان جواب قومه " قوله: " ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا ".
ومثل قوله: " وبالآخرة هم يوقنون " قوله: " كل يوم هو في شأن ".
فهو مبتدأ.
وفي شأن خبره.
أي: هو كائن في شأن كل يوم.
ف كل يوم ظرف لقوله في شأن ف في شأن ضمير انتقل إليه من اسم الفاعل وليس في كل يوم ضمير لتعلقه بالظرف دون المضمر.
وهذا على قول من وقف على قوله " كُلَّ يَوٍْم " فهو منصوب يسأله.
وقوله هو في شأن مبتدأ وخبر.
ومثل الأول ما حكاه سيبويه من قولهم: أكل يوم لك ثوب.
وأما جعل أن بصلته اسم كان وليس في الآى التي تلوناها فإنما كان لأن أن وصلتها أولى وأحسن لشبهها بالمضمر في أنها لا يوصف بها المضمر وكأنه اجتمع مضمر ومظهر.
والأولى إذا اجتمع مضمر ومظهر لأن يكون الاسم من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر فكذلك إذا اجتمع مع مظهر غيره كان أن يكون اسم كان المضمر والمظهر الخبر أولى.
فلهذا المعنى قال قوم: إذا قلت: في الدار إنك قائم ونحو قوله: " ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة " " ومن آياته أن تقوم السماء والأرض " " ومن آياته أن خلقكم من تراب ".
إنما رفع بالظرف لأنه يشبه المضمر.
و غداً الرحيل هو أن مع الفعل فيشبه المضمر.
ويلزم على تشبيه أن بالمضمر أن تكون أن الناصبة للفعل مرتفعة في قوله بالظرف لاجتماعها مع وليس الأمر في أن كذلك لارتفاعها بالابتداء وإن لم يجز تقديمه في قوله: " وأن تصوموا خيرٌ لكم " و " أن يستعففن خير لهن ".
ولا يستقيم أن يفعل بينهما ب أن يقال: إنّ " أنْ " الخفيفة قد ابتدئت والثقيلة لم تبتدأ.
لأنه يقال له: ارفعه بالابتداء وإن لم يجز تقديمه كما رفعت زيدا ونحوه بالابتداء وإن لم يجز أن يبتدأ بها في أول الكلام.
وأما قوله تعالى: " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " فمذهب سيبويه أن في كاد ضمير القصة والحديث وفسر بالجملة من الفعل والفاعل.
وجاز ذلك فيها وإن لم تكن مثل كان وبابها من الأفعال المجردة من الدلالة على الحدث لمشابهتها لها في لزوم الخبر إياها.
ألا ترى أنها لا تخلو من الخبر كما أن تلك الأفعال كذلك.
وقد أجاز أبو الحسن في قوله: " من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم " أن يكون في كاد ضمير ممن تقدم ويرفع قلوب فريق تزيغ.
قال: وإن شئت رفعتها يعني القلوب ب كاد وجعلت تزيغ حالاً.
فأما احتماله الضمير مما جرى فوجهه: أنه لما تقدم قوله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ".
وكانوا قبيلا ومن عاندهم من الكفار والمنافقين قبيلا أضمر في كاد قبيلا.
فأما كون يزيغ حالاً فيدل على صحته قول العجاج: إذا سمعت صوتها الخرَّارا أصم يهوى وقعها الصوارا ألا ترى أنه قد تقدم يهوى على وقعها في موضع هاويا وهذا يدل على جواز تقديم الحال من المضمر.
ومن تقديم خبر كان قوله: " ولم يكن له كفواً أحدٌ " فالظرف حشو وأحد اسم كان وكفوا خبره وأجاز أن يكون له وصفا للنكرة فلما تقدم انتصب على الحال.
وحمله الكوفي على إضمار المجهول في يكن وفي يكن ضمير القصة وكفوا حال.
وهذا إنما جاز عندهم للحاق النفي الكلام وإلا كان كفرا لأنك إذا قلت: لم يكن الأمر له كفواً أحد كان إيجاباً تعالى الله عن ذلك وتقدس.
فهو كقولهم: ليس الطيب إلا المسك على إضمارٍ في ليس وإدخال إلا بين المبتدأ والخبر لأنه يؤول إلى النفي.
والعامل في الظرف إذا كان حالاً هو يكن.
وعلى قول البغداديين في كفوا المنتصب على الحال وكانَّ له إنما قدمت وإن لم يكن مستقراً لأن فيه تبييناً وتخصيصاً ل كفو.
فلهذا قدم وحسن التقديم وإن لم يكن مستقراً.
فهذا كله في تقديم ما في حيز المبتدأ.
فأما الظرف إذا كان خبراً ل كان فتقديمه على اسم كان كثير كقوله: " ومن تكون له عاقبة الدار " وقوله: " وتكون لكما الكبرياء ".
وقوله: " قد كان لكم آية " وكقوله: " ولم تكن له فئة ".
فأما قوله: " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " فقيل: نصر يرتفع ب كان وحقاً خبر مقدم.
وقيل: بل اسم كان مضمر والتقدير: كان الانتقام حقاً فتقف على هذا وتبتدئ " علينا نصر المؤمنين ".
ومن هذا الباب قوله تعالى: " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون " ف هم مبتدأ ويستغفرون الخبر والجار في صلة يستغفرون وقدمه على المبتدأ كما قدم " وبالآخرة هم يوقنون ".
ومثله: " أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ".
ف أنتم مبتدأ ومدهنون خبره والجار من صلة مدهنون.
وأما قوله قليلاً فستراه في باب آخر إن شاء الله.
=========
(الرابع عشر) ما جاء في التنزيل وقد حُذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه
وهو جائز حسن في العربية يعد من جملة الفصاحة والبلاغة.
وقد ذكره سيبويه في غير موضع من كتابه.
فمن ذلك قوله: " وبالآخرة هم يوقنون " والتقدير: وبالدار الآخر ' هم يوقنون.
ومن ذلك قوله: " وإنه في الآخرة لمن الصالحين " أي: في الدار الآخرة.
كما أن قوله: " ولقد اصطفيناه في الدنيا " أي: في الدار الدنيا.
دليله قوله: " وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خيرٌ ".
وما جاء في التنزيل من قوله: " ولدار الآخرة خير " فهو على تقدير: ولدار الساعة الآخرة فتكون الآخرة صفة للساعة المضمرة.
وعليه قراءة ابن عامر في قوله: " ولدار الآخرة خير للذين اتقوا " في الأنعام.
وليست الدار مضافة إلى الآخرة لأن الشيء لا يضاف إلى صفته كما لا يضاف إلى نفسه.
وعلى هذا: مسجد الجامع أي الوقت الجامع وصلاة الأولى أي: صلاة الساعة الأولى و " دين القيمة " أي: الملة القيمة وكذلك " حب الحصيد " أي: حب الزرع الحصيد و " حق اليقين " أي: حق العلم اليقين.
فمن قال بخلاف ذا فقد أخطأ.
ومن ذلك قوله تعالى: " آمنوا كما آمن الناس " أي: آمنوا إيمانا مثل إيمان الناس " قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء " أي أنؤمن إيماناً كإيمان السفهاء.
فحذف الموصوف وأقيمت الكاف التي هي صفته بمقامه.
وعلى هذا جميع ما جاء في التنزيل من قوله: كما.
ومثله: كذلك في نحو قوله: " كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم " أي قولاً مثل ذلك قال الذين لا يعلمون.
ويكون مثل قولهم بدلاً من الأول وتفسيراً.
ومثله: " كذلك الله يفعل ما يشاء " و: " كذلك الله يخلق ما يشاء ".
ومثله: " كذلك قال ربك " أي: فعلا مثل ذلك وقولاً مثل ذلك.
وأما قوله: " كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم " إن شئت كان وصفاً لمصدر قوله: " ولأتم نعمتي عليكم " على تقدير: إتماما مثل إرسالنا الرسول.
وإن شئت كان من صلة قوله: " فاذكروني أذكركم " أي: ذكرا مثل إرسالنا الرسول.
وأما قوله: " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " فإن شئت كان صفة لمصدر خبر مبتدأ تقدم ذكره على تقدير: " قل الأنفال لله والرسول " أي: الأنفال ثابتة لله ثبوتاً كثبوت إخراج ربك إياك وإن شئت: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إصلاحاً مثل إخراجك من بيتك.
وأما قوله تعالى: " كما بدأكم تعودون " أي: تودون عودا مثل بدئنا إياكم كقوله: " بدأنا أول خلق ".
وعلى هذا قياس كاف التشبيه في التنزيل وهذا نوع آخر من حذف الموصوف.
ومن ذلك " ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا " فريق " يود أحدهم " فحذف الموصوف وجعل يود وصفاً له.
وقدره آخرون: ولتجدنهم ومن الذين أشركوا أي: ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس فهو وصف لموصوف منصوب معطوف على مفعول لتجدنهم.
وقدره الفراء: من يود.
ومن إن كان موصولاً فلا يجوز إضماره وإن كان موصوفاً جاز إضماره كقول حسان: فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء أي: من يمدحه ومن ينصره.
ويكون من موصوفاً.
ومن لم يقف على حياة فإنما أدخل من على قوله: " ومن الذين أشركوا " حملاً على المعنى.
إذ المعنى: ولتجدنهم أحرص من الناس ومن الذين أشركوا.
ومن ذلك قوله تعالى: " من الذَّين هادوا يحرفون الكلم " قال أبو علي: ومن الذين هادوا فريق يحرف الكلم فحذف الموصوف كما قال: " ومن آياته يريكم البرق ".
أي: ومن آياته آية يريكم البرق.
دليله قوله: " ومن الذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه " أي: سماعون من أجل الكذب.
أي: يسمعون ليكذبوا عليك ويحرفوا ما سمعوا.
فقوله يحرفون صفة لقوله سماعون وليس بحال من الضمير الذي في يأتوك.
ألا ترى أنهم إذا لم يأتوا لم يسمعوا فيحرفوا وإنما التحريف ممن يشهد ويسمع ثم يحرف.
وإذا كان كذلك فالمحرفون من اليهود بعضهم وإذا كانوا بعضهم لا جميعهم كان حمل قوله: من الذين هادوا فريق يحرفون الكلم أشبه من حمله على ما أحببنا نحن به أحد شيوخنا لأنه لهذه الآية أوفق.
يعني بذلك حين سأله أحد شيوخه عن تعلق منْ في قوله: " من الذين هادوا " فأجابه بأنه يتعلق ب نصير من قوله " وكفى بالله نصيراً ".
كقوله " فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا " فإن قلت: فلم لا نجعل قوله " يحرفون " حالاً منها في " لم يأتوك " على حد " هدياً بالغ الكعبة " أي: مقدرا البلوغ فيه فإن الذي قدمناه أظهر إن شاء الله.
ومن حذف الموصوف قوله: " أو جاءوكم حصرت صدورهم " أي: قوماً حصرت صدورهم فحذف الموصوف وقدر قوم فيه.
أي: قد حصرت صدورهم ليكون نصباً على الحال.
وقال قوم: هو على الدعاء.
ومن حذف الموصوف قوله: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " أي: عشر حسنات أمثالها.
فحذف الموصوف.
وفيه وجهان آخران نخبرك عنهما في بابيهما إن شاء الله.
ومن حذف الموصوف قوله تعالى: " ولقد جاءك من نبإ المرسلين " أي: شيء من نبأ المرسلين.
لا بد من هذا التقدير لأنك لو لم تقدر هذا لوجب عليك تقدير زيادة من في الواجب وليس مذهب صاحب الكتاب.
ومثله قراءة من قرأ: " يرسل عليكما شواظ من نارٍ ونحاس " بالجر.
تقديره: وشيء من نحاس.
فحذف الموصوف إذ لا يجوز جر نحاس على النار لأن النحاس لا يكون منه شواظ.
ومن حذف الموصوف قوله: " وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء " أي: ما أنتم بمعجزين من في الأرض.
فمن موصوف وقد حذفه.
ومن حذف الموصوف: " ودانية عليهم ظلالها " أي: " وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا.
ودانية " أي: وجنة دانية فحذف الموصوف.
ومثله " وما منا إلا له مقام معلوم " أي ما منا أحد إلا ثابت له مقام فالظرف صفة ل أحد المضمر.
ولا بد من تقديره ليعود الهاء إليه وهذا يدل على قول الفقهاء حيث قالوا فيمن قال لعبده: إن كان في هذا البيت إلا رجل فأنت حر.
فإذا كان فيه رجل وصبي فإنه يحنث لأن التقدير: إن كان في هذا البيت أحد إلا رجل والصبي من جملة الأحد إلا أن يعني أحداً من الرجال فيدَّين إذ ذلك.
والذي يقوله النحويون في قولهم ما جاءني إلا زيد: زيد فاعل ل جاء وأحد غير مقدر وإن كان المعنى عليه لأن تقدير أحد يجوز نصب زيد ولم يرد عن العرب نصبه في شيء من كلامهم بتة.
وحذف أحد جاء في التنزيل وإن لم يكن موصوفاً كقوله " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به " والتقدير: وإن من أهل الكتاب أحد.
كذا: " وإن منكم إلا واردها " أي: إن منكم أحد.
وإن جعلت الظرفين في الآيتين وصفاً ل أحد على تقدير: وإن أحد ثابت من أهل الكتاب وإن أحد منكم إلا واردها كان وجها.
وإن طلبت شاهداً على حذف أحد من أشعارهم فقد أنشد سيبويه: أي: ما في قومها أحد يفضلها.
ولفظ سيبويه في ذلك: وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقول: ما منهم مات حتى رأيته في حال كذا وكذا.
وإنما أراد: ما منهم أحد مات ومثل ذلك " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به قبل موته " ومثل ذلك في الشعر للنابغة: كأنك من جمال بنى أقيش يقعقع خلف رجليه بشن أي: كأنك جمل من جمال بني أقيش.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم " والتقدير: وقوم أخذنا ميثاقهم فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.
وقيل: إن التقدير: وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ففصل بين الواو والفعل.
وقيل: هو محمول على قوله: " ولقد أخذ الله ميثاق بَنِي إسرائيل " " ومن الذين قالوا " فحمل على المعنى.
ومن ذلك قوله: " وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " أي: قوم مردوا " وآخرون " " والذين اتخذوا ".
والمعنى: ومنهم آخرون ومنهم الذين اتخذوا.
ومن ذلك قوله: " كبرت كلمة تخرج من أفواههم " أي: كبرت كلمة تخرج فحذف وأقام الجملة وقال أبو علي: يحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون في كبرت ضمير مما جرى من اتخاذ الولد وأنث على المعنى لأن ذلك كلمة فعلى هذا لا يكون بمنزلة نِعْمَ لأن فاعل نعم لا يكون معهوداً.
وتكون كلمة على هذا منتصبة على الحال.
كما أن مقتاً في قوله " كبر مَقْتاً عند الله أن تقولوا " حال.
ويجوز أن تجعله بمنزلة نِعْمَ وتضمر فيها شائعا كما تضمر في: نِعْمَ رجلاً.
فإذا جعلته كذلك احتمل قوله: " تخرج من أفواههم " أمرين ولكن لا بد منها لتبيين الضمير.
والآخر: أن يكون صفة للمخصوص بالذم وقد حذف والتقدير: كبرت الكلمة كلمةً تخرج من أفواههم فحذف المخصوص بالذم لأنه إذا جاز أن يحذف بأسره في نحو: نعم العبد كان أن يحذف وتبقى صفتها أجود.
وإن جعلت قوله " تخرج من أفواههم " صلة ل كلمة المذكورة كان المخصوص بالذم مرادا ويكون ذلك قولهم " اتخذ الله ولداً " فحذف ولم يذكر لجرى ذكرها كما لم يذكر أيُّوب في قوله " نعم العبد " لجرى ذكره.
ومن ذلك قوله تعالى: " وقولوا للنّاس حسناً " أي: قولا ذا حسن فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه بعد حذف المضاف.
ومن قرأ حسناً فالتقدير: قولاً حسناً.
قال أبو علي: وحسُن ذلك في حَسَن لأنه ضارع الصفة التي تقوم مقام الأسماء نحو: الأبرق ومثل ذلك في حذف الموصوف قوله: " قال ومن كفر فأمتعه قليلاً " أي متاعاً قليلاً يدلك على ذلك قوله: " قل متاع الدنيا قليلٌ ".
وقوله: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل " يحسن هذا وإن كان قد جرى على الموصوف في قوله: " إن هؤلاء لشرذمة قليلون ".
وكذلك يحسن في قوله: " وقولوا للناس حسناً ".
وأما قوله: " ثم بدل حسنا بعد سوء " فينبغي أن يكون اسماً لأنه قد عودل به مالا يكون إلا اسما وهو السوء.
وأما قوله: " وإما أن تتخذ فيهم حسناً " فيمكن أن يكون: أمرا ذا حسن ويمكن أن يكون: الحسن مثل الحلو.
ومن ذلك قوله: " فقليلاً ما يؤمنون " أي: إيماناً قليلاً يؤمنون.
ف قليلا صفة إيمان وقد انتصب ب يؤمنون أعني: إيماناً.
وكذلك قوله: " قليلاً ما تذكرون " أي: تذكرا قليلا تذكرون.
و " قليلاً ما تشكرون " أي: شكراً قليلاً تشكرون.
ومعنى " فقليلاً ما يؤمنون " أي: الإيمان لهم لأن القلة يراد به النفي.
قال سيبويه: قَّل رجل يقول ذاك إلا زيد.
والمعنى: ما رجل يقول ذاك إلا زيد.
فزيد لا يجوز فيه إلا الرفع لأنه منفي وكذلك: قلما سرت حتى أدخلها بالنصب.
كما تقول: ما سرت حتى أدخلها.
وأما قوله: " فلا يؤمنون إلا قليلاً ".
فقد قال أبو علي: قلة إيمانهم قولهم: الله ربنا والجنة والنار حق.
وليس هذا بمدح إيمانهم إذ ليس القدر مما يستحق به الجنة ولا يكون التقدير إلا جماعة قليلاً لقوله: " لعنهم الله ".
فعمَّهم باللعن.
وإنما التقدير: إيماناً قليلاً.
وأما قوله: " كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون " أي: قليلاً في العدد من الليل لم يهجعوا عن الضحّاك وهو ضعيف.
لأنه قدم الجار على المنفى.
وقيل: كانوا قليلاً هجوعهم وما مصدرية فتكون بدلاً من الضمير في كانوا أي: يرتفع بالظرف.
و " قليلاً من الليل " خبره لأنه حدث والجملة في موضع خبر كان.
قال الشيخ: هذا سهو منه لأنه إذا ارتفع بالظرف لم يرتفع بالابتداء وإذا لم يرتفع بالابتداء لم يكن قليلاً خبراً لا سيما وقليلاً منصوب فكيف يكون خبر ما إنما نصبه لأنه خبر كان.
ولا يمتنع أن يكون قليلاً خبراً عن ما وصلته وإن لم يجز أن يكون خبراً عن المبدل منه لأن المقصود الآن هو البدل.
ولا يجوز أن يرتفع ما ب قليل وهو موصول بالظرف لأن القليل لما وصلت به من قول " من الليل وإن علقت من الليل بكانوا أو ب قليل ما نفي لم يجز ألا ترى أن قليلاً على هذا الخبر للضمير الذي في كانوا ولا يكون من الليل فلا يتعلق أيضاً ب كانوا على حد قولك: كانوا من الليل.
ولم يرض أبو علي أن يكون من الليل مثل قوله: " من الزاهدين " " وأنا على ذلكم من الشاهدين ".
قال أبو علي: في الآى التي تقدم ذكرها فصل نقلته لك وهو أنه قال في قوله " فقليلاً ما يؤمنون ".
أي: فلا يؤمنون إلا إيماناً قليلاً كما تقول ضربته يسيراً وهيناً.
وقال: " والذين يمكرون السيئات " أي: المكرات السيئات.
ويجوز أن يكون " فلا يؤمنون إلا قليلاً " أي: لا يؤمنون إلا نفراً قليلاً كقوله: " وما آمن معه إلا قليل ".
فهذا قلة في العدد ويكون حالاً.
ولا يراد به القلة التي هي الوضع والتي هي خلاف الكثرة في قوله: وأنت كثير يابن مروان طيب وما روى من قوله: المرء كثير بأخيه لأن ذلك لا يوصف به المؤمنون.
وعكسه: " فأبى أكثر الناس إلا كفوراً ".
فأما قوله: " ولا يأتون البأس إلا قليلاً " فيكون العدد من الذل لأنهم لكفرهم لا يكثرون عند البأس فهم خلاف الأنصار الذين قال فيهم: إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع.
وقوله تعالى: " عما قليل ليصبحن نادمين " ليس هو من قلة العدد كأنه: عن زمان قليل يندمون.
و " عَمَّا " متعلق بمحذوف يدل عليه " ليصبحن نادمين ".
ومن حذف الموصوف قوله: " نِعمَّا يعظكم به " أي: نعم شيئاً يعظكم به موعظته فحذف المخصوص بالمدح وكلاهما حسن.
ومنه قوله: " ولا تزال تطلع على خائنة " أي: فرقة خائنة.
وقيل: على خيانة.
وقيل: الهاء للمبالغة.
فأما قوله: " فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية " أي: بالصيحة الطاغية.
فحذف الموصوف.
وقيل: بفعل النفس الطاغية.
فحذف المضاف والموصوف وهو عاقر الناقة.
وقيل: بل الطاغية للطغيان أي: أهلكوا بطغيانهم كالكاذبة.
وقال: " كذبت ثمود بطغواها ".
وقيل: بالذنوب الطاغية أي: المطغية.
ولما قال: " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصرٍ " فذكر العذاب اقتضى ذلك الوجه الأول كي يكون المعطوف كالمعطوف عليه.
واعلم أن فاعلة التي بمنزلة العافية والعاقبة أريتك في هذه الآى الثلاث الخائنة و الكاذبة و الطاغية.
وفي آيتين الخالصة في قوله: وقال: " إنا أخلصناهم بخالصة " أي: بإخلاصهم أو بالخلوص لهم ذكرى الدار.
فهذه خمسة مواضع حضرتنا الآن.
ومثله الكافة فهو كالعافية والعاقبة ونحوه.
ويدل عليه قوله: " ادخلوا في السلم كافة " فأوقع على الجماعة.
وقال: " وما أرسلناك إلا كافة ".
ومثله الفاحشة في قوله: " والذين إذا فعلوا فاحشة " وقوله: " إلا أن يأتين بفاحشة ".
هي فاعلة بمعنى المصدر عن أبي علي وعن غيره بل هي صفة موصوف محذوف أي: فعلوا خصلة فاحشة وإن يأتين بخصلة فاحشة.
ومثله " لا تسمع فيها لاغية " قيل: لغواً مثل العافية.
وقيل: كلمة لاغيةً.
وقيل: قائلُ لغوٍ.
ومثله قوله تعالى: " أئّنا لمردودون في الحافرة " " أئذا كنَّا عظاماً نخرة " أو ناخره نرد في الحافرة.
ف إذا في موضع نصب بهذا الفعل.
والحافرة مصدر كالعاقبة والعافية " ليس لوقعتها كاذبة " كأنه أراد نرد إلى الطريق الذي حفرناه بسلوكنا.
ومن حذف الموصوف جميع ما جاء في التنزيل من قوله: " وعملوا الصالحات " والتقدير: وعملوا الخصال الصالحات.
كما أن السيئات في قوله: " وكفِّر عنَّا سيَّئاتنا " و " نكفر عنكم سيئاتكم " أي: الخصال السيئات.
ومن ذلك قوله: " واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر " فحذف للدلالة عليه نحو قوله " ومن آياته يريكم البرق ".
وقال: " منهم الصالحون ومنهم دون ذلك " فحذف الموصوف.
وقال: " وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ".
أي: فريق دون ذلك.
وعلى قياس قول أبي الحسن يكون دون في موضع الرفع ولكنه جرى منصوباً في كلامهم.
وعلى محمل قراءة من قرأ " لقد تقطع بينكم " على أنه ظرف ووقع موقع الفاعل.
وكذا قوله: " يوم القيامة يفصل بينكم " فيمن قرأه مرتباً للمفعول بجعله قائماً مقام الفاعل لأنه جرى منصوباً.
ويجوز لقد تقطع بينكم على: ما بينكم فحذف الموصوف دون الموصول.
ومنه قوله: " ومن تاب وعمل صالحاً " أي: عملاً صالحاً لقوله قبله: " وعمل عملاً صالحاً " وقال: " يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ " أي: الأعمال السيئات الأعمال الحسنات فلم أعده لك.
وصاحب الكتاب يقول: لو بمنزلة إن في هذا الموضع تبنى عليها الأفعال فلو قلت: ألا ماء ولو بارد لم يحسن إلا النصب لأن بارداً صفة.
ولو قلت: ائتنى ببارد كان قبيحاً.
ولو قلت: ائتنى بتمر كان حسنا ألا ترى كيف قبح أن تضع الصفة موضع الاسم.
ومن ذلك قوله تعالى: " ولا تكونوا أول كافر به " أي: فريق كافر به فحذف الفريق.
ومن ذلك قوله تعالى: " الخبيثات للخبيثين " أي: النساء الخبيثات للرجال الخبيثين.
وقيل: الكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين وكذا التقدير فيما بعدها.
ومن ذلك قوله: " عن قولهم الإثم " أي: عن قولهم كلاماً ذا الإثم.
قال أبو علي: ويكون من باب: ضرب الأمير ونسج اليمن وتقديره: عن قولهم كلاماً مأثوماً فيه.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا تغلوا في دينكم غير الحق ".
فقد قيل: هو موضعه مصدر محذوف وقيل: منتصب بفعل مضمر.
وعندي أنه على الاستثناء المنقطع وليس على: تغلوا غلوا غير الحق لأن غُلُوا نكرة وإن كان لا يتعرف في غير هذا الموضع بالإضافة فقد تعرف هنا إذ ليس إلا بالحق أو الباطل.
ومن ذلك قوله تعالى: " ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار " يجوز أن يكون من زيادة على قياس قول أبي الحسن.
ويجوز أن يكون على حذف الموصوف أي: وأوزارا من أوزار الذين يضلونهم.
ويؤكد هذا قوله: " وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم فكما أن مع صفة فكذلك الجار ها هنا.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً " أي: ما تتخذون ومن ذلك قوله تعالى: " وقل رب ارحمهما كما ربيانِي صغيراً " أي: ارحمهما رحمة مثل رحمة تربيتهما إياى صغيراً فحذف ذا الكلام.
ومعنى رحمة التربية: الرحمة التي كانت عنها التربية مثل ضرب التلف.
ويجوز أن يكون المعنى: على ما ربياني صغيراً.
وكذلك تأول أبو الحسن قوله: " فاستقم كما أمرت ".
أي: على ما اُمرت فكذلك ارحمهما على ذلك.
ونحو منه في أول السورة: " ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ".
التقدير: دعاء مثل دعائه الخير.
ومن ذلك قوله تعالى: " فمكث غير بعيد " أي: زماناً غير بعيد من الزمان فيكون فاعل مكث سليمان.
وقيل الفاعل: الهدهد أي: بمكان غير بعيد.
ومن ذلك قوله: " وحب الحصيد " أي: وحبّ الزرع الحصيد.
" وحبل الوريد " أي: حبل عرق الوريد.
و " دين القيمة " و " حق اليقين " كل هذا على حذف المضاف الموصوف.
ومن ذلك قوله تعالى: " أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم " يحتمل موضع " الذين من الأول: أن يكون رفعاً بالعطف على قوم تبع تقديره: أهم خير أم هذا فإذا جعلته على هذا أمكن في صلة الذين أن تكون أهلكناهم ويكون من قبلهم متعلقاً به.
ويجوز أن يكون صلة الذين من قبلهم فيكون على هذا في الظرف عائد إلى الموصول.
فإذا كان كذلك كن أهلكناهم على أحد أمرين: إما أن يكون يريد فيه حرف العطف وقد يكون في موضع الحال أو يقدر حذف موصوف كأنه: قوما أهلكناهم.
وهذان على قول أبي الحسن.
والمعنى: أفلا تعتبرون أنا إذا قدرنا على إهلاك هؤلاء واستئصالهم قدرنا على إهلاك هؤلاء المشركين.
ويجوز أن يكون الذين مبتدأ وأهلكناهم الخبر أي: الذين من قبل هؤلاء أهلكناهم فلمَ لا تعتبرون.
والثاني يجوز أن يجعل الذين جراً بالعطف على تبَّع أي قوم تبع والمهلكين من قبلهم.
ومن ذلك ما قاله الفرّاء في قوله: " وإذا رأيت ثم " أي: ما ثم فحذف.
وقال أبو علي: قول الكسائي وإجازته: نعم الرجل يقوم وأنه منع في النصب: نعم رجلاً يقوم.
فأما منعه في النصب فبيِّن وذلك أن يقوم يصير صفة للنكرة فيخلو الكلام من مقصود بالذم أو المدح مخصوص به وإذا خلا منه لم يجز.
ولو زاد في الكلام مقصوداً بالمدح جازت المسألة.
وأما: نعم الرجل يقوم فإنه أجازه على أنه أقام الصفة مقام الموصوف كأنه: نعم الرجل رجل يقوم فحذف رجلا المقصود بالمدح أو الذمِ.
قال أبو بكر: هذا عندي لا يجوز لأن إقامة الصفة مقام الموصوف إذا كانت الصفة فعلاً غير مستحسن.
قال: فإذا كان كذلك وجب ألا يجوز إذا لم يكن اسماً إذ الاسم الموافق للمحذوف في أنه مثله اسم لذلك غير مستحسن فيه فإن هذا الذي ذكره حسن.
فإن قيل: قد جاء " وما منَّا إلا له مقام معلوم " " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به ".
وقول الشاعر: وما منهما قد مات حتى رأيته وقوله: وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح والتقدير: تارة منهما أموت وتارة منهما أكدح ونحو هذا.
فحذف الموصوف في هذه الأشياء.
قيل: إنما جاز الحذف في قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمننَّ به " لأنه مبتدأ غير موصوف إنما هو محذوف من قوله: وإنَّ من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به.
فهذا خبر محذوف على هذا التقدير والمبتدأ حذفه سائغ.
وكذلك: " وإن منكم إلا واردها " " وما منا إلا له ".
أي: ما منا أحد إلا مقام معلوم.
ويستدل متأول هذا على أن قوله أرجح بقوله تعالى: " فما منكم من أحد عنه حاجزين " ألا ترى أن منكم ليس صفة ل أحد فإذا كان كذلك لم يكن فيه دلالة.
وما جاء من نحو ذا في الشعر لا يحمل الكلام عليه لأنه حال سعة وليس حال ضرورة.
فإن قيل: منكم متعلقة بحاجزين ولا يصح أن يعلق منكم في قوله: " وإن منكم إلا واردها " " وما منا إلا له مقام معلوم " بما بعد إلاَّ ولا يصح أن يكون خبراً عن أحد لأن واردها خبر عنه.
وله مقام معلوم خبر عنه ولا يكونان خبرين كقولهم: هذا حلو حامض لأن إلا لا يفصل بينهما لأنهما بمنزلة اسم واحد في المعنى.
وأيضاً فإن المعنى يمنع من ذلك لأنه ليس يريد: إنه لا أحد منهم.
فهذا يمنع من أن يكون منكم خبراً ويمنع أن يكون واردها صفة ل أحد.
وكذلك له مقام معلوم.
ويمنع من ذلك أن إلا لا مدخل لها بين الاسم وصفته.
فأما: ما جاءني أحد إلا ظريف فإنه على إقامة الصفة مقام الموصوف كأنه: إلا رجل ظريف.
أو على البدل من الأول فكذلك " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ".
وهذا يمنع فيه من تعلق من بقوله ليؤمنن أعني اللام من إلا.
وإذا كان كذلك فلا وجه ل مِنْ إلا الحمل على الصفة.
قيل: هي متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله: " له مقام معلوم " و " واردها " و " ليؤمنن به " ومعناها البيان ل أحد.
فإن قياس قول الكسائي في: نعم الرجل يقوم أن يجوز في المنصوب: نعم رجلاً يقوم يذهب.
على أن يكون يذهب صفة محذوف كأنه: نعم رجلاً يقوم رجل يذهب.
كما كان التقدير في حذف الموصوف فمرة أجازوه مستحسناً ومرة منعوه ولم يستحسنوا.
وكثرة ذلك في التنزيل لا محيص عنه على ما عددته لك
=====
الخامس عشر ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور
وقد جاء ذلك في خبر المبتدأ وصفة الموصوف وصلة الموصول وفي الفعل جميعاً.
والتقدير: إن الذين كفروا بالله وهو شائع في التنزيل أعني حذفها من أكفروا.
قال: " وأما الذين كفروا فيقولون ".
" والذين كفروا أعمالهم كسراب ".
" ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ".
والتقدير في كله: كفروا بالله وكفروا بربهم.
كما أن قوله: " إن الذين آمنوا والذين هادوا " " إن الذين آمنوا والذين هاجروا " وقوله " لا يؤمنون " التقدير في كله: بالله.
فأما قوله: " الذين كفروا وكذبوا بآياتنا " فالباء من صلة التكذيب عندنا وقد حذف صلة كفروا لدلالة الثاني عليه وهو متعلق بالفعل الأول عند الكوفيين دون الثاني.
نظيره " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ".
وهذا باب من إعمال الفعلين سنأتي عليه هناك إن شاء الله.
ومما جاء وقد حذف منه العائد إلى المبتدأ من خبره قوله تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله " إلى آخر الآية.
ف مَنْ آمنَ مبتدأ وخبره " فَلَهمْ أَجْرهُمْ " والجملة خبر الذين والتقدير: من آمن منهم بالله.
وقال: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن " والتقدير: يتربصن بعدهم.
وقال قوم: إن قوله " والذين يتوفون " مبتدأ والخبر مضمر.
أي: فيما يتلى عليكم الذين يتوفون ومثله: " والسارق والسارقة " و " الزَّانية والزَّاني ".
وقوله: " مثل الجنة ".
وقوله: " شهر رمضان ".
هذا كله على إضمار الخبر أي: فيما يتلى عليكم.
كما أضمر الخبر في قوله: " واللائِي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائِي لم يحضن ".
والتقدير: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فأضمر المبتدأ والخبر.
وإضمار الخبر على أنواع فنوع منها هذا الذي ذكرناه ونوع آخر يضمر الخبر لتقدم ذكره كقوله: " والله ورسوله أحق أن يرضوه ".
والتقدير: والله أحق أن ترضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
وقوله: " أن الله بريء من المشركين ورسوله " أي: ورسوله برئ من المشركين.
وإذا جاز حذف الخبر بأسره فحذف الضمير أولى.
ومن حذف الضمير في حذف المبتدأ قوله تعالى: " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " أي فإن حزب الله هم الغالبون معه لأن من موصولة مبتدأة وتمت بصلتها عند قوله آمنوا وإن مع اسمه وخبره خبر من والعائد مضمر.
ومثله: " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنَّا لا نضيع أجر المصلحين " أي المصلحين منهم.
وقال: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " أي: أجر من أحسن منهم.
وقال: " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " أي منه.
ومثله: " إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين " أي للأوابين منكم فحذف.
ومما جاء من العائد المحذوف في الوصف إلى الموصوف قوله تعالى: " واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس " أي: لا تجزي فيه.
وكذلك " ولا يقبل منها شفاعة " أي: فيه.
" ولا يؤخذ منها عدل " أي: فيه.
" ولا هم ينصرون " أي: فيه.
كل هذه جمل جرت وصفاً على يوم المنتصب بأنه مفعول به وقد حذف منه فيه.
وفي هذه المسألة اختلاف: ذهب سيبويه إلى أن فيه محذوف من الكلام قال في قولهم: أما العبيد فذو عبيد.
المعنى: أما العبيد فأنت منهم ذو عبيد.
كما قال: " واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً " أي: فيه.
وقال أبو الحسن في ذلك: اتقوا يوما لا تجزي فيه.
قال: وقال قوم: لا يجوز إضمار فيه ألا ترى أن من يقول ذلك لا يقول: هذا رجل قصدت وأنت تريد: إليه.
ولا: رأيت رجلاً وأنت تريد: فيه.
وإن شئت حملته على المفعول في السعة كأنك تقول: قلت: واتقوا يوماً لا تجزيه ثم ألغيت الهاء كما تقول: رأيت رجلاً أحب تريد أحبه.
قال أبو علي: حذف الظرف في الأسماء مراد وإن كان محذوف اللفظ فيها فمن أجل ذلك تمتنع الإضافة إليها والحديث عنها وأن تجعلها مفعولاً بها في حال ما هي ظروف لأن ما يقدر من الحرف المراد يمنع ذلك ويحجر عنه.
ويدلك على إرادة الحرف في كل ذا إظهارك إياه في جميع ذلك إذا كنيت عنها عن خلف ونحوه في قولك: قمت خلفك وخلفك قمت فيه كما تقول: السوق قمت فيها.
وكما أعلمتك من إرادة الحرف معها إذا كانت ظروفاً كثيراً ما ترى سيبويه إذا علم أنها مفعولة على الاتساع يذكرها مضافة ليبدي بذلك أن الظرفية زائلة عنها.
والجائز عندي من هذه الأقاويل التي قيلت في الآية: قول من قال.
إن اليوم جعل مفعولاً على الاتساع ثم حذفت الهاء من الصفة كما تحذف من الصلة لأن حذفها منها في الكثرة والقياس كحذفها منها.
أما القياس فإن الصفة تخصيص الموصوف كما أن الصلة تخصيص الموصول ولا تعمل في الموصوف ولا تتسلط عليه كما لا تعمل الصلة في الموصول ومرتبتها أن تكون بعد الموصوف وقد تلزم الصفة في أماكن كما تلزم الصلة وذلك لن يعرف الموصوف إلا بها.
ولا تعمل فيما قبل الموصوف كما لا تعمل الصلة فيما قبل الموصوف.
وتتضمن ذكرا من موصوفها كما تتضمنه الصلة من موصولها.
وشدة مشابهة الصفة الصلة على ما تراه.
وقد كثر مجيء الصلة محذوفاً منها العائد إذا كان مفعولاً في التنزيل وجميع التنزيل والنظم حتى إن الحذف في التنزيل أكثر من الإثبات فيها والصفة كالصلة فيما ذكرت لك من جهات الشبه فإذا كان كذلك حسن الحذف منها حسنه من الصلة.
فإن قيل: ما تنكر أن يكون المحذوف من الآية فيه دون الهاء على التأويل الذي ذكرته وإن حذف الجار والمجرور في هذا ونحوه كحذفهما في قولهم: السمن منوان بدرهم.
وما شبَّه سيبويه به ونحوه قيل له: ليس يسوغ حذفهما ولا يحسن حسنه من خبر المبتدأ كحذفهما من الخبر لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره حتى لا يترك منه شيء فيما كثر تعداده فإذا حسن حذف الخبر وجاز كان حذف بعضه أسوغ وأجود.
وإبقاء البعض في باب الدلالة على المحذوف وإرادته أقوى من حذف الكل وليس كذلك الصفة ألا ترى أن الصفة لا تحذف كما يحذف الخبر فيسوغ حذف هذا البعض منها كما حسن حذف كلها فلا يجوز حذف الجار والمجرور هنا من حيث جاز حذفهما في الخبر لما ذكرنا.
قال: وليس حذف فيه في الآية كحذف الهاء من قوله: ويوم نسر لأن فيه جار ومجرور.
ولا يجوز في الصلة: الذي مررت زيد: تريد: مررت به وكذا لا يجوز حذف فيه بخلاف قوله: يوم نسر لأنه يحسن: الذي ضربت زيد.
وهذا الذي قاله عندي غيره قد جاء في التنزيل: قال الله تعالى: " وخضتم كالذِى خاضوا " أي خاضوا فيه.
وقال: " ذلك الذِى يبشر الله عباده " أي: يبشر الله به عباده.
قال: " ثم بعثناهم لنعلم أيُّ الحزبين أحصى لما لبثوا " أي: لما لبثوا فيه.
على أنه حكى عن يونس أن الذي في الآيتين بمنزلة المصدر والتقدير خضتم كخوضهم.
والذي يبشر بمنزلة التبشير.
رجع إلى كلام أبي علي: قال أبو علي: فإن قلت: أو كلام سيبويه في هذا مثل قول من قال: إن الحذف وجب فيه من حيث وجب في المظهر في البعد من الصواب فالجواب: أن قول سيبويه أقرب إلى الصواب وأبعد من الخطأ وذلك أنه لم يذكر أن الحذف في هذا أوجب من حيث يحذف في المظهر.
لكنه شبهه بما يحذف للدلالة عليه كخبر المبتدأ ونحو ذلك وكأنه عنده حذف حذفاً لذلك لا من حيث حذف في المظهر.
وقد قدمنا الفصل بين هذا وبين خبر المبتدأ فإن الحذف فيه أسوغ من الحذف في هذا لأنه صفة.
وليس الوصف من المواضع التي يسوغ فيها الحذف وليس قول سيبويه في حذف فيه كقول من قال: إن الحذف مع المضمر يجوز كالحذف مع المظهر في: سرت اليوم.
فأما ما احتج به أبو الحسن على من منع جواز إضمار فيه في الآية عند قولهم لا يجوز هذا كما لا يجوز: هذا رجل قصدت وأنت تريد: قصدت إليه.
ولا: رأيت رجلاً أرغب وأنت تريد: فيه.
فالفرق بينهما أن أسماء الزمان يكون فيها مالا يكون في غيرها.
فالذي في أسماء الزمان مما لا يكون في غيرها ما جاز فيها من إضافتها إلى الفعل وتعدى الفعل كل ضرب منها مختصها ومبهمها.
وأما إضافة الفعل.
فليس شئ يوجب حذف هذا وإن أراد أن قوة دلالة الفعل عليها يسوغ الحذف فيها فهو كأنه شبيه بما ذهب إليه سيبويه أنه حذف حذفاً.
وليس في قوة دلالة الفعل على أسماء الزمان وما يوجب الحذف من الصفة كما قدمنا إلا أن هذا القول أقرب إلى الصواب ومن هذا الباب قوله تعالى: " ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم ".
وقال أبو علي في قوله: " كأن لم يلبثوا " ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يكون صفة لليوم.
والآخر: أن يكون صفة للمصدر المحذوف.
والثالث: أن يكون حالاً من الضمير في نحشرهم.
فإذا جعلته صفة لليوم احتمل ضربين من التأويل: أحدهما: أن يكون التقدير: كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة فحذفت الكلمة لدلالة المعنى عليها.
ومثل ذلك في حذف الظرف لهذا النحو منه قوله تعالى: " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف " أي أمسكوهن قبله.
وكذلك قوله: " فإن فاءوا فإن الله " أي قبل الأربعة الأشهر.
الثاني ويجوز أن يكون المعنى: كأن لم يلبثوا قبله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ثم حذف الهاء من الصفة كقولك: الناس رجلان رجل أكرمت ورجل أهنت.
وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفنا وتمثيله: ويوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوا قبله فحذف.
وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شيء من اللفظ لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال.
والمعنى: نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة لأن التقدير: كأن لم يلبثوا فلما خفف أضمر الاسم كقوله: كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم فأما قوله " يوم يحشرهم " فإن يصلح أن يكون منصوبا ب يتعارفون في هذا اليوم فيكون ظرفاً له أو مفعولاً به على السعة.
ويجوز أن يعمل فيه فعلاً مضمراً دل عليه " كأن لم يلبثوا " أي: يستقلون المدة يوم نحشرهم فيكون " يتعارفون " صفة ل يوم أيضاً كما أن لم يلبثوا صفة.
والتقدير: يتعارفون فيه بينهم فحذف فيه.
ولا يجوز أن يعمل " كأن لم يلبثوا " في يوم لأن الصفة لا تعمل في الموصوف.
وكذلك الحال لا تعمل فيما قبل صاحبها وكذا صفة المصدر لا يعمل فيما قبل المصدر وفي الآية كلام طويل.
ومن ذلك قوله تعالى: " إن ربَّي على صراط مستقيم " أي: إن ربي في تدبيركم على صراط مستقيم فالجار الثاني خبر إن والمحذوف متعلق بالخبر معمول له.
ذكره الرماني.
وقيل إن ربي على الحق دون آلهتكم والعبادة له دونهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر " أي: إن أحصرتم بمرض وغيره.
وقوله: " فإذا أمنتم " أي: من العدو فالأول عام والثاني خاص.
ومن ذلك قوله: " وبشر المؤمنين " " وبشر المحسنين " والتقدير في كله بالجنة.
أبو عبيدك يُبَشِّرُكَ ويَبْشُرُكَ ويُبْشِرُكَ واحد أبو الحسن: في يُبشر ثلاث لغات: بشر وأبشر إبشاراً وبشر يبشر وبشر يبشر بشراً وبشوراً بكسر الشين.
يقال: أتاك أمر بشرت به.
وأبشرت به في معنى بشرت ومنه: " وأبشروا بالجنة " وأنشدوا: وإذا رأيت الباهشين إلى العلا غبراً أكفهم بقاع ممحل فأعنهم وابشر بما بشروا به فإذا هم نزلوا بضنك فانزل قال أبو زيد: وبشرني القوم بالخير تبشيراً.
والاسم: البشرى.
ومما حذف فيه الجار والمجرور قوله تعالى: " ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم ".
التقدير: فله أن له نار جهنم ويقوى رفعه بالظرف فتح أن ويكسر هو في الابتداء واستغنى عن الظرف بجريه في الصلة كما استغنى عن الفعل بعد لو في: لو أنه ذهب لكان خبراً له.
وقال: " أسمع بهم وأبصر " أي وأبصر بهم.
قال أبو علي: لا يكون من باب حذف المفعول لأن بهم فاعل نحو قولهم: ما جاءني من رجل.
والفاعل لا يحذف.
وإن قدرت حذف الباء لكان: أبصروا.
لكنه جرى أبصر مجرى الاسم به لدلالة: ما أميلح زيداً وما أقوله! ويجري مجرى نِعْم وبِئْسَ أو يصير كقوله: ونار توقد بالليل نارا حيث حذف كلا لجرى ذكره في قوله: أكل امرئ تحسين امرأ ولأنك لم تجمع الضمير في ما أفعل في موضع فحمل عليه.
ومن ذلك قوله تعالى: " وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب " بعد قوله: " ألم تر أن الله يسجد من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر ".
روى عن ابن عباس أنه قال: المعنى: وكثير من الناس في الجنة.
وهذا حسن كأنه جعله استئناف كلام لأن ما تقدم من قوله: " يسجد له من في السموات ومن فلم يحمله على التكرير وأضمر الخبر لدلالة ما يجيء بعد عليه.
لأن قوله: " وكثير حق عليه العذاب " يدل على أن من تقدمهم لهم حالة أخرى.
ونظيره: " فريق في الجنة وفريق في السعير " وقوله تعالى: " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ".
وإن حملت قوله: " وكثير من الناس " على أنه معطوف على يسجد ويرتفع بذلك كان تكريراً كقوله: " اقرأ باسم ربك الذي خلق ".
ومن حذف الجار والمجرور قوله تعالى: " كلا لما يقض ما أمره " أي: ما أمره به.
فحذفت الباء فصار: ما أمر هو.
فحذف الأول دون الثاني.
ومثله " فاصدع بما تؤمر " وإن شئت كان على ما تؤمر به ثم تؤمره ثم تؤمر.
قال أبو عثمان: الضميران عندي في الآيتين مختلفان وذلك أن الضمير المحذوف في: " أهذا الذي بعث الله رسولاً " هو عائد إلى الموصول.
والضمير المحذوف من قوله سبحانه: أمره ليس ضمير الموصول إنما هو ضمير الرجل المذكور.
ولعمري إن حذف الضمير من الصلة وإن كان عائداً على غير الموصول جائز كقراءة من قرأ: " من يصرف عنه يومئذ " فيمن فتح الياء.
ومن ذلك قوله تعالى: " جنات عدن مفتحة لهم الأبواب " فقوله: مفتحة صفة لجنات والأبواب فيجوز أن يكون التقدير: مفتحة لهم الأبواب منها.
فحذف منها للدلالة عليه.
ويجوز أن يكون الأبواب بدلاً من الضمير في مفتحة لأن التقدير: مفتحة هي كما تقول: فتحت الجنان أي: أبوابها.
وقال الكوفيون: التقدير مفتحة أبوابها فقامت الألف مقام الضمير.
قال أبو إسحاق: إلا أنه على تقدير العربية: الأبواب منها أجود من أن تجعل الألف واللام بدلاً من الهاء والألف لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف في شيء لأن الهاء والألف أسماء والألف واللام دخلتا للتعريف ولا يبدل حرف جاء لمعنى من اسم ولا ينوب عنه هذا محال.
قال أبو علي: اعلم أنه لا تخلو الألف واللام في قوله الأبواب من أن يكون للتعريف كما تعرف: الرجل والفرس ونحو ذلك.
أو يكون بدلاً من الهاء التي هي ضمير التأنيث التي كان يضاف أبواب إليها ليتعرف بها.
كما أن الألف واللام في الوجه في قولك: حسن الوجه بدل منها.
فلو كان مثل التي في حسن الوجه لوجب أن يكون في مفتحة ضمير جنات.
كما أن في حسن الوجه من: مررت برجل حسن الوجه ضمير رجل بدليل: مررت بامرأة ولو كان في مفتحة ضمير جنات كما أن في حسن ضمير رجل وقد نون مفتحة لوجب أن ينتصب الأول ولا يرتفع لكون الضمير في مفتحة للجنان فإذا صار فيه ضمير لم يرتفع به اسم آخر لامتناع ارتفاع الفاعلين بفعل واحد غير وجه الإشراك فكما لم ينتصب قوله الأبواب كما ينتصب: مررت برجل حسن الوجه أنه ليس فيه ضمير الأول وإذا لم يكن فيه ضمير الأول فلا بد من أن يكون الثاني مرتفعاً لم يكن مثل الوجه لأن الوجه في قولك: مررت برجل حسن الوجه لا يرتفع ب حسن.
وإذا لم يكن مثل حسن الوجه لم يكن الألف واللام فيه بدلاً من الضمير ثبت أنه للتعريف المحض على حد التعريف في: رجل وفرس.
وإذا كان للتعريف لم يكن بدلاً من الضمير وإذا لم يكن بدلاً من الضمير الذي كان يضاف أبواب إليه لم يعد على الموصوف مما جرى صفة عليه ذكر لارتفاع الأبواب به في اللفظ بالظاهر فإذا كان كذلك فلا بد من ضمير في شيء يتعلق بالصفة يرجع إلى الموصوف.
وذلك الراجع لا يخلو من أن يكون منها أو فيها فحذف ذلك وحسن الحذف للدلالة عليه لطول الكلام.
وعلى هذا الحد حذف في قوله: " فإن الجحيم هي المأوى " أي: المأوى لهم وعلى هذا التقدير فتقدير من قدر: مفتحة أبوابها إن كان المراد إفهام المعنى فإنه لا بد من شيء يقدر في الكلام يرجع إلى الموصوف فمستقيم.
وإن كان أراد أن الألف واللام في الأبواب كالألف واللام في الوجه فليس مثله.
لأن الألف واللام إذا صارت بدلاً من الضمير الذي يضاف إليه الاسم المتعلق بالصفة التي هي نحو: حسن وشديد انتصب الاسم الذي هو فاعل الصفة إذا نونت الصفة لكون ضمير الذي يجري عليه فيه.
ألا تراهم قالوا: الحزن ناباً والعقور كلباً و: الشعر الرقابا فترك نصب الأبواب هنا دلالة على أن الألف واللام لم يرد بها أن تكون بدلاً من علامة الضمير كالتي في: حسن الوجه.
وإذا لم يجز هذا فلا بد من تقدير الراجع إلى الموصوف الذي جرى مفتحة صفة عليه وهو: منها أو نحوها فمن ها هنا كان التقدير أجود.
ويجوز أن تكون الأبواب بدلاً من الضمير الذي في مفتحة على ما تقدم وقوله: لام التعريف لا يكون بدلاً من الهاء فللقائل أن يقول قد قالوا مررت برجل حسن وجهه ثم قالوا: مررت بالرجل الحسن الوجه فقد قام اللام مقام الضمير.
وقد قالوا غلام زيد فقام الاسم مقام التنوين.
هذا كلامه في الإغفال.
وقال في موضع آخر: ولم يستحسنوا: مررت برجل حسن الوجه ولا بامرأة حسن الوجه وأنت تريد منه لما ذكرت من أن الصفة يحتاج فيها إلى ذكر يعود منها إلى الموصوف.
ولو استحسنوا هذا الحذف من الصفة كما استحسنوه من الصلة لما قالوا مررت بامرأة حسنة الوجه.
وأما قوله: " جنات عدن مفتحة لهم الأبواب " فليست على: مفتحة لهم الأبواب منها ولا أن الألف واللام سد مسد الضمير العائد من الصفة.
ولكن الأبواب بدل من الضمير الذي في مفتحة لأنك لا تقول: فتحت الجنان إذا فتحت أبوابها.
وفي التنزيل: " وفتحت السماء فكانت أبواباً " فصار ذلك بمنزلة ضرب زيد رأسه.
وقال مرة أخرى: يكون من باب سلب زيد ثوبه.
ألا ترى أن الأبواب تشتمل على الجنة كما اشتمل الأخدود على النار والشهر على القتال.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون المعنى: مفتحة لهم الأبواب منها فحذف منها قيل: هذا لا يستقيم كما جاز: السمن منوان بدرهم وأنت تريد: منه فتحذف لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره.
وإذا جاز أن يحذف جميعه جاز أن يحذف بعضه وليس الصفة كذلك لأنه موضع تخصيص وتلخيص.
ولا يجوز أن يراد الصفة وتحذف كما يراد الخبر ويحذف ولو جاز ذا لجاز: مررت بهند حسن الوجه يريد: منها.
واعلم أن البدل من الشيء ليس يلزم أن يكون حكمة حكم المبدل منه وليس يريد أهل العربية بقولهم في نحو هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه.
ألا تراهم يقولون: التنوين بدل من الألف واللام ومن الإضافة والتنوين إذا ثبت في النكرات دلت على الإشاعة والتنكير والألف واللام والإضافة وإذا دخلا شيئاً دلا على خلاف ذلك.
وإنما يريدون بالبدل: أنه لا يجتمع مع ما هو بدل منه في اللفظ.
ألا ترى أن الهاء في زناذقة عوض من الياء في زناديق لمعاقبتهما وتنافى اجتماعهما ولم يلزم أن يكون ثبات الهاء لمنع الصرف كما يمتنع الصرف في الاسم إذا ثبتت الياء.
ويقولون: الميم في فم بدل من الواو التي هي عين.
ولم يلزم أن يمتنع تعاقب الحركات عليها بعد ويقولون: الألف في يمان بدل من إحدى الياءين ولو نسبت إلى قريش لحذفت وأثبت ياءين أخريين ولو أضفت إلى يمان لم تحذف الألف.
ويقولون: التاء في أخت بدل من الواو ولم يجب ألا تدل على التأنيث كما لو ثبتت الواو لم تدل على التأنيث وهذا يكثر إذا جمع فليس يريدون أن معنى المبدل منه قد يكون في البدل معان لا تكون في المبدل منه ويكون في البدل معان لا تكون في المبدل وإنما مرادهم بالبدل أنه لا يجتمع في اللفظ مع ما هو بدل منه لا غير.
وعلى هذا قياس قول سيبويه في نون التثنية أنه بدل من الحركة والتنوين.
ومن ذلك قوله تعالى: " وغدوا على حرد قادرين " أي: قادرين على حيازة ثمار ذلك ويكون قادرين من باب: هدياً بالغ الكعبة ".
وإن قدرت قادرين: مقدرين عند أنفسهم رفع غلتهم وتحصيلها.
وعلى هذا قراءة من قرأ: " فقدرنا فنعم القادرون ".
وقال في موضع آخر: قادرين عليها أي: على جناها وثمارها عند أنفسهم فحذف الجار لتقديم ذكره في الكلام كما حذفه عند الخليل من قوله: إن الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوماً على من يتكل ويبين أن على مرادة بدليل قوله في الآية الأخرى: " وظن أهلها أنهم قادرون عليها " أي: على ما أخرجت من ثمر وجنى.
وقوله: خلقه فقدره " أي: قدره على الاستواء فحذف الجار والمجرور لقوله " ثم سواك رجلاً " وقدره على هذه الصورة التي هو عليها.
وقيل: أخرجه على التقدير.
وقيل: جعله على مقدار تقتضيه الحكمة.
وقيل: قدره أحوالاً: نطفة تارة وعلقه أخرى ثم مضغة إلى أن أتت عليه أحواله وهو في رحم أمه.
وقيل: وقوع التقدير هنا بين الخلق وتيسير السبيل.
وتيسير السبيل يحتمل أن يكون بمعنى الإقدار لأن فعل وأفعل أختان.
أي: خلقه من النطفة ثم قدره أي: جعله قادراً على الطاعة والعصيان ثم سهل عليه السبيل بأن بينه له ودله عليه.
ومن ذلك قوله تعالى: " سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها " أي: كلما نضجت جلودهم منها فحذف الجار والمجرور من الصفة إلى الموصوف.
قال أبو علي: هذا الكلام صفة للجنتين المقدم ذكرهما فإذا كان كذلك فالراجع فيه مقدر محذوف.
التقدير: قيل لهم: كلوا من رزق ربكم منهما والقول مراد فيه محذوف وهذا مما يدل على أن الحذف من الصفة كالحذف من الصلة.
وفي الكتاب: يقول: إنه في الصلة أكثر ألا ترى أنه قال: وإنما شبهوه يعني حذف الهاء من الخبر بقولهم: الذي رأيت فلان حيث لم يذكر الهاء.
وهو في هذا أحسن لأن رأيت تمام الاسم وبه يتم وليس بخبر ولا صفة فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد كما كرهوا طول اشهيباب فقالوا: اشهباب وهو في الوصف أمثل منه في الخبر.
وهو على ذلك ضعيف يعني حذف الهاء ليس كحسنة في الهاء التي في الصلة لأنه في موضع ما هو من الاسم وما يجري عليه وليس منقطع منه خبراً منفياً ولا مبتدأ فضارع ما يكون تمام الاسم وإن لم يكن تماماً له ولا منه في النداء وذلك قولك: هذا رجل ضربته والناس رجلان رجل أهنته ورجل أكرمته.
قلت: حذف الهاء في الصلة مستحسن جداً وهو في التنزيل كثير كقوله: " أولئك الذين هدى وقال: " والذين يدعون من دونه " أي: يدعونهم.
وقال: " فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله " أي: اتخذوهم من دون الله وما أشبه ذلك.
وفي الخبر قبيح جداً لم يأت إلا في موضع واحد وذلك في قراءة ابن عامر: " وكل وعد الله الحسنى " أي: وعده الله الحسنى.
وحذفها من الصفة منزلة بين المنزلتين وفي الكتاب كما نقلته لك.
وقد قدمنا مجيئه في آي شتى فوجب أن يكون حذفها من الصفة كحذفها من الصلة.
فمن ها هنا تردد كلامه في قوله: " مفتحة لهم الأبواب " فحمله مرة على حذف منها ومرة على البدل.
وقد نقلت لك ما ذكر في الكتاب.
ومن ذلك قوله تعالى: " إلى صراط مستقيم " يصاحبه حتى يهجم به على الجنة.
ومن ذلك قوله تعالى: " سنفرغ لكم أيها الثقلان " أي: سنفرغ لكم مما وعدناكم أنا فاعلوه بكم من ثواب أو عقاب هذا قول أبي حاتم.
قال أبو عثمان: فرغت إلى الشيء والشيء: عمدت له.
.
قال الشاعر: ومن ذلك قوله تعالى: " فهل عسيتم إن توليتم " أي: إن توليتم عن كتابي وديني.
ومن ذلك قوله: " فلما آتاهم من فضله بخلوا به " أي: آتاهم ماتمنوا.
ومما حذف فيه الجار والمجرور: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " أي إن أحصرتم بمرض.
ومنه قوله: " فإذا أمنتم " أي: أمنتم من العدو فحذف ففي الثاني اتفاق وفي الأول خلاف.
ويقدر الشافعي: بأن أحصرتم بعدو فينشأ من هذا التقدير أن المريض له أن يتحلل بالدم.
لأن التقدير عندنا: فإن أحصرتم بمرض وعنده لا يتحلل لأن التقدير عنده: فإن أحصرتم بعدو.
وإنما يقدر هذا التقدير لأن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه عام الحديبية وكان الإحصار بالعدو.
ونحن نقول: إن الإحصار بالمرض دون العدو يقال: أحصره المرض وحصره العدو.
ولهذا جعل محمد بن الحسن الإحصار بالمرض أصلاً في كتابه.
والحصر بالعدو بناء عليه.
والحصر بالعدو على تفسير اللغة دون بيان الحكم.
فإن قيل: الفرّاء يخالف في ذلك.
قلنا: ما خالفهم في حقيقة اللغة ولكن حمل الآية على المنع لأنها نزلت في رسول الله ﷺ وكنا ممنوعاً بالعدو لا بالمرض.
وهذا التأويل حجة كأن الله تعالى قال: فإن منعتم فتكون مطلقة سببا للتحلل بالهدى من غير اعتبار أسباب المنع.
فإن قيل: كيف يستقيم الحمل على المرض والآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وكان المنع بالعدو قلنا: إن النصوص إذا وردت لأسباب لم تعلق بها إلا أن يكون السبب منقولا معها كقول الراوي: سها رسول الله صلى الله عليه وآله فسجد.
فأما إذا وردت مطلقة عن الأسباب فيعمل بظاهرها ولا تحمل على السبب فبقي الإشكال في أنهم كيف عرفوا التحلل فنقول: إن كان تأويل الإحصار المنع مطلقاً من غير اعتبار سبب وإنما عرَّفوا الإحلال بنص مطلق غير مقيد فإن كان التأويل هو المنع بالمرض فعرفوا الإحلال بمدلول النص فإن النص لما أباح الإحلال بمنع من جهة المرض فالمنع من جهة العدو أولى بالإباحة لأن منع العدو أشد فإنه حقيقي لا يدفع له إذا كانت القوة لهم ومنع المرض مما يزول بالدابة والمحمل ونحوه.
وكذلك إباحة الإحلال لضرب من الارتفاق يحصل به وهذا الارتفاق في العدو أكثر لأن جميع ما يستفيده المريض يستفيده الممنوع بالعدو وزيادة وهي النجاة من شرهم بالرجوع والمريض لا يستفيد هذا والبيان من جهة الشرع مرة يكون بالنص ومرة بدلالته.
فإن قيل: فإذا حملناه على المرض فإن الله تعالى قال: " فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تبتدر الأوهام إلى العدو.
قلنا لا كذلك فإن الإحصار في اللغة ليس بعبارة عن المرض فحسب بل عن منع يكون بالمرض فيكون المنع علة والمرض سبباً ويصير كأن الله تعالى قال: فإن منعتم بمرض فما استيسر.
فدل على المنع بالعدو من طريق الأولى لأن المنع موجود نصاً في الحالين وبالعدو أشد والارتفاق بالإحلال فيه أكثر فجرى مجرى الشتم من التأفيف في تحريمه.
فإن قيل: إن الله تعالى نسق به: " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية " ولو كان أحصرتم عبارة عن المرض لم يستقم نسق المرض به ثانيا لأنه تكرار لأن المعطوف أبدا يكون غير المعطوف عليه.
قلنا: قد ذكرنا أن الإحصار ليس بالمرض بعينه لكن منع بسبب المرض فيستفاد به التحلل بالدم ولا يباح به الحلق إذا لم يتأذَّ به رأسه وبمرض يتأذى به رأسه يباح الحلق أو بنفس الأذى وإن لم يمنعه عن الذهاب فلا يباح به التحلل فكانا غيرين وتكون العبارة عنهما على أن عطف الخاص جائز على العام كعطف جبريل وميكائيل وغير ذلك.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا والله يقول في آخر الآية: " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " يعني: زال عنكم السبب المانع ولو كان السبب المانع مرضاً لكان من حق الكلام: فإذا شفيتم فلما قال: أمنتم علم أن المانع كان خوف العدو.
قلنا: يقال في اللغة: أمن الرجل إذا شفي وإنما يعني به: إذا زال عنه خوف عدو أو سبع.
قلنا: روى في التفسير فإذا أمنتم من الوجع ويقال: مرض مخوف ومرض يؤمن معه فلا كلام على هذا.
على أنه نبه في الأول على المرض فدخل تحته العدو على طريق الأولى.
ثم عاد إلى الطرف الآخر في آخر الآية وهذه سنة معتادة في التنزيل إذا اجتمع شيئان يذكر طرفاً من كل واحد من الشيئين.
ألا ترى أنه ذكر الركعتين مع الإمام في صلاة الخوف عن طائفتين وذكر مثل العدو في قوله: " ومثل الذين كفروا " مثل الداعي في الطرف الآخر في قوله: " كمثل الذي ينعق " فكذا ههنا ذكر المرض أولاً فدخل تحته العدو ثم ذكر الأمن من العدو فلم يكر على الأول بالنقض والإبطال.
ومن ذلك قوله تعالى: " سيهديهم ويصلح بالهم ".
أي: يهديهم إلى طريق الجنة.
وقال: " فإن الله لا يهدي من يضل ".
أي: لا يهدي إلى طريق الجنة.
قال: " من يهد الله فهو المهتد " أي: من يهد الله إلى الحق.
وأما قوله: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ".
فإنه يكون مثل قوله: " سيهديهم ويصلح بالهم " بدلالة اتصال الحال به وهو قوله: " تجرِي من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ".
ويكون الظرف على هذا متعلقاً ب يهديهم أعني: بإيمانهم ويجوز أن يكون يهديهم في دينهم كقوله: " والذين اهتدوا زادهم هدى ".
فأما قوله: " ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً ".
فقوله: " صراطاً مستقيما " على فعل دل عليه يهديهم كأنه: يعرفهم صراطاً مستقيما ويدلهم عليه.
وإن شئت قلت: إن معنى يهديهم إليه: يهديهم إلى صراطه.
فيكون انتصاب صراط كقوله: مررت بزيد رجلاً صالحاً.
ومن ذلك قوله تعالى: " وإن يأتوكم أسارى تفادوهم " أي: تفادوهم بالمال.
وكذلك من قرأ: تفدوهم أي: تفدوهم بالمال.
ومن ذلك ما قال الفراء في قوله تعالى: " قل هِي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " إن التقدير: وهي لهم خالصة فحذف لهم غير جائز لأن الظرف يشبه الفعل وليس بفعل محض فلا يعمل وهذا مضمراً كما لا تعمل ليت مضمراً ولهذا امتنع: إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر وقد قال في قوله: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " إلى قوله: " متكئين على فرش " إن العامل في الحال ما في اللام من قوله: ولمن ولا كلام في هذا.
ثم قال: " ومن دونهما جنتان " إلى قوله متكئين والتقدير: ولهم من دونهما جنتان فأعمل الظرف مضمراً في متكئين.
ومن ذلك قوله تعالى: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات " أي: نسارع لهم به فحذف به ولا بد من تقديره ليعود إلى إسم إن عائد من خبره.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا مقام لكم فارجعوا " أي: لاثبات لكم في القتال بالفتح أو لاثبات لكم في المكان بالضم ويكون الإقامة وبالفتح المنزل.
فإن حملت لا مقام لكم على القتال يكون: فارجعوا إلى طلب الأمان عن الكلبي.
وقيل: لا مقام لكم على دين محمد عليه السلام فارجعوا إلى دين مشركي قريش عن الحسن.
وقيل لا مقام لكم في مكانكم فارجعوا إلى مساكنكم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " ما بمعنى الذي والعائد من الخبر إليه محذوف أي: أجورهن له.
ويجوز أن يكون ما بمعنى من ويكون به على اللفظ وآتوهن على المعنى ولا يكون مصدراً بعود الضمير إليه.
ومن ذلك قوله: " باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم " أي: باسطوا أيديهم بالعذاب فحذف لقوله: " اليوم تجزون عذاب الهون ".
وفي الكتاب: بسط عليه مرتين يريد: بسط عليها العذاب مرتين.
فليس إضمار العذاب هنا على حد إضماره في الآية.
لكنه على أحد أمرين: إما أن يكون جرى ذكر العذاب فأضمر لجرى ذكره وإما أن يكون دلالة حال كقوله: إذا كان غدا فائتني.
ومن ذلك قوله تعالى: " إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً ".
أي: للأوابين منكم أو لأن الأوابين هم الصالحون.
كقوله: " أجر من أحسن عملاً " بعد قوله: " الذين آمنوا ".
ومنه قوله: " لا عوج له " أي: لا عوج له منهم.
ومن ذلك قوله: " اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم " أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
ومنه قوله: " يريدون وجهه " أي: في الدعاء.
ومن ذلك قوله: " سقفاً من فضة ومعارج " أي: ومعارج من فضة وأبواباً من فضة وسررا من فضة وزخرفاً محمول على موضع قوله: من فضة.
ومنه قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة " أي: يشترون الضلالة وقال: " إن العهد كان مسئولاً " أي: مسئولاً عنه.
وقال: " يومئذ يتبعون الداعِي لا عوج له " أي: لا عوج لهم عنه.
وقوله: " من كان يريد العزة " أي: ليعلم أن العزة لمن هي.
وقال الله تعالى: " ما لكم من زوال " أي: عن الدنيا لأنهم قالوا: " ما هي إلا حياتنا الدنيا ".
وقال: " قلوبهم منكرة " أي: لذكر الله.
وقوله: " فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم " أي: لهم على قول أبي الحسن.
وقال: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمِي أنفسهم قالوا فيم كنتم " أي: قالوا لهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " وصدها ما كانت تعبد من دون الله " أي: صدها عبادة غير الله عن عبادة الله فحذف الجار والمجرور وهو المفعول وما فاعلة.
وقيل: صدها سليمان عما كانت تعبد فحذف عن.
وقيل: التقدير: صدها الله عما كانت تعبد بتوفيقها.
وقيل: الواو في قوله وصدها واو الحال والتقدير: تهتدي أم تكون على ضلالتها وقد صدها ما كانت تعبد من دون الله.
ومثله قوله: " فإنه كان للأوابين غفوراً " أي: للأوابين منكم.
وقيل: بل الأوابون هم الصالحون فوضع الظاهر موضع المضمر كقوله: " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " على قول الأخفش أي: مصدق له فوضع الظاهر موضع المضمر كقوله: " ثم جاءكم به " فحذف الجار والمجرور.
كقوله: " نسارع لهم في الخيرات " أي: نسارع لهم به.
ومن ذلك قوله: " ألم يجدك يتيماً " عن الأمة فآوى أي: فآواك إلى أبي بكر.
وقيل: إلى خديجة.
وقيل: إلى أبي طالب.
وقيل: بل آواه إلى كنف ظله وربَّاه بلطف رعايته.
ويقال: فآواك إلى بساط القربة بحيث انفردت بمقامك فلم يشاركك فيه أحد.
ووجدك ضالاً عن الاستثناء حين سئلت فلم تقل إن شاء الله فهدى أي: فهداك لذلك ويقال: في محبتنا فهديناك بنور القربة إلينا.
ويقال: ضالاً عن محبتي فعرفتك أني أحبك.
ويقال: جاهلاً بمحل شرفك فعرفتك قدرك.
ويقال: مستتراً في أهل مكة لم يعرفك أحد فهداهم إليك حتى عرفوك.
ووجدك عائلاً فأغنى أي: أغناك عن الإرادة والطلب بأن أرضاك بالفقر.
ويقال: أغناك عن السؤال فيما أعطاك ابتداء بلا سؤال منك.
ويقال: أغناك بالنبوة والكتاب.
ومن ذلك حكاية عن إبليس اللعين: " إنيّ كفرت بما أشركتموِن من قبل ".
قال قوم منهم الفراء: إني كفرت بالله وجعل ما في مذهب ما يؤدي عن الاسم ويعني من قوله: من قبل في وقت آدم وقال قوم التقدير: إني كفرت اليوم بما كنتم تعبدونه لي في الدنيا فحذفوا الظرف دون الجار.
وقال أبو علي: تقدير من قبل أن يكون متعلقاً ب كفرت.
المعنى: إني كفرت من قبل بما أشركتموني.
ألا ترى أن كفره قبل كفرهم وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك.
فإذا كان كذلك علمت أن من قبل لا يصح أن يكون من صلة أشركتمون.
وإذا لم يصح ذلك فيه ثبت أنه من صلة كفرت.
فأما ما فيحتمل وجهين: يجوز أن يكون المصدر فإذا كان إياه لم يحتج إلى عائد وكان التقدير: بإشراككم إياي فيه.
وإن جعلتها موصوله كان التقدير: بإشراككم إياي فيه فحذف فيه.
على قياس ما قاله في قوله: " لا تجزِي نفس عن نفس شيئاً " وأوصل إليه الفعل ثم حذف الضمير.
والمعنى إني كفرت من قبل بما أشركتموني فيه من بعد ويقدر أشركتمون جعلتموني شريكاً في كفركم.
ومما حذف منه الجار والمجرور: قول العرب الحملان حمل ودرهم.
والمعنى الحملان حمل منهما بدرهم.
فقولك منهما مقدر في الكلام وبتقديره يستقيم ولو قلت: حمل ودرهم رخيص.
ويكون ب درهم يتعلق برخيص جاز.
ومما حذف منه الجار والمجرور قوله: " وما أسألكم عليه من أجر ".
أي: على إيمانهم أجراً أي: ما دعوا إليه من الإيمان.
والإيمان المقدر المحذوف على ضربين: أحدهما أن يكون إيمان من آمن ويجوز أن يكون إيماناً نسب إلى من يؤمن.
وجاز ذلك فيه للالتباس الذي لهم به في دعائهم إليه كما قال: " وليلبسوا عليهم دينهم ".
والتقدير: الذي شرع لهم ودعوا إليه.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومن لم يجعل الله له نوراً " أي: نوراً في القيامة.
" فما له من نور " أي: في الخلق.
ومنه قوله تعالى: " ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ".
أي: دليلاً على الظل إذ لولاه لم تعرف وبضدها تتبين الأشياء عن ابن سحبرة وقيل: تاليا على الظل حتى يأتي عليه كله عن قتادة.
وقيل: دليلاً على قدرة الله " ثم قبضناه " يعني: الظل أي: بطلوع الشمس وقيل: بغروبها يسيراً أي: سريعاً وقيل: هو فعيل بمعنى مفعوله.
أي: جعلنا الشمس مدلولة على الظل أي: وأما قوله: " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ".
فقيل: هو من هذا الباب.
والذين آمنوا هم الفاعلون.
والتقدير: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم كالآية الأخرى: " والذين استجابوا لربهم " وقيل: بل الذين آمنوا نصب مفعول به على تقدير: ويستجيب الله للذين آمنوا فحذف اللام.
وأما قوله: " فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة ".
أي: نجيناهم من الإهلاك " ونجيناهم من عذاب غليظ " فحذف الجار والمجرور.
ولا يكون ونجيناهم مكرراً.
لمكان الواو.
ومن ذلك قوله تعالى: " إذ أنتم بالعدوة الدنيا " أي: الدنيا من المدينة.
" وهم بالعدوة القصوى " أي: من المدينة.
وقال: " في أدنى الأرض " أي في أدنى الأرض منهم.
وعند الكوفيين: قام اللام مقام الضمير كقوله: " فإن الجنة هي المأوى ".
ومن ذلك قوله تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ".
أي: أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها فحذف بالطاعة.
وفسره قوم فقالوا: أمرنا أي كثرنا قالوا: ويقال: أمرت القوم وآمرت وأمرت إذا كثرتهم.
وزعم أبو عبيدة عن يونس عن أبي عمرو أنه قال: لا يقال أمرت أي كثرت وإنما فسر أمر أي: أمرناهم بالطاعة.
وزعم ثعلب: أمر القوم إذا كثرواو أمر علينا فلان إذا ولي.
وكأنه اقتدى بأبي عمرو ولم ير أمرت أي: كثرت صحيحاً.
ولم يرحجة في قوله: مهرة مأمورة لأنه يكون من باب قوله: " حجاباً مستوراً ".
أي: ذا ستر ويكون بمعنى: ساتر فكذا مأمورة أي: ذات كثرة أو بمعنى أمر.
وزعم أبو علي: أن أمر وأمرته من باب رجع ورجعته ووقف ووقفته.
ومن ذلك قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ".
قال أبو علي: يجوز أن يكون ما بمعنى الذي ولا يكون استمتعتم في موضع جزم بالجزاء وقد عاد الذكر في به إليه ويكون العائد إليه من الخبر محذوفاً كأنه: فآتوهن أجورهن له: أي: لما استمتعتم به.
ولا يجوز أن تكون ما مصدراً لعود الذكر إليها من قوله ولا يستقيم في المعنى أيضاً لأن الأجور المهور فلا تؤتاه المرأة إلا مرة.
ولا يجوز أيضا أن تكون ما كالتي في قوله: هذا المعنى أيضاً ويجوز.
أن يكون ما بمنزلة من فإذا كان كذلك لم يلزم أن يضمر شيئاً يعود على المبتدأ لأن قوله: فآتوهن يرجع إلى ما على المعنى لأن التقدير ب ما يجوز أن يكون جمعاً قد قال هذا.
فقال في قوله: " مهما تأتنا به من آية " فكلاهما في موضع رفع فيمن قال: زيد ضربته ومن قال: زيداً ضربته وزيداً مررت به كان عنده في موضع نصب.
وكلام سيبويه في هذا: ويرفع الجواب حين يذهب الجزم قولهم: أيهم يأتك تضرب إذا جزمت لأنك جئت بتضرب مجزوماً بعد أن عمل في أيهم ولا سبيل له عليه وكذلك هذا جئت بجوابه مجزوماً بعد أن عمل فيه الابتداء.
قلت: الصحيح ما ذكر في قوله: " مهما تأتنا به " ومنعه في " فما استمتعتم به " من أن يكون شرطاً محتجاً بما يعود إليه من به شبهة وقعت له من قول سيبويه: أيهم يأتك تضرب إذا جزمت تضرب على الجواب لم يعمل في أيهم.
فأما أيهم تضرب يأتك فإنك تنصبه بتضرب ولو أدخلت الهاء فقلت: أيهم تضربه يأتك جاز رفعه وإن كان الاختيار النصب.
ومثل الآية قول المتنخل الهذلي: فالهاء في كفاه عائدة إلى مهما كما يعود إلى ما ولا يكون بمثل هذا العائد في: أين ومتى لا تقل: أين تكن أكن فيه ولا: متى تأتني آتك فيه لأن أين ومتى لا يبتدآن فهما منصوبان على الظرف فلا يشتغل الفعل عنهما وما قد تكون مبتدأة.
ثم اعلم بعد: أني لا أختار في ما من قوله: " فما استمتعتم به " أن يكون بمعنى الذي لأنه يحتاج إلى ما يعود إليه من الخبر على حد ما قال من قوله: فآتوهن أجورهن له إذ لا يكاد يفيد معنى.
ولكن ما يكون شرطاً إما منصوباً بفعل مضمر يفسره: " فما استمتعتم به " أو يكون مبتدأ وما بعده خبره.
ولا أختار أن يكون بمعنى من لقلة ذلك وكلام الله لا يحمل على القليل.
ووجدت في موضع آخر قال: لا يجوز أن تكون ما مصدراً على حد قوله: " بما كانوا يكذبون " أي: بتكذيبهم لأن الذكر قد عاد به من الصلة في قوله به فإذا كان كذلك كان بمعنى الذي ودخلت الفاء على حد دخولها في قوله: " وما بكم من نعمة فمن الله " وقوله: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم ".
وإذا حملته على هذا وجب أن يعود مما بعد الفاء ذكر يعود إلى المبتدأ: فآتوهن أجورهن له أو فإن قلت: لا يجوز أن تكون ما للجزاء فإنه يجوز أن يكون له ويكون موضع استمتعتم جزماً والفعل وما بعد ما في موضع الجزم ويكون اسماً للوقت وقد قال: فما تك يابن عبد الله فينا وموضع ما رفع لاشتغال الفعل بالجار.
ومن قال: زيداً مررت به كانت عنده في موضع نصب ورجوع الذكر من الشرط لا يمنع أن يكون الاسم الذي قبله للمجازاة.
ألا ترى أنك لو قلت: ما يحملك تركبه لم يمتنع أن يكون جزاء.
وكذلك لو قلت: ما يحملك ينفعك.
وقد جاءت ما في مواضع للجزاء يراد به الزمان.
وكذلك في الآية: إن استمتعتم وقتاً منهن به.
وينبغي في قياس قول أبي الحسن أن يكون في الشرط ذكر يعود إلى ما يعود من الخبر على الجمل.
على هذا حمل هذا النحو في مسائل الكثير وهذا حكوا عنه في الكتاب
======
السادس عشر وحذف الهمزة في الكلام حسن جائز إذا كان هناك ما يدل عليه
فمن ذلك قوله تعالى في قراءة الزهري: " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم " والتقدير: أسواء عليهم الإنذار وترك الإنذار فحذف الهمزة.
ومثله قراءة ابن أبي عبلة في قوله: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه " بالرفع على معنى: أقتال فيه وقيل في قوله تعالى: " وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه " فحذف الهمزة.
وقال الأخفش في قوله تعالى: " وتلك نعمة تمنها علي " التقدير: أو تلك نعمة فحذف الهمزة.
ومثله: " قال هذا ربي ".
أي أهذا ربي فحذف الهمزة فكذلك في أختيها.
وقيل في قوله تعالى: " تلقون إليهم بالمودة ": أتلقون إليهم بالمودة فحذف الهمزة.
وقيل في قوله تعالى: " أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ".
تقديره: أئنكم لأنه في الظاهر يؤدي إلى الكذب.
وقيل: أراد سرقتم يوسف من أبيه لا أنهم سرقوا الصاع.
وهذا سهو لأن إخوة يوسف لم يسرقوا يوسف وإنما خانوا أباهم فيه وظلموه.
وقيل: قالوه على غلبة الظن ولم يتعمدوا الكذب ويوسف لا علم له فيكون التقدير: إنكم وقال ميمون بن مهران: ربما كان الكذب أفضل من الصدق في بعض المواطن وهو إذا دعا إلى صلاح لإفساد وجلب منفعة.
========
السابع عشر ما جاء في التنزيل من اجتماع الهمزتين
وذلك يكون على وجوه في الكلام وينبغي أن نعلمك أصلاً قبل ذلك فإن اجتماعهما يبتني على ذلك الأصل وهو: أن تعرف أن الهمزة المتحركة وقبلها ألف متحرك تكون على تسعة أوجه: أحدهما: أن تكون مفتوحة مضموما ما قبلها نحو: جُؤَن.
والثاني: أن تكون مفتوحه مكسوراً ما قبلها نحو: مئر: بوزن معر وهذه ليس فيها إلا أن تقلب واوا في حال الضم وياء في حال الكسر نحو جون ومير بواو وياء خالصين ولا يجوز فيها بين بَيْنَ.
وذلك أن الهمزة المفتوحة إذا جعلتها بين بَيْنَ قربتها من الألف والألف لا تقع بعد الضمة والكسرة بوجه ما وهو مما تشهد الضرورة به فكذلك لا يقع ما بعدهما ما يقارب الألف كما أن الألف لما لم يمكن الابتداء به لم يكن جعل الهمزتين بين بينً في الابتداء وإذا امتنع والضرب الثالث: أن تكون الهمزة مفتوحة ما قبلها فهذه تخفيفها أن تجعل بين بَيْنَ نحو: سال وقرا زيد وذلك أن الألف من شأنها أن تقع بعد الفتحة وكذلك يقع المقرب منها بعدها وقد عرفتك أن هذا التخفيف مما ينكشف سره بالمشافهة.
والضرب الرابع: أن تكون الهمزة مكسورة مفتوحاً ما قبلها نحو: سئم.
فهذه تجعل بين بَيْنَ فأنت لأجل أنها مكسورة تقربها بالتخفيف من الياء الساكنة والياء الساكنة تسلم بعد الفتحة فما ظنك بالمقارب لها.
والضرب الخامس: أن تكون الهمزة مضمومة مفتوحا ما قبلها نحو: لؤم فهذه أيضاً تجعل بين بَيْنَ لأجل أنك تقربها من الواو الساكنة والواو الساكنة تقر بعد الفتحة فكذلك ما يقاربها.
والضرب السادس: أن تكون الهمزة مضمومة قبلها ضمة نحو: هذا عبد أختك و شقَّ أبلم.
فهذه أحرى بأن تجعل بين بَيْنَ لأجل أنك تقربها من الواو الساكنة وشأنها أن تقع بعد الضمة فكذا ما يقرب منها.
والضرب السابع: أن تكون الهمزة مكسورة مكسوراً ما قبلها نحو: من عند إبلك.
تجعلها بين بَيْنَ لأجل أنك تقربها من الياء الساكنة وحقها أن تقع بعد الكسرة وكذلك القريب منها.
والضرب الثامن: أن تكون الهمزة مضمومة مكسوراً ما قبلها نحو: هذا قارئ يا فتى مثل قارع وهذا فيه خلاف فمذهب الخليل وصاحب الكتاب جعلها بين بَيْنَ ومذهب أبي الحسن القلب إلى الياء.
والتاسع: أن تكون مكسورة قبلها ضمة نحو: سئل وهذه مثل الثامن في قلب إلا أن أبا الحسن يقلبه واو للضمة قبلها كما يقلبها ياء للكسرة قبلها في قاريء.
فأما ما حكاه محمد بن السري في كتابه في القراءات عن أبي الحسن من أنه قال: من زعم أن الهمزة المضمومة لا تمنع الكسرة إذا خففت دخل عليه أن يقول: هذا قاريء و هؤلاء قارئون و يستهزئون.
قال: يعني أبا الحسن وليس هذا من الكلام من خفف من العرب إنما يقولون يستهزئون فخطأ في النقل ألا تراه يلزم الخليل وسيبويه أن يقولا هذا في المتصل قالا ذلك في المنفصل نحو من عند أخيك ونسمعهما يقولان: إنه قول العرب هذا مما لا يظن.
وأبو الحسن قد فصل بين المتصل والمنفصل في: وغلام نحو إبلك فقلب المتصل واوا والمنفصل ياء.
هذا الذي حكاه عنه غلط في النقل وإنما دخل عليه أن يقول: هذا قارو بالواو كما حكيناه.
فكذلك رواه أبو عبد الله اليزيدي عنه ثم حكاه عن أبي الحسن من قولهم: إنما يقولون فإن حمله على التحقيق لم يجز على أن الكلام ليس فيه إنما الكلام على التخفيف أم على جعلها بين بين.
فإن حمله على أنه جعلها بين بين فقد أثبت إذن ما أنكره وما لم يقله أحد من أهل التخفيف عنه وهذا خطأ عليه فاحش في النقل.
وأما ما ذكره محمد بن يزيد في هذه المسألة في كتابه المترجم بالشرح من قوله: والأخفش لا يقول إلا كما يقول النحويون: هذا عند ئِبِلك.
ولكن يخالف في يستهزئون.
فهذا الإطلاق يوهم أنه لا يفصل بين المتصل والمنفصل وقد فصل أبو الحسن بين أكمؤك و " عند نحوبك ".
فينبغي إذا كان كذلك ألا نرسل الحكاية عنه حتى يعتد ويفصل بين المتصل والمنفصل كما فصل هو.
وأما الهمزة المفتوحة التي بعدها همزة مضمومة من كلمة واحدة فقد جاء في التنزيل في أربعة مواضع: في آل عمران: " أَ أُنبئكم ".
وفي ص: " أَ أُنزل ".
والرابع في الزحرف: " أَ أُشهدوا ".
والهمزة المفتوحة التي بعدها مكسورة من كلمة: أولها من الأنعام: " أَ إنكم لتشهدون ".
والثانية في النمل: " أ إنكم لتأتون ".
والثالثة في الشعراء: " أ إنَّ لنا لأجراً ".
والرابعة في التوبة: " أئمة الكفر ".
والخامسة في يوسف: " أإنك لأنت يوسف ".
والسادسة في مريم: " أإذا ما مت ".
والسابعة في الشعراء: " أإن لنا ".
والثامنة والتاسعة في القصص: " أئمة " فيهما.
والعاشرة في السجدة: " أئمة ".
والحادية عشر في يس: " أإن ذكرتم ".
والثانية عشر في الصافات: " أإنا لتاركوا ".
والثالثة عشر فيها: " أإنك لمن المصدقين ".
والخامسة عشر في السجدة: " أإنكم لتكفرون ".
والسادسة عشر: في الواقعة: " أإنَّا لمغرمون ".
والسابعة عشر في النمل: " أإنكم ".
والثامنة عشر في ق " أإذا متنا وكنا ".
والتاسع عشر في الأنبياء: " أئمة ".
وخمسة في النمل: " أإله ".
فذلك أربعة وعشرون.
فهذه همزتان اجتمعتا مفتوح بعدها مكسور وفي مدها وتليين الثانية اختلاف إلا التي في الشعراء فإنه لم يقرأ هناك على الخبر أحد كما قرأ في الأعراف وقد يرد غير ذلك مع استفهام بعده: فأولها في سورة الرعد: " أإذا " " أإنا ".
وفي بني إسرائيل: اثنان.
وفي المؤمنين: واحد.
وفي السجدة: واحد.
وفي العنكبوت: " أإنكم لتأتون الفاحشة أإنكم ".
وفي الصافات: موضعان.
وفي الواقعة: وفي سورة النازعات.
فهذه أحد عشر موضعاً وعشرون كلمة.
وأما المفتوحتان: ففي إحدى وثلاثين موضعاً أولها: في البقرة: " أأنذرتهم ".
وفيها: " أأنتم أعلم ".
والثالثة في آل عمران: " أن يؤتى أحد " في قراءة ابن كثير.
والرابعة فيها: " أأسلمتم ".
والخامسة فيها: " أأقررتم ".
السادسة في المائدة: " أأنت قلت للناس ".
السابعة والثامنة والتاسعة: " أأمنتم " في الأعراف وطا والشعراء.
والعاشرة في هود: " أألد ".
الحادي عشر في يوسف: " أأرباب ".
الثالث عشر في الأنبياء: " أأنت فعلت ".
الرابع عشر في الفرقان: " أأنتم أضللتم عبادي"
والخامس عشر في النمل: " أأشكر ".
السادس عشر في يس: " أأنذرتهم ".
السابع عشر فيها: " أأتخذ ".
الثامن عشر في السجدة: " أأعجمي ".
التاسع عشر في الزخرف: " أآلهتنا ".
العشرون في الأحقاف: " أأذهبتم ".
الحادي والعشرون والثاني والثالث والرابع والعشرون في الواقعة: " أأنتم ".
الخامس والعشرون في المجادلة: " أأشفقتم ".
السادس والعشرون في الملك: " أأمنتم ".
السابع والعشرون في القلم: " أأن كان ذا مال وبنين ".
الثامن والعشرون في النازعات: " أأنتم أشد ".
التاسع والعشرون: " أألهاكم ".
الحادي والثلاثون: " آزر ".
وفي كل ذلك اختلاف بين القراء السبعة إلا في قوله: " آلذكرين " " وآزر ".
فإن السبعة اجتمعت على مد آ الذكرين في الموضعين وآزر على وزن أفعل.
وأما قوله: " آلله أذن لكم ".
وقوله: " آلله خير لكم.
وقوله: " آلان ".
فإنهم أجمعوا على مد هذه الأحرف ولم يحذفوا المد كي لا يشتبه الخبر بالاستفهام لو قيل الآن والله أعلم.
وأما التقاؤهما من الكلمتين مما جاء في التنزيل على ثلاثة أضرب فهما متفقتان على الفتح وهي في تسعة وعشرين موضعاً: أولها في النساء: " السفهاء أموالكم ".
وفيها: " أو جاء أحد منكم من الغائط " وهكذا في المائدة.
وفي الأنعام: " جاء أحدكم ".
وفي الأعراف: " جاء أجلهم ".
وفي الحجر: " جاء آل لوط " وفيها: " جاء أهل المدينة ".
وفي النحل: " جاء أجلهم ".
وفي الحج: " السماء أن تقع ".
وفي المؤمنين: " جاء أمرنا " وفيها: " جاء أحدهم الموت ".
وفي الفرقان: " من شاء أن يتخذ ".
وفي الأحزاب: " إن شاء أو يتوب عليهم ".
وفي الملائكة: " جاء أجلهم ".
وفي المؤمن: " جاء أمر الله ".
وفي الحديد مثله.
وفي المنافقين: " إذا جاء أجلها ".
وفي اقتربت الساعة: " جاء آل فرعون ".
وفي سورة محمد عليه السلام: " جاء أشراطها ".
وفي عبس: " شاء أنشره ".
الضرب الثاني: همزتان مكسورتان من كلمتين وهي في ثلاثة عشر موضعاً.
أولها في البقرة: " هؤلاء إن كنتم ".
وفي النساء: " من النساء إلاَّ " موضعان.
وفي يوسف: " بالسوء إلاَّ ".
وفي الأحزاب: " النساء إن اتقيتن ".
وفيها: " أبناء إخواتهن ".
وفيها: " للنبي إن أراد النبي ".
" لا تدخلوا بيوت النبي إلاَّ ".
على قول نافع عن قالون وأبي حاتم عن ابن كثير.
وفي النور: " البغاء إن أردن ".
وفي الشعراء: " من السماء إن كنت ".
وفي سبأ: " السماء إن في ذلك ".
وفيها: " أهؤلاء إياكم ".
وفي الزحرف: " في السماء إله ".
وفي هود: " ومن وراء إسحق ".
وفي ص: " هؤلاء إلا صيحة ".
وفي بني إسرائيل: " هؤلاء إلا رب السموات ".
وفي السجدة: " من السماء إلى الأرض ".
وأما المضمومتان من كلمتين ففي موضع واحد: " أولياء أولئك ".
فهذا في المتفقين.
وأما المختلفان ففي التنزيل على خمسة أضرب مضمومة دخلت على مفتوحة مثل: " السفهاء ألا ".
والثاني: ضدها مفتوحة على مضمومة نحو: " جاء أمة " ولا ثاني له.
الثالث: مكسورة دخلت على مفتوحة مثل: " وعاء أخيه ".
الرابع: ضدها: " شهداء إذ حضر ".
الخامس: مضمومة دخلت على مكسورة مثل: " نشاء إنك " ولا ضد لها.
والضرب الأول: " السفهاء ألا " " النبي أن يستنكحها " " يشاء ألم تر " " سوء أعمالهم " " البغضاء أبداً " " لو نشاء أصبناهم " " تشاء أنت ولينا " " الملأ أفتوني " " الملأ أيكم ".
وأيضاً: " الملأ أفتوني في رؤياي " " جزاء أعداء الله ".
الضرب الثاني: " جاء أمة " لا ثاني له.
الثالث: " من الشهداء أن تضل " " وعاء أخيه " موضعان " السوء أفلم يكونوا " " هؤلاء آلهة " " من الماء أو مما رزقكم الله " " السماء أن يخسف " " السماء أن يرسل " " السماء أو ائتنا " " أبناء أخواتهن " " الفحشاء أتقولون ".
والضرب الرابع: " شهداء إذ حضر " " البغضاء إلى " موضعان " شهداء إذ وصاكم الله " " شركاء إن يتبعون " " الفحشاء إنه " إن شاء إن الله " " أولياء إنا اعتدنا " " الدعاء إذا " ثلاثة مواضع " وجاء إخوة يوسف " زكريا إذ نادى " وفي الأنبياء مثله " نبأ إبراهيم " " حتى تفئِ إلى أمر الله ".
الضرب الخامس: " يشاء إلى صراط " " يشاء إذا قضى " " الشهداء إذا ما دعوا " " نشاء إنك " " وما مسنى السوء إن " " السيء إلا بأهله " " يا زكريا إنا " " نشاء إلى أجل مسمى " " لما يشاء إنه " " الملأ إنُّي ألقى " " النبي إنا أرسلناك " " من يشاء إلى صراط " في يونس.
وفي النور: " من يشاء إلى " موضعان وفي الملائكة: " العلماء إن الله " " الفقراء إلى الله ".
" النبي إذا جاءك المؤمنات " " النبي إذا طلقتم النساء ".
في حم عسق: " من يشاء إناثاً ".
وفيها: " ما يشاء إنه بعباده ".
فذلك اثنان وستون موضعاً.
هذه الهمزات المختلفة روت القراء عن أبي عمرو تليين الثانية وتحقيق الأولى.
وروى سيبويه عنه تليين الأولى وتحقيق الثانية نحو: يا زكريا زكريا.
وأما الهمزتان إذا التقتا وكانت كل واحدة منهما من كلمة فإن أهل التخفيف يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما لما ذكرت لك كما استثقل أهل الحجاز تخفيف الواحدة فليس في كلامهم أن تلتقي همزتان فتحققا ومن كلامهم تخفيف الأولى وتحقيق الثانية سمعنا ذلك من العرب.
وحدثني هارون القاريء أنه سمع العرب يقولون وهو قوله: " فقد جاء اشراطها " و " يا زكريا إنا نبشرك " وهو قول أبي عمرو وأنشد الشاعر: كل غراء إذا ما برزت ترهب العين عليها والحسد انتهى كلامه.
وكان المقصود من إدخال هذا الباب الإشارة بهذا الخلاف بين سيبويه والقراء في روايتهم عن أبي عمرو وكل حسن جائز فصيح.
======
الثامن عشر ما جاء في التنزيل من لفظ مَنْ ومَا والَّذي وكُلُّ وأحَدٍ وغير ذلك
فمن ذلك قوله تعالى: " ومن الناس من يقول آمنا بالله ".
فكنى عن من بالمفرد حيث قال يقول ثم قال: " وما هم بمؤمنين " فحمل على المعنى وجمع.
وقال: " بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه " فأفرد الكناية في أسلم وله وهو.
ثم قال: " ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " فجمع.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة " فأفرده ثم جمع.
وقال في موضع آخر: " ومنهم من يستمعون إليك ".
وقال " ومن يقنت منكن لله ورسوله " فذكر يقنت ثم قال: " وتعمل صالحاً نؤتها " فأنث حملاً على المعنى والقياس في هذا أن يكنى عن لفظ ثم يحمل على المعنى ويثنى ويجمع ويؤنث.
فأما إذا كنيت عنه بالجمع ثم تكنى عنه بالمفرد فإنهم قالوا: هذا لا يحسن وقد جاء التنزيل بخلاف ذلك.
قال: " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً ".
فجمع خالدين بعد إفراد اللفظ.
ثم قال: " قد أحسن الله له رزقاً " فأفرد.
قال عثمان في قول الفرزدق من أبيات الكتاب: عاجل القرى بدل من أخلاقة جوهر عن حدث لأن أخلاقه بدل من أبي فهو كمعين بعد جاء حينه.
ولا يلزم عوده إلى الأول لأنه قد جاء: " قد أحسن الله له رزقاً " ويجوز أن يكون عاجلاً كالعافية.
ويوضحه ما بعده من المصدر.
قال: فرق بين معين وعاجل في العود إلى الأول بأنه بيان وليس في العود إلى من بيان الأول.
وهو كلام ساقط بعد الجهل بقوله: " قد أحسن الله له رزقاً ".
وجوز في أخلاقه أن يكون مفعولاً ثانياً ويجوز حذف من أي: من أبي.
وإذا ثبت وصح أنه يجوز ويحسن العود إلى الإفراد بعد الجمع كان قوله: " وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا " تذكيراً بعد التأنيث لأنه أنث خالصة حملا لها على معنى التأنيث ثم عاد إلى اللفظ.
وإذا كان كذلك فقول الشماخ: أمن دمنتين عرس الركب فيهما بعقل الرجامى قد عفا طللاهما أقام على ربعيهما جارتا صفاً كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما لا يبطل به حجة من احتج على إجازة سيبويه: مررت برجل حسن وجهه قد احتج بهذا البيت على جواز المسألة.
وقال: جونتا مصطلاهما كحسنى وجهها.
فقال قائلون: إن قوله: مصطلاهما بعودهما إلى الأعالي لأن الأعالي بمعنى الأعليين.
قيل لهم: التثنية بعد الجمع محال لا يحسن.
فقالوا: قد جاء الإفراد بعد الجمع والتذكير بعد التأنيث وإنما يبطل احتجاجهم بأنه لا يقال كميتا الأعالي جونتا مصطلى الأعالي.
وإنما يقال مصطلى الأسافل.
وهذا حديث قد كتبناه في مواضع ليس من بابه هذا الكتاب.
ومن ذلك قوله تعالى: " كمثل الذِي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله " فكنى عنه بالمفرد.
ثم قال: " ذهب الله بنورهم " فكنى عنه بالجمع.
ومثله: " والذِي جاء بالصدق وصدق به ".
ثم قال: " أولئك هم المتقون ".
وقال: " والذِي قال لوالديه أف لكما ".
ثم قال: " أولئك الذين حق عليهم القول ".
ويجوز أن يكون التقدير في قوله: " والذِي قال لوالديه " أي وفيما يتلى عليكم فحذف الخبر.
ومثله: " تماماً على الذِي أحسن " أي تماماً على المحسنين عن مجاهد كأنه قيل: تماماً على المحسنين الذي هو أحدهم.
وقيل: تماماً على إحسانه أي إحسان موسى بطاعته فيكون مصدراً كقوله: " وخضتم كالذِي وعلى الأول جنس كقوله: " بأحسن الذِي كانوا يعملون " وقوله: " أرنا الذين أضلانا ".
ومن ذلك قوله تعالى: " ويجعلون لما لا يعملون نصيباً مما رزقناهم ".
قال أبو علي: القول فيما يعود من الصلة إلى الموصول إنه لا يخلو من أن يكون ما يقدرها محذوفة أو يكون الواو فلا يجوز أن تكون الهاء لأن الكفار يعرفون ما يتخذونه آلهة.
فإذا لم يجز ذلك علمت أن الراجع إلى الموصول الواو في يعلمون.
وإنما عاد عليه على لفظ الجمع كما قال: " ولا يستطيعون " فحمل على المعنى والضمير في يجعلون للكفار والذي في يعملون يعود إلى ما.
كما قال: " وما يشعرون ".
فهذا كقوله: " ما لا يملك لهم من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون ".
فالضمير في لا يستطيعون.
وقال في موضع آخر: التقدير: ويجعلون لما لا يعلمونه إلهاً فحذف المفعولين.
ومن ذلك قوله: " وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا " يحتمل قوله: تلقف أمرين: يجوز أن يكون في تلقف ضمير قوله: ما في يمينك وأنت على المعنى لأنه في المعنى: عصا.
ويؤكد ذلك قوله: " فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون " وكذلك يكون الضمير في قوله: " وألق ما في يمينك تلقف " ويجوز أن تكون تلقف للمخاطب وجعله هو المتلقف وإن كان المتلقف في الحقيقة العصا لأنه بإلقائه كان فأسند التلقف إليه وإن كان للعصا في الحقيقة كما قال: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ".
ومما حمل على المعنى: قوله " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ".
فالضمير في يتعلمون يعود إلى أحد.
وقال: " لا نفرق بين أحد منهم " وبين لا تضاف إلى المفرد قال في ثلاثة مواضع هذا اللفظ.
وقال: " أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم " فجمع الضمير في يحاجوكم حملا على المعنى.
وقال: " فما منكم من أحد عنه حاجزين ".
فهذا على الحجازية: أحد اسمها وحاجزين خبر له.
ولم يبطل الفصل هنا عمل ما لأن الفصل بالظرف كلا فصل.
وعلى التميمية: حاجزين نعت ل أحد على المعنى.
ومنكم خبره.
ومن الحمل مرة على اللفظ وأخرى على المعنى.
قوله: " إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً ".
وقال: " وكلهم آتيه " ولم يقل: آتوه.
ولا آتوا الرحمن.
وقال: " كل شيء هالك إلا وجهه ".
========
التاسع عشر ما جاء في التنزيل من ازدواج الكلام والمطابقة والمشاكلة وغير ذلك
وهو باب واسع: مرة يشاكل اللفظ باللفظ والمعنى بالمعنى وباللفظ دون المعنى وبالمعنى دون اللفظ.
فمما جاء من ذلك: قراءة من قرأ: وما يخادعون إلا أنفسهم بالألف طابق به قوله: " يخادعون الله ".
وأراد أن يكون اللفظ المثبت هو المعنى.
ومثله: " إنما نحن مستهزئون " " الله يستهزئ بهم " والثاني جزاء الاستهزاء.
ومثله: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه " والثاني جزاء وليس بعدوان.
ومثله: " ومكروا ومكر الله " أي جازاهم.
وقوله: " فيسخرون منهم سخر الله منهم ".
فهذا كله طباق على المعنى.
وروعى في ما يخادعون طباق اللفظ والمعنى.
ومن ذلك قوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم " أبدلوا من السين صادا لتوافق الطاء في الإطباق لأن السين مهموسة والطاء مجهورة.
ولهذا أبدلها من أبدلها لتوافق الطاء في الجهر.
ومثله: قوله: " أنبئهم " " فانجبست " " وإن يك " أبدلوا من النون ميماً لأن الميم يوافق الباء في المخرج وتوافق النون في الغنة.
فلما لم يستتب إدغام النون في الباء لبعدها منها وأرادوا تقريب الصوت أبدلوها ميماً.
وهذه الميم مخفاة غير مدغمة في الباء بتة وليست بمظهرة كإظهارها في قولهم: شاة زنماء وأنملة.
لأن إدغامها هناك يتوهم معه أنه من المضاعف بخلاف قولهم: أمحي وأدخل.
لأن المثال: انفعل. وليس في الكلام إفعل.
ومن المشاكلة أيضاً: قوله: " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها " فنصبوا رهبانية في الاختيار وسعة الكلام بفعل مضمر ليطابق الفعل المصدر به الكلام.
ومثل الآية: " يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم ".
فجاء والظالمين منصوباً بفعل مضمر ليطابق يدخل.
على تقدير: يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين.
ومثله: " وكلا ضربنا له الأمثال ".
فنصبوا كلا بمضمر.
لأنه قد تقدم: " فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميراً ".
وقد جاء: " والقمر قدرناه " بالرفع والنصب.
فمن نصب نظر إلى قوله: " نسلخ منه النهار ".
ومن رفع نظر إلى قوله: " وآية لهم الأرض " " وآية لهم الليل ".
فأما قوله تعالى: " والنجم والشجر يسجدان.
والسماء رفعها " فإن الاختيار كان النصب وإن كان الصدر قوله: والنجم والشجر لأن قوله يسجدان فعل وفاعل.
وكان سيبويه يقول: إن قلت زيد ضربته وعمراً كلمته إن الاختيار في عمرو النصب لأنه معطوف على قولك: ضربته.
فثار ثاثر الزيادي وقال: إنا لو قلنا زيد وعمرو كلمته لم يصح هذا.
لأن قولك عمرو كلمته ليس فيه ضمير يعود إلى زيد فلا يصلح العطف على ما هو خبره.
فقال أبو سعيد: إن هذا الكلام من سيبويه محمول على إضمار الهاء والتقدير: زيد ضربته وعمرو كلمته في داره أو عنده وأنت لو قلت: زيد عمرو كلمته في داره صح وجاد.
وليس الأمر كما قال الزيادي ولا كما قال السيرافي لأن المعطوف لا يعتبر فيه وصفه موضع المعطوف عليه.
فسيبويه أضمر الفعل ليشاكل ضربته ويشاكل يسجدان.
والإعراب: ما لم يظهر في موضع الجملة لم يعتد به.
وباب المطابقة باب حسن جداً على ما حكى سيبويه: حجر ضب خرب.
فتركوا الرفع في خرب وجروه حرصاً على المطابقة.
ومنه قراءة الحسن: " الحمد لله " بضم اللام تبعاً للدال وعكسه كسر الدال تبعاً للام عن الحمصي.
وعليه قراءة أبي جعفر: " للملائكة اسجدوا " بضم التاء تبعاً للجيم.
وعليه ما رواه أبو حاتم في اختياره: " والجروح قصاص " بكسر الحاء تبعاً للقاف.
وعليه ما رواه عن يعقوب هو أو غيره: " إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا " بكسر العين تبعاً لأنفسكم.
ومثله: " وامسحوا برءوسكم وأرجلكم " ولهذا المعنى اختص قوله في سورة النحل: " فلبئس مثوى المتكبرين " بإدخال اللام.
وجاء في الأخريين: فبئس لمجاورة قوله: " ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين ".
فأما قوله تعالى: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ".
فإن أولئك في موضع الرفع بالابتداء في قياس ما اختاره سيبويه في قولهم: إني زيد لقيت و إني أخوك رأيته.
لأن الموضع لا يختص بالفعل فأولئك ابتداء ويلعنهم الله خبره والجملة خبر إن ويجوز النصب وليس باختيار.
وهذا بخلاف قوله تعالى: " إنا كل شيء خلقناه بقدر " لأنه جاء منصوباً دون أن يكون مرفوعاً لأنه لو رفع لاحتمل أن يكون الخبر بقدر ويكون خلقناه حراً صفة للنكرة واحتمل أن يكون خلقناه خبراً والغرض تعميم كل شيء بالخلق.
والتقدير: إنا خلقنا كل شيء.
فعلى هذا قوله: " إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم ".
وكذلك: " والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم فأولئك سوف يؤتيهم أجورهم ".
وكذلك قوله: " ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا ".
الاختيار في أولئك الرفع دون النصب بمضمر دل عليه أعتدنا لهم لأنه ابتداء وخبر.
والجملة خبر قوله: ولا الذين إذا رفعت الذين بالابتداء.
فأما قوله: " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ".
فالاختيار النصب في الموتى بإضمار فعل على تقدير ويبعث الموتى ليكون معطوفاً على يستجيب.
فإذن الوصل أحسن من الوقف أعني على يسمعون.
وأما قوله تعالى: " وأما ثمود فهديناهم " فالاختيار الرفع لأن الموضع موضع اسم لأن أما وإن كان يعني الشرط حيث أقيم مقام مهماً فإن الشرط محذوف وما بعد الفاء مقدم على الفاء من المبتدأ فالموضع موضع اسم وقرأها الحسن والأعمش وأما ثمود بالنصب بفعل مضمر مقدر بعده مفسر ب هديناهم على تقدير: وأما ثمود فهدينا.
فحذف فهدينا لاستغنائه بهديناهم لا يكون وأما هديناهم لأن أما اسم لا يدخل الفعل.
وتقول: إذا زيد ضربته أهنته الاختيار الرفع عنده: خلافاً للبرد: إن زيداً ضربته فائتني الاختيار النصب لأن الشرط يصح في الفعل.
وكذلك: " وإن امرأة خافت ".
و " إن إمرؤ هلك ".
" وإن أحد من المشركين ".
محمول على وكذلك في: كنت أخاك و زيداً اشتريت له ثوباً.
الاختيار النصب لأن كنت يتصرف تصرف الفعل.
وكذلك لست أخاك وزيداً أعينك عليه لأنه من أخوات كان.
وكذلك هذا ضارب زيد وعمراً تمر به.
الاختيار النصب لأن ضارباً بمعنى يضرب.
وكذلك ضربت زيداً وعمراً أنا ضاربه.
فأما قولهم لقيت زيداً وأما عمرو فقد مررت به فالاختيار الرفع.
وكذلك لقيت زيداً وعمرو مررت به و لقيت زيداً فإذا عبد الله يضربه عمرو.
وأما: حتى نعله ألقاها.
فالرفع على الابتداء لأن حتى من حروف الابتداء والنصب بالعطف والجر بنفس حتى.
وكذلك قد ضربت زيداً وسوف أضرب عمراً ولم يجز التقدم في: قد زيداً ضربت ولا سوف عمراً أضرب هلا زيداً أتيته الاختيار النصب.
لأنه تخصيص بمنزلة الاستفهام في أزيداً ضربته وهذا زيد يذهب أقبح من أزيد قام لأن الألف أم الباب.
وهل زيد منطلق أحسن من هل زيد يذهب لأن الفعل ينبغي أن يلي هل وازيد ضربته أحسن من إن زيد ضربته لأن الشرط لا يحسن معه التأويل كما يحسن مع الهمزة أأنت عبد الله ضربته بالحمل على الابتداء يختار الرفع في الحمل على الابتداء لأن الهمزة تعتمد على معنى الهمزة وأبو الحسن يحمله على الفعل فيختار النصب.
وفي التنزيل: " أفأنت تنقذ من في النار ".
أزيد أخوه تضربه بالحمل على الابتداء ولم يجز النصب بإجماع لأنه ليس لزيد في الفعل نصب ولو كان يضربه كان فيه الخلاف.
أزيداً أخاه تضربه في الحمل على الفعل لأن الفعل الواقع على أخيه واقع على سببه.
وقيل: لا تقول في زيداً إلا بالرفع لئلا تتعسف بالحمل على تفسير التفسير.
زيد لم يضربه إلا هو بالحمل على المرفوع دون المنصوب لأن في حمله على المنصوب يجيء زيد اضرب فتصير الفضلة لا بد منها.
إذا عبد الله تلقاه فأكرمه بالنصب وليس مثل نظرت فإذا زيد يضربه عمرو لأن إذا التي للمفاجأة بالاسم أولى.
جئت فإذا زيد ضربه عمرو و جئت إذا زيد ضربه عمرو.
بخلاف: إذا زيد يضربه عمرو.
زيداً اضربه بالنصب لأن الهمزة بالفعل أولى.
زيداً ليقطع الله يده بالنصب لأنه دعاء وهو بمنزلة الأمر.
ما زيداً ضربته ولا عمراً كلمته لأنه بالفعل أولى ما لم يعمل في الاسم.
قال أبو الحسن: وتقول: أزيداً كان أبوه منطلق منطلق في موضع النصب خبر كان وهو بسبب من زيد.
وهكذا زيد عسى أبوه أن يقوم لأن أن يقوم في موضع النصب.
وكذا في كاد وعسى تقول: أزيد عسى أن تقوم أخواه وأزيد كاد أن يقوم أخواه في الشعر فترفع لأن سببه في موضع رفع.
وكذلك أخواك عسى أن يقوما كأنك قلت: عسى قيامهما.
ولو قلت: عسى أخواك أن يقوما كانت في موضع نصب.
وكذلك: زيداً ليس أخوه منطلق يختار النصب في ليس ضمير الحديث.
وتقول: أخويك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما فتضمر في عسى ويكون أن يضرباهما في موضع نصب وتحمل أخويك عليه.
ويجوز: أخواك زيد وعمرو عسى أن يضرباهما على أن تجعل أن تضرباهما في موضع رفع ولا تضمر في عسى.
وترفع أخواك لأن سببهما في موضع رفع فيكون زيد وعمرو أحدهما معطوفاً على الآخر وهما في موضع الابتداء بالثاني.
وعسى أن تضرباهما في موضع الجر والضمير الذي في يضرباهما يعود إلى المبتدأين فهذا تقدير.
والتقدير الآخر: على أن ترفع الأول والثاني بالفعل لأن سببهما رفع وهو الضرب إذ الضرب متصل بضميرهما وضمير زيد وعمرو والضرب مرفوع بالفعل فترفع الأول والثاني بالفعل كأنك قلت: أيرجا أخواك رجاء زيد وعمرو أن يضرباهما.
فهذا التقدير الثاني على قياس إعمال الفعل إذا عمل في السبب أن يعمل في الأول.
ومن المطابقة: قوله تعالى في سورة هود: " وأخذت الذين ظلموا الصيحة ".
فأدخل التاء في الفعل مع الفصل لمجاورة قوله: " كما بعدت ثمود ".
ومثله: " وتغشى وجوههم النار " بالتاء مع الفصل لمجاورة قوله: " يوم تبدل الأرض ".
وقال: " وتكون لكما الكبرياء " بالتاء كقوله: " أجئتنا لتلفتنا " وإن كان ذلك للخطاب.
وقال: " ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق " فترك النون في سورة النحل لأن سياق الآية: " ولم يك من المشركين " بخلاف ما في سورة النحل حيث جاءت بالنون.
قراءة حفص عن عاصم: " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم " " ولئن مُتم أو قتلتم " بضم الميم مع كسرها في سائر التنزيل ليطابق ضم القاف في قتلتم.
وعلى هذا قراءة أبي عمرو: " قل إن الله قادر على أن ينزل " بالتشديد مع تخفيفه في سائر التنزيل ليطابق قوله: " لولا نزل عليه آية من ربه ".
كما أن ابن كثير خص الموضعين بالتشديد في قوله تعالى: " وننزل من القرآن ".
وقوله: " حتى تنزل علينا " لمجاورة قوله: " ونزلناه تنزيلاً " وخص يعقوب بالتشديد قوله: " والله أعلم بما ينزل ".
لقوله: قل نزله روح القدس ".
وأظهر أبو عمرو الباء عند الميم في جميع التنزيل نحو قوله: " والله يكتب ما يبيتون ".
وأدغمها في قوله: " يعذب من يشاء ".
في خمسة مواضع: في البقرة وآل عمران وفي المائدة في موضعين وفي سورة العنكبوت.
لموافقة: " يعذب من يشاء ويرحم من يشاء " وهو يدغم الراء في اللام والميم في الميم.
ومن ذلك قوله تعالى: " وكل شيء فصلناه تفصيلاً " جاء منصوباً لأن قبله " وجعلنا الليل والنهار آيتين " فنصب لما ذكرنا بفعل مضمر ليكون مطابقاً وموافقاً.
وكذا " وكل إنسان ألزمناه " جاء منصوباً لهذا المعنى.
وأما قوله تعالى: " أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه ".
ففاعل علم الضمير على كل ولا يجيء على مذهب سيبويه.
وما جاء عليه التنزيل من هذا النحو أن يكون فاعل علم الله ولو كان كذلك لوجب أن ينصب كل.
ألا ترى أنك تقول يقوم زيد وزيداً أضرب غلامه فتنصب زيداً لأن الذي من سببه منصوب.
وكذلك قوله: كل قد علم ولو كان فاعل علم اسم الله دون الضمير العائد إلى كل لنصب.
وكذلك قوله: " والعمل الصالح يرفعه " ففاعل يرفع الضمير العائد إلى العمل الصالح والعمل الصالح مبتدأ.
ولو كان فاعل يرفعه اسم الله أو الكلم على رفع الكلم العمل لوجب نصب العمل لأنه معطوف على يصعد.
وكأن المعنى: والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب في رفعه الكلم أنه لا يحبط بالعمل السيء ولا يرتفع إليه ويخلص من غير إحباط يقع عليه من أجل عمل سيء.
وذكر الضمير في يرفعه لأنه للكلم كشجرة وشجر.
قراءة حفص في سورة الكهف: " وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " بضم الهاء في أنسانيه.
لما رأى أن الهاء المتصل ب أذكره وهو في صلة أن الذي صار بدلاً من الهاء وفق بين الحركتين في الهاء.
ولهذا المعنى هرب في قوله: " ويخلد فيه مهاناً " عن الكسرة فأشبعها كيلا يلزمه أن يتبع الهاء الميم.
ومن المطابقة والمجاورة: قراءة ابن عامر في جميع التنزيل يا أبت بفتح التاء تبعاً للباء.
وعلى هذا حكاية سيبويه في يا طلحة لما رخموا ثم ردوا التاء فتحوها تبعاً للحاء.
ومثل ذلك ما رواه أبو بشر عن ابن عامر: " ثم يجعله حطاماً " بفتح اللام تبعاً للعين.
وعن أبي حنيفة: " طعام ترزقانه " بضم النون تبعاً للهاء.
وعن الحلواني عن ابن عامر: " أتعدانني " بفتح النون تبعاً للألف وطلباً للمطابقة.
وعن ابن أبي عبلة: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " بفتح التاء تبعاً لفتحة النون.
وعن الأئمة السبعة فتح الميم من قوله: " ويعلم الذين يجادلون في آياتنا " غير نافع وابن عامر وهم يعدون النصب في مثل هذا شاذاً نحو: إن تقعد أقعد وأكرم.
يختارون الجزم والرفع دون النصب في وأكرم ومع هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعاً للام.
وعلى هذا أطبقوا خمستهم على فتح الميم تبعاً للام.
وأما قوله تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " بنصب الميم.
فيجوز أن يكون من هذا الباب فتح الميم إجماعاً.
ولم يكن فتح العين في قوله: " ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم " إجماعاً وإنما هي قراءة ابن أبي عبلة.
وقال النحويون في الآيتين: إن نصبهما على الصرف فلم كان أحدهما إجماعاً والآخر شاذاً وإن كانت التبعية عندك هي العلة فقد وجدت التبعية أيضاً في النون من قوله: ونمنعكم.
فالجواب: أن المستحسن من هذا إنما هو الجزم والنصب على الصرف ليس بمستحسن فجاء: ونمنعكم مجزوماً على ما هو المختار.
وإنما عدلوا إلى الفتح في: ويعلم الصابرين لأن إسكان الميم هنا محال لما يتأتى من التقاء الساكنين وكان الجزم ممتنعاً فلا بد من التحريك والتحريك هنا الكسر كما هي قراءة بعضهم: ويعلم الصابرين.
وليس في قوله: ونمنعكم التقاء الساكنين فيجب التحريك.
وعن شعيب عن أبي بكر عن عاصم: " إني آمنت بربكم فاسمعون " بفتح النون لتساوي " المكرمين " من بعده و " ترجعون " من قبله.
ولأن قوله عون بالكسر بعد الضم يصير كقولهم زيدون.
فكما وجب فتح النون بعد الواو هنا وجب فتحه أيضاً ههنا.
ومن المطابقة: حذف الجار والمجرور في سورة الأعراف: " فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ".
ولم يقل: كذبوا به لما كان سياق الآية: " ولكن كذبوا فأخذناهم " ولما قال: " فكذبوه فنجيناه " في سورة يونس فأثبت الهاء قال في سياقها: " بما كذبوا به من قبل ".
ومن المطابقة: قوله تعالى: " والجان خلقناه من قبل " نصبه بإضمار فعل لأن قبله: " ولقد خلقنا الإنسان " وكان أن تضمر وخلقنا الجان أحسن وأجود.
وإذا لم تعرف أنت حيث تستبدل بأن النصب هو المختار في قوله: قام زيد وعمراً كلمته.
إلا قوله: والذئب أخشاه إن هممت به وحدي وأخشى الرياح والمطرا ولا تطلب هذه الآي التي عددتها لك فما ذنبي من المطابقة.
وقوله تعالى: " وجزاء سيئةٍ سيئةً مثلها ".
ومن ذلك قوله: " ولا أنتم عابدون ما أعبد " ولم يقل: من أعبد لأن قبله: " ما تعبدون " يعني الأصنام فجاء على الأزدواج والمطابقة.
=======
المتمم العشرين ما جاء في التنزيل من حذف المفعول والمفعولين وتقديم المفعول الثاني على المفعول الأول وأحوال الأفعال المتعدية إلى مفعوليها و غير ذلك مما يتعلق به
ونحن نذكر من ذلك ما يدق النظر فيه لأن ذلك لو حاول إنسان أن يأتي بجميعه توالت عليه الفتوق ولم يمكنه القيام به لكثرته في التنزيل وكان بمنزلة من يستقى من بئر زمزم فيغلبه الماء فمن ذلك قوله تعالى: وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون أي وما يشعرون أن وبال ذلك راجع إليهم.
وكذلك: ولكن لا يشعرون أي لا يشعرون أنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون أي: لا يعلمون أنهم هم السفهاء.
فأما قوله تعالى: مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فقيل: إن التقدير: كمثل الذي استوقد صاحبه ناراً فحذف المفعول الأول.
وقيل إن استوقد وأوقد كاستجاب وأجاب.
ومنه قوله تعالى: ولو شاء لذهب بسمعهم وأبصارهم.
وجميع ما جاء من لو شاء كان مفعوله مدلول جواب لو والتقدير: ولو شاء الله إذهاب السمع والبصر لذهب بسمعهم وأبصارهم.
ومن ذلك قوله تعالى: كلما أضاء لهم مشوا فيه أي: أضاء لهم البرق الطريق مشوا فيه.
ومنه قوله تعالى: لعلكم تتقون أي: تتقون محارمه وقيل: بل قوله الذي جعل لكم الأرض فراشاً مفعول يتقون والأرض مفعول أول لجعل وفراشاً مفعول ثان ومعنى جعل: صير.
وقد يجيء جعل بمعنى: صنع وخلق فيكون متعدياً إلى مفعول واحد قال الله تعالى: الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور بمعنى: صنع وخلق.
وقال الله تعالى: وجعل منها زوجها.
وإذا كانت بمعنى صيرت تعدت إلى مفعولين لا يجوز الإقتصار على أحدهما وهي في هذا الوجه تنقسم على ثلاثة أقسام: كما تنقسم صيرت.
أحدها: بمعنى سميت كقوله تعالى: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أي صيروهم إناثاً بالقول والتسمية كما تقول: جعل زيد عمراً فاسقاً.
أي صيره بالقول كذلك.
والوجه الثاني: أن تكون على معنى: الظن والتخيل كقولك: اجعل الأمير غائباً وكلمه أي: صيره في نفسك كذلك.
والوجه الثالث: أن تكون في معنى النقل فتقول: جعلت الطين خزفاً أي: صيرته خزفاً ونقلته عن حال إلى حال.
قال الله تعالى: اجعل هذا البلد آمناً أي: صيره آمناً وانقله عن هذه الحال.
قال سيبويه: وتقول جعلت متاعك بعضه فوق بعض.
وله ثلاثة أوجه في النصب: إن شئت جعلت فوق في موضع الحال كما فعلت ذلك في رأيت في رؤية العين.
وإن شئت نصبت على ما نصبت عليه رأيت زيداً وجهه أحسن من وجه فلان تريد رؤية القلب.
وإن شئت نصبته على أنك إذا قلت: جعلت متاعك تدخله معنى ألقيت فيصير كأنك قلت: ألقيت متاعك بعضه فوق بعض.
وهذه الوجوه الثلاثة يرجع وجهان منها إلى وجه واحد مما ذكرنا وهو أن يجعل جعلت متعدياً إلى مفعول واحد.
غير أن معنى الوجهين اللذين ذكرهما مختلف وإن كانا مجتمعين في التعدي إلى مفعول واحد.
فأحد الوجهين هو الأول الذي قال فيه: إن شئت جعلت فوق في موضع الحال فيكون معناه: عملت الباب مرتفعاً أي: أصلحته وهو في هذه الحال.
والوجه الثاني من هذين الوجهين هو الثالث مما ذكر سيبويه في قوله: وإن شئت نصبته على أنك إذا قلت: جعلت متاعك يدخله معنى: ألقيت فيصير كأنك قلت: ألقيت متاعك بعضه فوق بعض لأن ألقيت كقولك: أسقطت متاعك بعضه فوق بعض فيكون هذا متعدياً إلى مفعول وهو منقول من: سقط متاعك بعضه فوق بعض.
فهو يوافق الوجه الأول في التعدي إلى مفعول واحد ويخالف في غير ذلك لأنك لم تعمل المتاع هاهنا لإصلاح شيء منه وتأثير فيه كما تعمل الباب بنجره ونحته وقطعه.
وفوق في هذا كالمفعول إلا في موضع الحال لأنه في جملة الفعل الذي هو ألقيت لأنه منقول من: سقط متاعك بعضه فوق بعض والسقوط وقع على فوق وعمل فيه على طريق الظرف.
وفي المسألة الأولى يعمل فيه جعلت وإنما عمل فيه الاستقرار وصار في موضع الحال.
وهذان الوجهان كوجه واحد.
وقوله: وإن شئت نصبته على ما نصبت عليه: رأيت زيداً على وجهه أحسن من وجه فلان فتعديه إلى مفعولين من جهة النقل والعمل كما تقول: صيرت الطين خزفاً.
وإنما حملنا هذا الوجه على هذا لأنه في ذكر جعلت الذي في معنى: عملت وأثرت.
قال: والوجه الثالث: أن تجعله مثل: ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض.
فهذا أحد وجوه صيرت التي ذكرناها وهو الذي في معنى التخيل والذي هو من طريق التسمية يشبه هذا الوجه إلا أنه لم يذكره اكتفاء بهذا.
فأما قوله تعالى: ويجعل الخبيث بعضه على بعض فالخبيث هو المفعول.
وبعضه بدل منه.
وقوله على بعض ظرف ليجعل كما تقول: يلقي الخبيث بعضه على بعض ومن هذا الباب قوله تعالى: أنبئوني بأسماء هؤلاء وقوله: أنبئهم بأسمائهم.
قال: ونبئهم عن ضيف ابراهيم أي: اخبرهم عن ضيفه.
وقال: ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر أي: يخبر به.
فلما كان النبأ مثل الخبر كان أنبأته عن كذا بمنزلة أخبرته عنه ونبأته عنه مثل خبرته عنه ونبأته به مثل خبرته به.
وهذا يصحح ما ذهب إليه سيبويه من أن معنى نبأت زيداً: نبأت عن زيد فحذف حرف الجر لأن نبأت قد ثبت أن أصله خبرت بالآي التي تلوناها فلما حذف حرف الجر وصل الفعل إلى المفعول الثاني فنبأت يتعدى إلى مفعولين: أحدهما يصل إليه بحرف جر كما أن خبرته عن زيد كذلك.
فأما ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين نحو: نبأت زيداً عمراً أبا فلان.
فهو في هذا الأصل إلا أنه حمل على المعنى فعدي إلى ثلاثة مفعولين.
وذلك أن الإنباء الذي هو إخبار إعلام فلما كان إياه في المعنى عدي إلى ثلاثة مفعولين كما عدي الإعلام إليها.
ودخول هذا المعنى فيه وحصول مشابهته للإعلام لم يخرجه عن الأصل الذي هو له من الإخبار وعن أن يتعدى إلى مفعولين أحدهما: يتعدى إليه بالباء أو بعن نحو: ونبئهم عن ضيف ابراهيم ونحو قوله: فلما نبأت به.
كما أن دخول أخبرني في: أرأيت لم يخرجه عن أن يتعدى إلى مفعولين كما كان يتعدى إليهما إذا لم يدخله معنى أخبرني به إلا أنه امتنع من أجل ذلك أن يرفع المفعول بعده على الحمل على المعنى من أجل دخوله في حيز الاستفهام فلم يجز: أرأيت زيداً أبو من هو كما جاز: علمت زيدأ أبو من هو حيث كان المعنى: علمت أبو من زيد وذلك دخول معنى الإعلام في الإنباء والتنبؤ لم يخرجهما عن أصليهما وتعديهما إلى مفعولين أحدهما يصل إليه الفعل بحرف الجر ثم يتسع فيه فيحذف حرف الجر ويصل الفعل إلى الثاني.
فأما من قال: إن الأصل في نبأت على خلاف ما ذكرنا فإنه لم يأت على ما ادعاه بحجة ولا شبهة.
وأما قوله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم.
فيحمل على وجهين: أحدهما أن يكون نبئ بمنزلة أعلم ويكون أني أنا الغفور الرحيم قد سد مسدهما.
فيكون في هذه في قول الخليل على هذا في موضع جر وعلى قول غيره في موضع نصب.
فأما قوله تعالى: قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم فإن جعلت اللام متعلقة بأنبئكم جاز الجر في جنات على البدل من خير وإن جعلته صفة خير لأنه نكرة جاز الجر في جنات أيضاً.
وإن جعلتها متعلقة بمحذوف لم يجز الجر في جنات وصار مرتفعاً بالإبتداء أو بالظرف ولم يجز غير ذلك لأن اللام حينئذ لا بد لها من شيء يكون خبراً عنها.
فأما قوله تعالى: قد نبأنا الله من أخباركم فلا يجوز أن يكون من فيه زيادة على ما يتأوله أبو الحسن من زيادة في الواجب لأنه يحتاج إلى مفعول ثالث.
ألا ترى أنه لا خلاف في أنه إذا تعدى إلى الثاني وجب تعديه إلى المفعول الثالث.
وإن قدرت تعديه إلى مفعول محذوف كما تأول قوله تعالى: يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها أي: شيئاً ما لزم تعديه إلى آخر فإن جعلت من زيادة أمكن أن تضمر مفعولاً ثانياً كأنه: نبأنا الله أخباركم مشروحة.
ويجوز أن تجعل من ظرفاً غي مستقر وتضمر المفعول الثاني والثالث كأنه نبأنا الله من أخباركم ما كنتم تسرونه تبييناً كما أضمرت في قوله: أين شركائي الذين كنتم تزعمون أي: تزعمونهم إياهم.
وأما قوله تعالى: ويستنبئونك أحق هو فيكون يستنبئونك: يستخبرونك فيقولون أحق هو.
ويكون يستنبئونك: يستعلمونك والاستفهام قد سد مسد المفعولين.
ومما يتجه على معنى الإخبار دون الإعلام قوله تعالى: وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق فالمعنى: يخبركم فيقول لكم: إذا مزقتم وليس على الإعلام.
ألا ترى أنهم قالوا: افترى على الله كذباً أم به جنة.
ومن ذلك قوله تعالى: وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون أي: تكتمونه.
إلا إبليس أبى واستكبر أي: أبى السجود واستكبر عنه.
ثم اتخذتم العجل أي: اتخذتموه إلهاً.
وكذلك: باتخاذكم العجل أي: باتخاذكم إياه الهاً.
فحذف المفعول الثاني لا بد من إضماره لأنهم عوتبوا بذلك ولا يعاتب أحد باتخاذ صورة العجل.
فإن قال قائل: فقد جاء في الحديث: يعذب المصورون يوم القيامة.
وفي بعض الحديث: يقال لهم: أحيوا ما خلقتم قيل: يعذب المصورون يكون على من صور الله تصوير الأجسام.
وأما الزيادة من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم فلا يقدح في الإجماع ما ذكر الله.
وأما اتخذت فإنه في التعدي على ضربين: أحدهما: أن يتعدى إلى مفعول واحد.
والثاني: أن يتعدى إلى مفعولين.
فأما تعديه إلى مفعول واحد فنحو قوله: ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً وأم اتخذ مما يخلق بنات و اتخذوا من دون الله آلهة ولو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه.
وأما إذا تعدى إلى مفعولين فإن الثاني منهما الأول في المعنى قال: اتخذوا أيمانهم جنة وقال لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وقال: فاتخذتموهم سخرياً.
وأما قوله تعالى: واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى فإن من أجاز زيادة من في الإيجاب جاز على قوله أن يكون قد تعدى إلى مفعولين ومن لم يجز ذلك كان عنده متعدياً إلى مفعول واحد.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم أي: أنعمتها عليكم فحذف و قوله تعالى: وسنزيد المحسنين أي: ثواباً وكرامة لأن زدت فعل يتعدى إلى مفعولين قال الله تعالى: وزدناهم هدىً وقال: زدناهم عذاباً فوق العذاب وقال: وزاده بسطة في العلم والجسم.
فأما قوله تعالى: فزدناهم إيماناً فالمعنى: زادهم قول الناس إيماناً أضمر المصدر في الفعل وأسند الفعل إليه.
وكذلك قوله تعالى: فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً أي: ما زادهم مجيء النذير.
وقال: وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً أي: ما زادهم نظرهم إليهم أو رؤيتهم لهم إلا إيماناً.
وأما قوله: لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً أي: ما زادوكم قوة ونصرة إلا خبالاً فحذف المفعول الثاني.
وليس انتصاب خبالاً كانتصاب إيماناً لقوله: وما زادهم إلا إيماناً لكن على الاستثناء أي: يوقعون خبالاً وفساداً.
هذا هو الصحيح في هذه الآية وأظنني نقلت عن بعضهم غير هذا في هذه الأجزاء.
وقوله تعالى: ولأوضعوا خلالكم أي: لأوضعوا بينكم ركائبهم عن أبي الهيثم.
وقال أبو ومن حذف المفعول قوله تعالى: وإذ استسقى موسى لقومه أي: استسقى ربه وكذلك: يخرج لنا مما تنبت الأرض التقدير: يخرج لنا شيئاً مما تنبت الأرض فالمفعول مضمر وقوله: مما تنبت الأرض في موضع الوصف له أي: شيئاً مما تنبت الأرض.
وهذه مسألة عرضت فنقول فيها: إن من لا تزاد في الواجب عندنا.
وقال الأخفش: تجوز زيادتها في الواجب كما جازت زيادتها في النفي وكما جاز: ما لكم من إله غيره وهل من خالق غير الله وما من إله إلا إله واحد و وما من إله إلا الله بالإتفاق فكذا في الواجب والتقدير عنده: يخرج لنا مما تنبت الأرض وكذا: واسألوا الله من فضله.
وسيبويه يحمل هذا ونظائره في التنزيل على حذف الموصوف الذي هو المفعول وإقامة الصفة مقامه.
فأما قوله تعالى: ولقد جاءك من نبأ المرسلين فإن التقدير: ولقد جاءك شيء من نبأ المرسلين.
وجاز إضمار شيء وإن كان فاعلاً لأن الفعل لا بد له من الفاعل وقد تقدم هذا.
فأما قوله: وما نزل من الحق فمن خفف كان ما بمنزلة الذي وفيه ذكر مرفوع يعود إلى ما.
ولا يجوز فيمن خفف أن يجعل ما بمنزلة المصدر مع الفعل لأن الفعل يبقى بلا فاعل.
ولهذا المعنى حملنا قراءة أبي جعفر: حافظات للغيب بما حفظ الله بالنصب على أن ما بمعنى الذي أي: بالشيء الذي حفظ أمر الله.
فلا تكون ما مصدرية كما ذهب إليه عثمان في المحتسب لأنه يبقي حفظ بلا فاعل.
ولا يجوز فيمن جوز من زيادة من في الإيجاب أن يكون الحق مع الجار في موضع الحال وقد جعلت ما بمنزلة الذي لأنه لا يعود إلى الموصول شيء.
ومن شدد كان الضمير الذي في نزل لاسم الله تعالى والعائد محذوف من الصلة.
فأما دخول الجار فلأن ما لما كان على لفظ الجزاء حسن دخول من معه كما دخلت في قوله: فما يك من خير أتوه فأما قوله تعالى: وينزل من السماء من جبال فيها من برد فإن أبا الحسن ذكر أن التقدير: وينزل من السماء جبالاً فيها بردا.
قال: وقال بعضهم: ينزل من السماء من جبال فيها من برد.
أي: في السماء جبال من برد.
يريد به أن يجعل الجبال من برد في السماء ويجعل الإنزال منها.
قال أبو علي: قلت أنا في هذه الآية قبل أن أعرف هذا القول لأبي الحسن: إن قوله: وينزل من السماء من جبال فيها من برد.
المعنى: وينزل من السماء جبالاً فيها من برد.
فموضع من الأولى نصب على أنه ظرف والثانية: نصب على أنه في موضع المفعول.
وفيها صفة لجبال ومن الثالثة للتبيين كأنه بين من أي شيء هذا المكثر كما تقول: عندي جبال من المال فيكثر ما عنده منه ثم تبين المكثر بقولك: من المال.
ويحتمل أن يكون موضع من من قوله من جبال نصبا على الظرف على أنه منزل منه.
ويكون من برد نصبا أي: وينزل من السماء من جبال فيها بردا.
ويكون الجبال على هذا التأويل تعظيماً لما ينزل من البرد من السحاب.
ويحتمل أن يكون موضع من في قوله: من برد رفعا وموضع من من قوله من جبال نصباً على أنه مفعول به كأنه في التقدير: وينزل من السماء جبالاً فيها بردا.
فيكون الجبال على هذا تعظيماً وتكثيراً.
لما ينزل من السماء من البرد والمطر ويكون من برد مرفوع للموصوف لصيرورة موضع قوله من برد رفعاً.
قال: وقد جعلنا من في بعض هذه التأويلات زائدة في الإيجاب وذلك مذهب أبي الحسن والكسائي.
وحكى أبو الحسن أنهم يقولون: قد كان من مطر وكان من حديث.
يريدون: كان مطر وكان حديث.
ولم يجز سيبويه هذا فقال: ولا يفعلون هذا بمن في الواجب.
يريد أن من لا تزاد كما زيدت الباء في كفى بالله وليس بزيد.
وحمل أبو الحسن قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم على هذا.
وقال: المعنى: فكلوا ما أمسكن عليكم.
وإذا ثبت رأى ثقة بما لا يدفعه قياس لزم قبوله واستعماله ولم يجب دفعه.
وجعل أبو الحسن من زائدة في التأويل الأول الذي ذكره.
قال: أما أنا فجعلت من الثانية في التأويل الأول زائدة منصوبة الموضع على أنه مفعول به والثالثة للتبيين وجعلت الثانية في التأويل الثاني زائدة نصباً على الظرف والثالثة أيضاً زائدة في موضع نصب وجعلت الثانية في التأويل الثالث زائدة نصباً على المفعول والثالثة أيضاً زائدة رفعاً على أنه مرتفع بالظرف وجعلت من الأولى في الآية في التأويلات الثلاث نصباً على الظرف.
وأما أبو الحسن: فجعل من الثانية والثالثة في الآية في التأويل الأول زائدة.
فأما موضعهما من الإعراب فالأولى نصب على أنه مفعول به وهي الثانية من الآية.
وموضع من الثالثة في الآية رفع بالظرف وهذا هو التأويل الثالث الذي ذكرناه نحن.
فأما القول الثاني: الذي ذكره في الآية فمن الثانية في الآية نصب بالظرف والثالثة للتبيين من الجبال فكأنه على هذا التأويل ذكر الموضع الذي ينزل منه لم يذكر المنزل للدلالة عليه.
ولا أدري ما صحة هذا الوجه الذي ذكره - أعني أبا إسحاق - عن بعضهم في التأويل.
وأما قوله: كلوا من طيبات ما رزقناكم فقد قالوا: إن التقدير: كلوا من طيبات المن والسلوى بدل طيبات ما رزقناكم وفوتموها أنفسكم بجنايتكم التي لأجلها جعلتم تتيهون في الفلوات أربعين سنة.
يدل على جواز هذا المعنى أنه قال: كلوا من طيبات ما رزقناكم فجمع الطيب ثم جعل الطيبات بعض ما رزقوه وهذا يفهم منه أنهم رزقوا أرزاقاً منها الطيبات ومنها الخبيثات فأمروا بأكل الطيبات منها دون الخبيثات.
وليس هناك كل هذا وإنما هناك المن والسلوى فقط لم يكن لهم طعام غيرهما ولأنهم اشتاقوا من المن والسلوى إلى البقل والقثاء فأي استطابه لهما مع ذا فثبت: أنه مغنى من طيبات أي بدلها لا من هذه الطيبات.
ومن ذلك قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم أي: ما سألتموه بينكم فحذف المفعولين.
وسألت فعل يتعدى إلى مفعولين مثل أعطيت.
ويجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد فإذا اقتصر فيه في التعدي إلى مفعول واحد كان على ضربين: أحدهما: أن يتعدى بغير حرف والآخر: أن يتعدى بحرف.
فأما تعديه بغير حرف فقوله تعالى: واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا وقال: فاسألوا أهل الذكر.
وأما تعديه بحرف فالحرف الذي يتعدى به حرفان: أحدهما: الباء كقوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع والآخر: عن قولك: سل عن زيد.
فإذا تعدى إلى مفعولين كان على ثلاثة أضرب: أحدهما: أن يكون بمنزلة أعطيت وذلك كقوله: سألت زيداً بعد بكر حقنا بمعنى: استعطيه هذا أي: سألته أن يفعل ذلك.
والآخر: أن يكون بمنزلة: اخترت الرجال زيداً ولا يسأل حميم حميماً.
فالمعنى هاهنا: ولا يسأل حميم عن حميمه لذهوله عنه واشتغاله بنفسه كما قال الله تعالى: لكل امرئ منهم يومئذ شأن والثالث: أن يتعدى إلى مفعولين فيقع موقع المفعول الثاني منهما استفهام وذلك كقوله تعالى: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة وقوله تعالى: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون.
فأما قول الأخطل: واسأل بمصقلة البكري ما فعلا فما استفهام وموضعه نصب بفعل ولا يكون ما جراً على البدل من مصقلة على تقدير: سل بفعل مصقلة ولكن بجعله مثل الآيتين اللتين تلوناهما.
وإن شئت جعلته بدلاً فكان بمنزلة قوله: فاسألوا أهل الذكر.
ولو جعلت المفعول مراداً محذوفاً من قوله: واسأل بمصقلة فأردت: واسأل الناس بمصقلة ما فعل لم يسهل أن يكون ما استفهاماً لأنه لا يتصل بالفعل.
ألا ترى انه قد استوفى مفعوليه فلا تقع الجملة التي هي استفهام موقع أحدهما.
كما تقع موقعه في قوله تعالى: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة.
فإن جعلت ما موصولة وقدرت فيها البدل من مصقلة لم يمتنع.
وإن قلت: أجعل قوله ما فعل استفهاماً وأضمر قل لأني إذا قلت: أسأل الناس بمصقلة فإنه يدل على قل لأن السؤال قولٌ فأحمله على هذا الفعل لا على أنه في موضع المفعول لاستغناء الفعل بمفعوليه فهو قوله يدل على ذلك قوله تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها.
ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه أحدهما الكاف والآخر قد تعدى إليه الفعل بعن فلا يتعلق به أيان إلا على الحد الذي ذكرناه وهو أن نقدر يسألونك عن الساعة قائلين: أيان مرساها وأما قوله: سأل سائل بعذاب واقع فكان المعنى: سأل سائل النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين بعذاب واقع فلم يذكر المفعول الأول.
وسؤالهم عن العذاب إنما هو استعجالهم له لاستبعادهم لوقوعه ولردهم ما يوعدون به منه.
وعلى هذا ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ويستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم.
ويدلك على ذلك قوله: فاصبر صبراً جميلاً.
إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً وأما قوله تعالى: يسألونك كأنك حفي عنها فإنه يحتمل أمرين: أحدهما: أن يجعل عنها متعلقة بالسؤال كأنه: يسألونك عنها كأنك حفي بها فحذف الجار والمجرور.
وحسن ذلك لطول الكلام بعنها التي من صلة السؤال.
ويجوز: أن يكون عنها بمنزلة كما أن السؤال فصل مرة بالباء ومرة بعن وتصل الحفاوة مرة بالباء ومرة بعن بها فيما ذكرنا.
ويدلك على تعديه بالباء قوله تعالى: إنه كان بي حفياً.
وقال: ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً.
فقوله: فاسأل به مثل: سل عنه خبيراً.
فأما خبيراً فلا يخلو انتصابه من أن يكون على أنه حال أو مفعول به فإن كان حالاً لم يخل أن يكون حالاً من الفاعل أو من المفعول ولو جعلته حالاً من الفاعل السائل لم يسهل لأن الخبير لا يكاد يسأل إنما يسأل.
ولا يسهل الحال أيضاً من المفعول لأن المسئول عنه خبير به فليس للحال كبير فائدة.
فإن قلت: يكون حالاً مؤكدة فغير هذا الوجه إذا احتمل أولى فيكون خبيراً إذن مفعولاً به كأنه: فاسأل عنه خبيراً أي: مسئولاً خبيراً.
وكأن معنى اسأل: تبين بسؤالك وبحثك من تستخبر ليتقرر عندك مما اقتص عليك من خلقه ما خلق وقدرته على ذلك وتعلمه بالفحص عنه والتبين له.
ويجوز في قوله: فاسأل به أي: اسأل بالله خبيراً أي: اسأل الله خبيراً كما قال:
منه النوفل الزفر وسنعيد ذلك إن شاء الله.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: فافعلوا ما تؤمرون أي: تؤمرونه أي: تؤمرون به.
وقال: فاصدع بما تؤمر.
وقال: يا أبت افعل ما تؤمر.
فإذا كانت ما خبرية كان على هذا الوجه وإذا كانت مصدرية لم يحتج إلى الضمير.
وما كادوا يفعلون أي: ذبح البقرة مخرج ما كنتم تكتمون أي: تكتمونه.
وقوله تعالى: وإن منها لما يهبط من خشية الله.
قال أبو علي في التذكرة: المعنى - والله أعلم -: ما يهبط رائيه أو متأمله أو المعتبر به أي إذا رآها فتأمل ما فيها هبط المتأمل له والمعتبر به من أجل خشية الله لأن ذلك يكسبه خشوعاً واتباعاً ويزيل عنه العناد وترك الانقياد للحق الذي علمه فلما حدث ذلك بتأمل الحجر نسب إليه.
وهبط متعد على هذا وحذف المفعول كقول لبيد: إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوماً فهم للفناء والنفد ومن حذف المفعول قوله تعالى: بما فتح الله عليكم أي: فتحه الله.
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون أي: يسرونه ويعلنونه إذا جعلت ما خبراً وإذا جعلته استفهاماً لم تقدر شيئاً وكان مفعولاً.
وإن هم إلا يظنون أي: يظنون ما هو نافع لهم فحذف المفعولين وحذفهما جائز.
فأما قوله تعالى: وظنوا ما لهم من محيص.
فمن وقف على ظنوا كان من هذا الباب أي: ظنوا ما كانوا عليه في الدنيا منجياً لهم ومن جعله مما يتلقى به القسم جعل قوله: ما لهم من محيص جواباً للقسم فيتلقى بما يتلقى به القسم نحو: أخذنا ميثاقكم وإذ أخذ الله ميثاق إذ لم يذكر للظن مفعولاه فالأحسن أن يجعل بمنزلة القسم.
قال أبو عمر: يقبح الله الاقتصار على علمت وظننت وألا يتعدى إلى مفعولين وإن لم يقبح ذلك في باب علمت فإن هذا عندي كما قال وذلك لأنه لا يخلو مخاطبك من أن يعلم أنك تعلم شيئاً وتظن آخر فإذا كان كذلك صار كالابتداء بالنكرة نحو: رجل منطلق وقام رجل وليس كذلك قولك: أعطيت ولا أعلمت لأن ذلك مما قد يجوز أن لا تفعله فلذلك حسن هذا وامتنع ذاك.
وأما قوله تعالى: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم فمن قرأ بالياء فالذين هم الفاعلون وأن مع اسمه وخبره بدل من الذين كفروا.
قالوا: وهذا يوجب نصب قوله خير لأنفسهم وليس كذلك لأن ذلك إنما يكون إذا جعلت أن باسمه هو البدل دون خبره.
وكذلك القول في قوله تعالى: ولا تحسبن الذين يبخلون من قرأ بالتاء كان المفعول الأول: المضاف المحذوف أي: لا تحسبن بخل الباخلين هو خيراً لهم.
ومن قرأ بالياء كان التقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيراً فيكون هو خيراً لهم كناية عن البخل.
وأما قوله تعالى: لا تحسبن الذين يفرحون فمن قرأ بالياء كان الذين يفرحون هم الفاعلون.
ولم يذكر له مفعولين لأن قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدل عليه ويكون الضمير في يحسبن يعود إلى الذين أي: لا يحسبن أنفسهم بمفازة فهذا فيمن قرأهما بالياء.
وأما من قرأ بالتاء فإنه جعل الذين مفعولاً أول والمفعول الثاني قوله: بمفازة من العذاب.
ويكون قوله: فلا تحسبنهم تكراراً للأول وتكون الفاء زيادة في الوجوه كلها إذ لا وجه للعطف ولا للجزاء.
وإذا أخذ الرجل في الكلام طالباً منك باب التكرار فاقرأ عليه ما أثبته لك هنا.
وقوله تعالى: ولما جاءهم كتاب من عند الله.
فلما جاءهم فهذا تكرير للأولى.
ألا ترى: أنا لا نعلم لما جاء جوابها بالفاء في موضع فإذا كان كذا ثبت أنه تكرير.
ومما يكون كذلك أيضاً إني رأيت أحد عشر كوكباً.
ثم قال رأيتهم لي ساجدين.
وقال: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال.
بعد قوله: مشكاة فيها مصباح فكرر في.
وقال عز من قائل: وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها فكرر في.
قال أبو بكر: في آيات في سورة الجاثية إنها تكرار وعند الجرمى أن قوله: أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم أيعدكم أنكم إلى قوله أنكم مخرجون أنه تكرار وقال: لا تحسبن الذين يفرحون إلى قوله: فلا تحسبنهم فيكون هذا كله تكرار.
وأما قوله: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا فمن قرأ بالتاء فلا إشكال فيه لأن الذين كفروا مفعول أول وسبقوا مفعول ثان.
ومن قرأ بالياء فيجوز أن يكون التقدير: ولا يحسبن الكافرون أن سبقوا فحذف أن ويكون أن سبقوا قد سد مسد المفعول الأول.
ويجوز أن يكون في ولا يحسبن ضمير الإنسان أي: لا يحسبن الإنسان الكافرين السابقين.
وأما قوله تعالى: لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض فمن قرأ بالتاء فلا إشكال فيه ويكون الذين كفروا مفعولاً أول ويكون معجزين مفعولاً ثانياً.
ومن قرأ بالياء كان في لا يحسبن ضمير الإنسان أو يكون التقدير لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين فحذف أنفسهم.
وأما قوله: أعنده علم الغيب فهو يرى فيرى هذه هي التي تعدى إلى مفعولين لأن علم الغيب لا يوجبه الحس حتى إذا علمه أحس شيئاً.
وإنما المعنى: أعنده علم الغيب فهو يعلم الغيب كما يشهده لأن من حصل له علم الغيب يعلم الغيب كما يعلم ما يشاهد والتقدير: فهو يرى علم الغيب مثل المشاهدة فحذفهما للدلالة عليه قال: ترى حبها عاراً علي وتحسب وأما قوله تعالى: وأن سعيه سوف يرى يجوز أن يكون من الرؤية التي هي حس والضمير في يرى هو للسعي فيكون على هذا كقوله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله ألا ترى أن سعيه إنما هو حركات كما أن عمله كذلك.
وقد يجوز أن يكون يرى يفعل من رأيت المتعدية إلى مفعولين وذلك أن سعيه إن كان حركات ونحوها مما يرى فقد يكون اعتقادات لا ترى وإذا كان كذلك حملته على المتعدية إلى مفعولين لأن كل محسوس معلوم وإن لم يكن كل معلوم محسوساً فحمله على المتعدية إلى مفعولين أولى.
والموضع الذي يعلم ذلك منه قوله تعالى: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت والذي أسلفته يكون اعتقاداً غير مرئي وأعمالنا مرئية.
ويعلم من قوله: هاؤم اقرءوا كتابيه.
وقوله تعالى: ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فيكون التقدير على هذا: وأن سعيه سوف يرى محصىً لقوله: إلا أحصاها أو محصلاً أو مجزياً ويكون المبتدأ والخبر قبل دخول رأيت: سعيك يحصى أو يحصل أو مجزى عمله فحذف المفعول الثاني إذا بنيت الفعل للمفعول لدلالة قوله: ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
والاقتضاء الأول المقام مقام الفاعل كما حذف من قوله: أين شركائي الذين كنتم تزعمون وقال: ثم يجزاه الجزاء وهو يستدعي مفعولين والمعنى: ثم يجزى مثل سعيه إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وكذلك: كل نفس ما كسبت.
وإن شئت جعلت المضاف المحذوف الجزاء فقلت: المعنى: ثم يجزى الإنسان جزاء سعيه وترى كل نفس جزاء ما كسبت على أن يخرج الجزاء من أن يكون مصدراً كما أخرج الصيد والخلق عن ذلك فيصير في موضع المفعول فإذا لم يخرج المفعول عن المصدر لم يجز لأنك حينئذ قد عديت الفعل إلى مصدرين ولا يتعدى إلى مصدرين كما لا يتعدى إلى حالين.
قال أبو إسحاق: جائز أن يقرأ: سوف يرى والأجود أن يقرأ: يرى لأن قولك: إن زيداً سوف أكرمه فيه ضعف لأن إن عاملة وأكرم عاملة فلا يجوز أن ينتصب الاسم من جهتين ولكنه يجوز على إضمار الهاء على معنى على معنى: سوف يراه فلا يجوز في الكلام أن يقول: إن زيداً سأكرمه.
قال أبو علي: أما جواز هذا على إضمار الهاء في سوف يراه فلا يجوز في الكلام وإنما يجوز في الشعر كذلك يجيزه أصحابنا في الشعر قياساً على قوله: .
كله لم أصنع وأجازوا على هذا الشعر: زيداً اضرب يريد: اضربه.
وأما إجازته في التنزيل فلا ينبغي أن يجيزه أحد.
وأما إضمار الهاء في إن فمثل الأول في أنه لا يجوز في الكلام وإنما يجوز في ضرورة الشعر كالأبيات التي أنشدها في الكتاب نحو قوله: إن من لام.
إن من يدخل الكنيسة.
ومن ذلك قوله تعالى: ربنا علم إنا إليكم لمرسلون فمفعول يعلم مضمر والتقدير: قالت الرسل للمرسل إليهم: ربنا يعلم لم أرسلنا إليكم لأن هذا جواب قولهم: ما أنتم إلا بشر مثلنا يعنون كيف تكونون رسلاً وأنتم بشر مثلنا فقالوا: ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون استئناف الكلام وليس كسر إن لمكان اللام بل كسرها لأنه مبتدأ.
فأما قوله تعالى: فانظر ماذا ترى فمن فتح التاء فقال: ماذا ترى كان مفعول ترى أحد شيئين أحدهما: أن يكون بمنزلة الذي فيكون مفعول ترى الهاء المحذوفة من الصلة ويكون ترى على هذا التي معناها الرأي وليس إدراك الجارحة كما تقول: فلان يرى رأي أبي حنيفة.
ومن هذا قوله تعالى: لتحكم بين الناس بما أراك الله.
فلا يخلو أراك من أن يكون نقلها بالهمزة من التي هي رأيت رؤية البصر أو رأيت التي تتعدى إلى مفعولين أو رأيت التي بمعنى الرأي الذي هو الاعتقاد والمذهب فلا يجوز أن تكون من الرؤية التي معناها: أبصرت بعيني لأن الحكم في الحوادث بين الناس ليس مما يدرك بالبصر فلا يجوز أن يكون هذا القسم ولا يجوز أن يكون من رأيت التي تتعدى إلى مفعولين لأنه كان يلزم بالنقل بالهمزة أن يتعدى إلى ثلاثة مفعولين وفي تعديه إلى مفعولين - أحدهما الكاف التي للخطاب والآخر المفعول المقدر حذفه من الصلة تقديره: بما أراكه الله ولا مفعول ثالث في الكلام - دلالة على أنه من رأيت التي معناها الاعتقاد والرأي وهي تتعدى إلى مفعول واحد وإذا نقل بالهمزة تعدى إلى مفعولين كما جاء في قوله تعالى: بما أراك الله.
فإذا جعلت قوله ذا من قوله: ماذا ترى بمنزلة الذي صار تقديره: ما الذي تراه فيصير ما في موضع ابتداء والذي في موضع خبره ويكون المعنى: ما الذي نذهب إليه فيما ألقت إليك هل تستسلم له وتتلقاه بالقبول أو تأتي غير ذلك فهذا وجه قول من قال: ماذا ترى بفتح التاء.
وقرئ: ماذا تري بضم التاء وكسر الراء فإنه يجوز أن يكون ما مع ذا بمنزلة اسم واحد فيكونا في موضع نصب والمعنى: أجلداً تري على ما تحمل عليه أم خوراً ويجوز أن تجعل ما مبتدأة وذا بمنزلة أحد ويعود إليه الذكر المحذوف من الصلة والفعل منقول من: رأى زيد الشيء وأريته الشيء إلا أنه من باب أعطيت فيجوز أن يقتصر على أحد المفعولين دون الآخر كما أن أعطيت كذلك ولو ذكرت المفعول كان: أرأيت زيداً جلداً فيكون التقدير في الآية: ماذا ترينيه.
ومن ذلك قوله تعالى: ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون أي: تزعمونهم إياهم فالمفعولان محذوفان لأنك إذا أظهرت العائد إلى الذين كان مفعولاً أول فيقتضي مفعولاً ثانياً.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها والتقدير: ننسكها أي: نأمرك بتركها أو بنسيانها فالمفعول الأول محذوف نأت بخير منها أي: نأتك بخير منها.
وأما قوله تعالى: أرأيت الذي يكذب بالدين ينبغي أن تكون هذه من رؤية العين لأنه اقتصر فيه على مفعول واحد كأنه: أأبصرت أو شاهدت وهذا لا يسوغ أن يقع بعده الاستفهام لأنه إنما يقع بعد الأفعال التي تلغى فيعلق عنها.
وأما أرأيت الذي بمنزلة العلم: فإنها تكون على ضربين: أحدهما: أن تتعدى إلى مفعول ويقع الاستفهام في موضع خبره كأنه قبل دخول أرأيت مبتدأ وخبر الاستفهام وعلى هذا الآي التي تلوها.
والثاني: أن يقع الاستفهام في موضع المفعول فيعلق عنها نحو: أرأيت من زيد فإذا قال: أرأيت زيداً احتمل ثلاثة أضرب: والآخر: أن يكون رأيت بمعنى علمت فيكون بمعنى: أخبرني.
فهذا: إذا كان كذلك لم يجز أن يرتفع الاسم بعدها في قول من قال: علمت زيداً من هو ويجوز ألا يذكر قبل الاستفهام الاسم نحو: أرأيت أبو من زيد لأن دخول معنى آخر فيه لا يمنع من أن يستعمل على أصله الذي له.
وقوله تعالى: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم وقوله تعالى: يود أحدكم لو يعمر ألف سنة وقوله: ودوا لو تكفرون وود لو تدهن فيدهنون وغير ذلك من الآي.
إن قال قائل: ما مفعول ود في هذه الآي وما موضع لو بعده وهل تقتضي لو هنا جواباً فالقول في ذلك: إن ود فعل متعد وإذا كان متعدياً اقتضى المفعول به وليس من جنس الأفعال التي تعلق لأنه لا يلغى كما ألغيت المعلقة ولا هو مثل ما شبه به نحو انظر في قوله: انظر أزيد أبو من هو ولا مثل: بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه لأن هذه الأفعال تشبه الأول من حيث كانت بمعنى العلم فلذلك أجريت مجراها فأما وددت فليس من هذا الباب.
ألا ترى أنه لا يشبه العلم ولا يضمر بعد القول أيضاً كما أضمر بعد قوله: فدعا ربه أني مغلوب.
ولا مثل: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين.
ومثل قوله: إني سأبدي لك فيما أبدي شجن لي ببلاد سند لأن هذه الأفعال ونحوها لما كانت بمعنى القول استقام إضمار القول بعدها لسدها مسده حتى قال بعض الناس: إنها بمنزلة القول وليس وددت كذلك.
وإذا لم تكن مثله وكان معناها التعدي قلنا: إن لو بعده زائدة والتقدير في الفعل الواقع بعد أن وحذفت أن ووقع الفعل موقع الاسم فالفعل في موضع المفعول.
وحسن هذا الحذف لذكر لو في الكلام أنه حرف فصار الحرف المذكور كالبدل من المحذوف كما صار اللام في قولهم: ما كان ليفعل بدلاً من أن.
وكما استجازوا أن يحذف حرف الجر مع أن في نحو: جئت أنك تريد الخير.
وذهب الخليل إلى أنه في موضع جر ولم يقل ذلك أحد إذ كان المصدر الصحيح لا تجوز إرادة الحذف معه.
وإذا كانوا قد حذفوا الحرف في الكلام لجري ذكر الحرف فيه نحو: متى يمرر أمرر ونحو: ما مررت برجل إن صلح فطالح فحذف الحرف حيث ذكرنا أسوغ.
وحسن ذلك ألا يظهر معه الحرف لكون المذكور بدلاً من المحذوف.
ألا ترى أن الخليل وسيبويه استجازا حذف الجار والمجرور من الصلة في قوله: إن لم يجد يوماً على من يتكل لجرى ذكر على قبل.
ألا ترى أن هذه قد حذفت في مواضع لم يقع منها بدل والمعنى على الحذف قولهم: عسينا نفعل وقول الشاعر: ألا أيها ذا الزاجري أحضر الوغى و: أفغير الله تأمروني أن أعبد فإذا حذفت حيث لم يقع من حذفها عوض كان حذفها هنا أجدر لذكر لو فإذا كانت لو زائدة كان الفعل الواقع بعده في موضع المفعول كما كان ألهو فيما أنشده أبو زيد من قوله: وقالوا ما تشاء فقلت ألهو واقعاً موقع المفعول وهو فعل مشابه له.
ويدل على زيادة لو في هذا الموضع أنها تحذف بعد وددت فيقع الاسم بعده في موضع نصب.
فإذا صار دخولها وخروجها في المعنى واحداً كان كدخول من ونحوه في نحو: ما جاءني من أحد.
وذلك نحو قوله تعالى: وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم.
فهذا في المعنى كقوله: يود المجرم لو يفتدى فهذا يدل على زيادة لو.
فإن قلت: ما ننكر أن يكون الفعل معلقاً لأنه قد وقع بعده أن الثقيلة في نحو: وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم كما وقعت بعد: علمت أن زيداً منطلق.
فإذا جعل بمنزلة علمت في فالقول: إن ذلك لا يوجب فيه التعليق ولو جاز التعليق فيه لما ذكرت لجاز أن يعلق سررت لقول الأعشى: هل سر حنقط أن القوم صالحهم أبو حريث ولم يوجد لهم خلف ويروى: ولم يؤخذ.
وحنقط امرأة ويقال: حنقط: امرأة أبي حريث وأبو حريث: رجل من بني ثعلبة بن يربوع قتل يومئذ يريد: هل سرها أنه سلم ولم يتزوج بعد.
وكما أن هذا النحو من الأفعال لا يعلق وإن وقعت بعده أن كذلك لا يعلق وددت لأن وددت لا ينكر أن يقع بعدها أن الخفيفة كما وقعت الثقيلة كما كان ذلك في سررت في نحو قوله: هل سركم في جمادى أن نصالحكم ومما يدل على زيادة لو في هذا النحو وأن الفعل في تقدير الحذف لأن معه رفعهم الفعل المعطوف عليه في نحو قوله تعالى: ودوا لو تدهن فيدهنون و ود الذين كفروا لو تغفلون ثم قال: فيميلون عليكم فهو نحو: عسى زيد يقوم فيذهب فهذا هو الوجه لأن الكلام في تقدير إيجاب.
وإذا كان كذلك بعد النصب كما بعد في قولك: أليس زيد عندك فتضربه لأن المعنى موجب.
والذي ذكرنا أنه في بعض المصاحف ودوا لو تدهن فيدهنوا بالنصب على أحد أمرين: إما أن يكون: لما كان معنى ودوا لو تدهن معنى: ودوا أن تدهن بحمل المعطوف على المعنى كما أن قوله: هو أحسن الفتيان وأجمله محمول على المعنى لأن أحسن الفتيان وأحسن فتى واحد في المعنى.
وإما أن تكون لو وإن كانت زائدة في هذا الموضع لما كانت على لفظ غير الزائدة أجريت مجراها للشبه اللفظي كما أجرى أحمد مجرى أضرب في منع الجر والتنوين.
ألا ترى أن لو هذه على لفظ لو التي معناها الآخر في قوله: لو تعان فتنهدا والمعنى: أعانها الله.
وكذلك قوله تعالى: فلو أن لنا كرة فنكون المعنى: لتكن لنا كرة إلا أن الدعاء لا يقال فيه أمر فالتقدير: أحدث لنا كرة فنكون.
ومثله في التشبيه اللفظي في الحروف قوله: يرجى العبد ما إن لا يراه وقوله: لما أغفلت شكرك.
فكذلك لو هذه أجريت مجرى غير الزيادة.
قوله تعالى: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك.
التقدير: ربنا واجعلنا مسلمين لك وأمة مسلمة لك من ذريتنا ففصل بين الواو والمفعول بالظرف.
وقوله تعالى: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي يكون على أحد أمرين: يكون على قياس قول أبي الحسن من زائدة والتقدير: واجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي مقيم الصلاة والمفعول محذوف لا بد من ذلك ألا ترى أنه لا يجوز: رب اجعلني من ذريتي.
قوله تعالى: فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ولكل وجهة هو موليها.
قال أبو علي: وليتك القبلة إذا صيرتك تستقبلها بوجهك وليس هذا المعنى في فعلت منه.
ألا ترى أنك إذا قلت: وليت الحائط ووليت الدار لم يكن في فعلت منه دلالة على أنك واجهته كما أنك في قولهم: وليتك القبلة ووليتك المسجد الحرام دلالة على أن المراد واجهته ف فعلت في هذه الكلمة ليس بمنقول من فعلت الذي هو وليت فيكون على حد قولك: فرح وفرحته ولكن هذا المعنى الذي هو المواجهة عارض في فعلت ولم يكن في فعلت.
وإذا كان كذلك كان فيه دلالة على أن النقل لم يكن من فعلت كما كان قولهم: ألقيت متاعك بعضه على بعض لم يكن النقل فيه من: لقي متاعك بعضه بعضاً ولكن ألقيت كقولك أسقطت.
ولو كان منه زاد مفعول آخر في الكلام ولم يحتج في تعديته إلى المفعول الثاني إلى حرف الجر وإلحاقه المفعول الثاني في قولك: ألقيت بعض متاعك على بعض كما لم يحتج إليه في ضرب زيد عمراً وأضربته إياه ونحو ذلك.
وكذلك: وليتك قبلة من قولك: وليت كألقيت من قولك: لقيت.
وقال عز وجل: فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام فهذا على المواجهة له ولا يجوز على غير المواجهة مع العلم أو غلبة الظن الذي ينزل منزلة العلم في تحري القبلة.
وقد جاءت هذه الكلمة مستعملة على خلاف المقابلة والمواجهة وذلك في نحو قوله: ثم توليتم إلا قليلاً منكم وأنتم معرضون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته عبس وتولى أن جاءه الأعمى أي: أعرض عنه.
وقال عز وجل: وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف.
فأعرض عمن تولى عن ذكرنا.
فهذا مع دخول الزيادة للفعل في غير الزيادة.
قوله تعالى: ثم وليتم مدبرين.
فالحال مؤكدة لأن في توليتم دلالة على أنهم مدبرين فهذا على نحوين: أما ما لحق التاء أوله فإنه يجوز أن يكون من باب تحوب وتأثم إذا ترك الحوب والإثم وكذلك إذا ترك الجهة التي هي المقابلة.
ويجوز أن تكون الكلمة استعملت على الشيء وعلى خلافه كالحروف المروية في الأضداد.
فأما قوله تعالى: لئن يقاتلوكم يولوكم الأدبار وقوله: وإن نصروهم ليولن الأدبار وقوله: سيهزم الجمع ويولون الدبر.
فهذا منقول من فعل تقول داري تلي داره ووليت داري داره فإذا نقلته إلى فعل قلت: وليت مآخيره وولاني مآخيره ووليت ميامنه وولاني ميامنه فهو مثل: فرح وفرحته وليس مثل: لقي وألقيته ولقيته.
وقوله: ليولن الأدبار وقوله: ويولون الدبر المفعول الثاني في نقل فعل إلى فعل محذوف ولو لم يحذف كان كقوله: يولوكم الأدبار.
وأما قوله تعالى: وإن تلوا أو تعرضوا فيمن قرأ تلوا فمعناه والله أعلم: الإقبال عليهم والمقاربة لهم في العدل في قسمهم.
ألا ترى أنه قد عودل بالإعراض في قوله تعالى: أو تعرضوا فكان قوله: وإن تلوا كقوله: إن أقبلتم عليهم ولم تعرضوا عنهم.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون في تلوا دلالة على المواجهة فتجعل قوله فلنولينك منقولاً من هذا ثم اقتضى المواجهة وتستدل على ذلك بمعادلته: على خلاف الذي هو الإعراض.
فالقول إن ذلك في هذه الكلمة ليس بالظاهر ولا في الكلمة دلالة على هذه المخصوصية التي جاءت في قوله: فلنولينك قبل ترضاها.
وإذا لم يكن عليها دلالة لم يصرفها عن الموضع الذي جاء فيه فلم يتعدها إلى سواها.
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه فالضمير في عنه إذا جعلته للرسول احتمل أمرين: لا تولوا عنه: لا تنفضوا عنه كما قال: انفضوا إليها وتركوك قائماً.
وقال: وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
وقال: قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً.
وعلى هذا المعنى قوله تعالى: بعد أن تولوا مدبرين أي: بعد أن تتفرقوا عنها.
ولا يكون لا تولوا عنه: لا تعرضوا عن أمره وتلقوه بالطاعة والقبول.
كما قال عز وجل: فليحذر الذين يخالفون عن أمره.
ومن إضمار المفعول قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه المعنى: فمن شهد منكم المصر في الشهر.
فحذف المفعول لابد من تقديره لأن المسافر شاهد الشهر ولا يلزمه الصوم بل يجوز له الإفطار فانتصاب الشهر على الظرف وإنما قال: فليصمه: ولم يقل فليصم فيه والظروف إذا كنى عنها رد حرف الظرفية معها لأنه قد اتسع فيها ونصبه نصب المفعول بعد أن استعمله ظرفاً.
واعلم أن شهد فعل استعمل على ضربين: أحدهما: الحضور: والآخر: العلم.
فالذي معناه الحضور يتعدى إلى مفعول.
ويدل على ذلك قوله: لو شهد عاد في زمان عاد وقوله: ويوماً شهدناه سليماً وعامراً ومن ذلك قوله: شهدنا فما نلقى به من كتيبة يد الدهر إلا جبرائيل أمامها فهذا محذوف المفعول التقدير فيه: شهدنا المعركة أو: من تجمع لقتالنا.
ومنه قوله: لقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبة إلا عضها بالأباهم فهذا الضرب المتعدي إلى مفعول واحد إذا نقل بالهمزة تعدى إلى المفعولين تقول: شهد زيد المعركة وأشهدته إياها.
فمن هذا قوله: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض لما نقل بالهمزة صار الفاعل مفعولاً والتقدير: ما أشهدتهم فعلي.
والفعل في أنه مفعول ثان وإن كان غير عين مثل زيد ونحوه من الأسماء المختصة.
وقالوا امرأة مشهد إذا كان زوجها شاهداً لم يخرج في بعث من غزو وغيره.
وامرأة مغيب إذا لم يشهد زوجها فكأن المعنى: ذات غيبة أي ذات غيبة وليها وذات شهادة وليها.
والشهادة خلاف الغيبة قال الله تعالى: عالم الغيب والشهادة.
فهذا المعنى في قريب من قوله: ويعلم ما تخفون وما تعلنون ويعلم سركم وجهركم.
وأما شهدت الذي بمعنى علمت فيستعمل على ضربين: أحدهما: أن يكون قسماً.
والآخر أن يكون غير قسم.
فاستعمالهم إياه قسماً كاستعمالهم: ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها وتقول: أشهد بالله إنك لذاهب وأشهد إنك لذاهب.
قال: وحدثنا أبو الحسن أن محمداً قال: إن زفر يذهب إلى أنه إذا قال: أشهد بالله كان يميناً فإن قال أشهد ولم يقل بالله لم يره يميناً.
قال: وقال محمد: أشهد غير موصولة بقولك بالله في أنه يمين كقولك: أشهد بالله.
وقال: واستشهد محمد على ذلك بقوله: قالوا نشهد إنك لرسول الله.
وقال: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة.
فجعله يميناً ولم يوصل بقوله بالله.
وأما شهدت الذي يراد به علمت ولا يراد به اليمين فهو ضرب من العلم مخصوص وكل شهادة علم وليس كل علم شهادة.
ومما يدل على اختصاصها بالعلم انه لو قال عند الحاكم: أعلم أن لزيد على عمرو عشرة.
لم يحكم به حتى يقول: أشهد.
فالشهادة مثل التيقن في أنه ضرب من العلم مخصوص وليس كل علم تيقناً وإن كان كل تيقن علماً وكان التيقن هو العلم الذي عرض لعالمه إشكال فيه.
نتبين ذلك في قصة ابراهيم عليه السلام وليكون من الموقنين ويبين ذا قول رؤبة: فلو لم يكن في المستيقن زيادة معنى لم يكن في الوصف الأول لم يحسن هذا الكلام وكان غير مفيد وهذا كقول زهير: فلأياً عرفت الدار بعد توهم وقال بعد: فلما عرفت الدار أي: عرفتها بعد إشكال أمرها والتباسها علي.
وعلى هذا قول الآخر: حيوا الدار وحيوا ساكن الدار ما كدت أعرف إلا بعد إنكار وكان معنى: أشهد أيها الحاكم على كذا أي: أعلمه علماً يحضرني قد تذلل لي فلا أتوقف عنه ولا أتلبث فيه لوضوحه عندي وتبينه لي وليس كذلك سبيل المعلومات كلها.
ألا ترى أن منها ما يحتاج إلى توقف فيه واستدلال عليه وتذليل له ويدل على هذا وأن الشهادة يراد بها المعنى الزائد على العلم أنه لا يخلو من أن يكون العلم مجرداً مما ذكرناه أو العلم مقترناً بما وصفناه من المعاني والذي يدل على أنه المقترن بالمعنى الذي ذكرناه.
وقوله تعالى: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون وقوله: وما شهدنا إلا بما علمنا.
فلو كان معنى شهد العلم خالياً من هذه المعاني لكان المعنى: وما علمنا إلا بما علمنا ومن وشهد في هذا الوجه يتعدى بحرف جر فتارة يكون الباء والأخرى على.
ومما يعدى بعلى قوله تعالى: وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا وقوله تعالى: شهد عليهم سمعهم وأبصارهم ويوم تشهد عليهم ألسنتهم وشهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم.
ومن التعدي بالباء قوله تعالى: وما شهدنا إلا بما علمنا وإلا من شهد بالحق وقوله تعالى: فشهادة أحدكم أربع شهادات بالله.
فإذا نقل بالهمزة زاد بالهمزة مفعول كسائر الأفعال المتعدية إذا نقلت بالهمزة.
وقال عز من قائل: وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى.
فأما قوله: أشهدوا خلقهم فمن الشهادة التي هي الحضور كأنهم وبخوا على ما قالوا مما لم يحضروه مما حكمه أن يعلم بالمشاهدة.
ومن قرأ أشهدوا خلقهم فالمعنى: أو أحضروا ذلك وكان الفعل يتعدى إلى مفعولين بعد النقل فلما بني للمفعول به نقص مفعول فتعدى الفعل إلى مفعول واحد.
ويقوي هذه القراءة قوله تعالى: ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم فتعدى إلى مفعولين لما بني الفعل للفاعل.
فأما قوله تعالى: إني أشهد الله وأشهدوا أني بريء فعلى إعمال الثاني كما أن قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه قطراً كذلك والتقدير: إني أشهد الله أني بريء وأشهد أني بريء.
فحذف المفعول الأول على حد: ضربت وضربني زيد.
وهذا منقول من: شهد بكذا إلا أن حرف الجر يحذف مع أن.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: ولكن البر من اتقى أي: اتقى محارم الله.
وكذلك لمن اتقى واتقوا الله أي اتقى محارمه.
وقال: ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.
وقال: ويهلك الحرث والنسل.
فهلك لازم في المعروف ويهلك متعد وقد جاء هلك متعدياً وأنشدوا: ومهمهٍ هالك من تعرجا فكأنه قال: هالك من تعرج فيه أي: هالك المتعرج فمن تعرج على هذا التقدير فاعل في المعنى وعلى تقدير من حمله على مهلك أنه حذف مفعوله في المعنى بمنزلة: ضارب زيد.
ومن حذف المفعول قوله: فيغفر لمن شاء أي: يغفر الذنوب في جميع التنزيل.
ومن ذلك قوله تعالى: لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
قال أبو علي: يحتمل وجهين: يجوز أن يكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر والخطأ من الإخطاء الذي ليس التعمد.
ويجوز أن يكون من نسينا على: أن تركنا شيئاً من اللازم لنا.
ومثله قوله تعالى: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي أي: ترك عهدنا إليه.
أي: لم يلطف لهم كما يلطف للمؤمنين في تخليصهم أنفسهم من عقاب الله.
والتقدير: ولا تكونوا كالذين نسوا أمر الله أو طاعته فأنساهم تخليص نفسهم من عذاب الله.
وجاز أن ينسب الإنساء إلى الله وإن كانوا هم الفاعلون له والمذمومون عليه كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
فأضاف الرمي إلى الله لما كان يقويه إقداره فكذلك نسب الإنساء إليه لما لم يلطف لهذا المنسي كما لطف للمؤمن الذي قد هدى.
وكذلك قوله تعال: وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا أي: الاستعداد للقاء يومكم هذا والعمل من التخلص من عقابه.
وأما قوله تعالى: واذكر ربك إذا نسيت فعلى معنى الترك لأنه إذا كان المقابل للذكر لم يكن مؤاخذاً.
وقوله تعالى: وإله موسى فنسي أي: نسي السامري أي: ترك التوحيد باتخاذه العجل وقيل: نسي موسى ربه عندنا وذهب يطلبه في مكان آخر.
وأما قوله تعالى: اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه.
فإن أنساه الشيطان هو أن يسول له ويزين الأسباب التي ينسى معها.
وكذلك: فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره.
ويجوز أن يكون الضمير في أنساه ليوسف أي: انسى يوسف ذكر ربه.
كما قال: وإما ويجوز أن يكون الضمير في أنساه للذي ظن أنه ناج منهما ويكون ربه ملكه.
وفي الوجه الأول يكون ربه سبحانه وتعالى كأنه أنساه الشيطان أن يلجأ إلى الله في شدته.
وأما قوله تعالى: فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون.
والتقدير: تنسون دعاء ما تشركون فحذف المضاف أي: تتركون دعاءه والفزع إليه وإنما يفزعون إلى الله سبحانه وتعالى.
ويكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر كقوله تعالى: وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه أي: تذهلون عنه فلا تذكرونه.
وقال: فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري.
فهذا يجوز أن يكون منقولاً من الذي بمعنى الترك ويمكن أن يكون من الذي هو خلاف الذكر واللفظ على: أنهم فعلوا بكم النسيان.
والمعنى: أنكم أنتم أيها المتخذون عبادي سخرياً نسيتم ذكري باشتغالكم باتخاذكم إياهم سخرياً وبالضحك منهم أي: تركتموه من أجل ذلك وإن كانوا ذاكرين غير ناسين.
فنسب الإنساء إلى عباده الصالحين وإن لم يفعلوا لما كانوا كالسبب لإنسائهم.
فهذا كقوله: رب إنهن أضللن كثيراً من الناس.
وعلى هذا قوله تعالى: فأنساهم أنفسهم فأسند النسيان إليه والمعنى على أنهم نسوا ذلك.
وأما قوله تعالى: سنقرئك فلا تنسى فالأشبه أن يكون من الذي هو خلاف الذكر.
وهذا أشبه من أن يحمل على ما يراد به الترك.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله كان إذا نزل عليه القرآن أسرع القراءة وأكثرها مخافة النسيان فقال: سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله أي: تنساه لرفعه ذلك بالنسيان كرفعه إياه بالنسخ بآية أو سنة.
ويؤكد ذلك قوله تعالى: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه.
وقوله تعالى: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه فحمل قوله: فلا تنسى إذا كان يسلك هذا المسلك ليس بالوجه.
ومما حذف المفعول فيه قوله: وبشر المؤمنين أي: بشرهم بالجنة.
ومن حذف المفعول قوله: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله أي: كحب الله المؤمنين.
فالمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف.
وإن شئت كان كحب: كحب المؤمنين الله فحذف الفاعل والمضاف إليه مفعول في المعنى.
ويقوي الأول قوله: والذين آمنوا أشد حباً لله.
ومثله: وأقم الصلاة لذكري إن شئت كان التقدير: أقم الصلاة لأذكرك فيكون مضافاً إلى الفاعل.
وإن شئت كان التقدير: لذكرك إياي فيها.
كقوله تعالى: في غطاء عن ذكري أي: عن ذكرهم إياي.
ومثله: ولذكر الله أكبر إن شئت كان التقدير: ولذكركم الله أكبر من كل شيء فحذف الفاعل وأضافه إلى المفعول كما قال: من دعاء الخير أي: من دعائه الخير.
وقال: بسؤالك نعجتك أي: بسؤاله نعجتك.
وقال: رحمة ربك عبده زكريا أي: هذا ذكر الله رحمة عبده فحذف الفاعل وأضاف إلى المفعول وهو الرحمة والرحمة مضاف إلى الفاعل.
ونصب بعضاً به كقوله: كجهر بعضكم لبعض.
وكقوله: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض أي: أن دفع الله الناس فأضاف إلى الفاعل ونصب المفعول به.
ومنه قوله تعالى: الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون أي: من بعد أن غلبهم الفرس يغلبون الفرس فالمصدر مضاف إلى المفعول وقد حذف الفاعل كأن المشركين سرتهم غلبة الفرس الروم فرجع أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله - وأخبره بأنه ذكر للمشركين ذلك وأن بينه وبينهم خطراً والصديق ضرب المدة في ثلاث سنين.
فالنبي - صلى الله عليه وآله - أمره أن يرجع إليهم ويزيد في الأجل وفي الخطر ففعل ذلك.
وقرأها الحسن: وهم من بعد غلبهم سيغلبون مرتباً للمفعول به.
وقرئ: غلبت الروم بفتحتين.
مرتباً للفاعل.
وفسر ابن عمر: غلبت الروم على أدنى ريف الشام.
يعني بالريف: السواد فيكون المصدر - أعني من بعد غلبهم - مضافاً إلى الفاعل أي: من بعد أن غلبوا على الريف.
وهذه القراءة أيضاً مروية عن علي وابن عمر وابن عباس ومعاوية عن قرة.
ومثله: إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي.
أي: عن ذكر ربي فحذف الفاعل وأضاف إلى المفعول يعني به صلاة العصر.
وقال قوم: بل التقدير: عن ذكر ربي إياي حيث أمرني بالصلاة فيكون قد حذف المفعول والمصدر.
ويجوز إضافته إلى الفاعل وينصب به المفعول.
ويجوز حذف المفعول إذا أضيف إلى الفاعل به.
ويجوز إضافته إلى المفعول ورفع الفاعل.
ويجوز في هذا الوجه حذف الفاعل.
ويجوز أن ينون يرفع الفاعل به وينصب المفعول.
ويجوز حذف الفاعل مع التنوين وحذف المفعول مع التنوين.
فمما جاء من ذلك في التنزيل قوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً شيئاً ينتصب برزقاً أي: ما لا يملك لهم أن يرزقوا شيئاً.
فحذف الفاعل ونصب المفعول بالمصدر المنون.
وأما قوله: قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً.
فيجوز أن ينتصب رسولاً بذكراً أي: أنزل الله إليكم بأن ذكر رسولاً.
ويجوز أن ينتصب بفعل مضمر أي: أرسل رسولاً.
ويجوز أن يكون التقدير: أنزل الله إليكم ذا ذكراً رسولاً فحذف المضاف ويكون رسولاً بدلاً منه.
ومن ذلك قوله تعالى: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً أي: أن تطعم يتيماً فنصب يتيماً بإطعام.
وأما قوله تعالى: إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار.
فمن نون احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون ذكري بدلاً من الخالصة تقديره: إنا أخلصناهم بذكر الدار.
ويجوز أن يقدر في قوله: ذكري التنوين فيكون الدار في موضع نصب تقديره: بأن يذكروا الدار أي: يذكرون بالتأهب ويجوز ألا يقدر البدل ولكن تكون الخالصة مصدراً.
فتكون مثل: من دعاء الخير فيكون المعنى: بخالصة تذكير الدار.
ويقوي هذا الوجه: ما روي من قراءة الأعمش: بخالصتهم ذكر الدار فهذا يقوي النصب ويقوي أن من نون خالصة أعملها في ذكرى الدار كأنه: بأن أخلصوا تذكير الدار.
فإذا نونت خالصة احتمل أمرين: أحدهما أن يكون المعنى: بأن خلصت لهم ذكرى الدار فيكون ذكرى في موضع رفع بأنه فاعل.
والآخر أن تقدر المصدر الذي هو خالصة من الإخلاص فحذفت الزيادة كما حذفت من نحو: دلو الدالي ونحوه.
فيكون المعنى: بإخلاص ذكري فيكون في موضع نصب كانتصاب الاسم في: عمرك الله الدار ويجوز أن يعنى بها الآخرة.
والذي يدل على أنه يجوز أن يراد بها الدنيا: قوله تعالى: في الحكاية عن ابراهيم: واجعل لي لسان صدق في الآخرين.
وقوله تعالى:: وجعلنا لهم لسان صدق علياً فاللسان هو القول الحسن والثناء عليه وليس اللسان هنا الجارحة.
وأما جواز كون الدار الآخرة في قوله تعالى: إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار فيكون ذلك بإخلاصهم ذكرى الدار ويكون ذكرهم لها وجل قلوبهم منها ومن حسابها.
كما قال: وهم من الساعة مشفقون وإنما أنت منذر من يخشاها.
فالدار مفعول بها وليست كالوجه الآخر المتقدم.
وأما من أضاف فقال: بخالصة ذكرى الدار فإن الخالصة تكون على ضروب: تكون للذكر وغير الذكر.
فإذا أضيفت إلى ذكرى اختصت الخالصة بهذه الإضافة فتكون الإضافة إلى المفعول به بإخلاصهم ذكرى الدار أي: أخلصوا ذكرها والخوف منها لله.
ويكون على إضافة المصدر الذي هو الخالصة إلى الفاعل تقديره: بأن خلصت لهم ذكرى الدار.
والدار على هذا يحتمل الوجهين اللذين تقدما من كونها للآخرة والدنيا.
وأما المصدر المعرف باللام فإنهم كرهوا إعماله ومع ذلك فقد جاء في التنزيل في موضعين: أحدهما قوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم.
فمن في موضع الرفع من الجهر أي: لا يحب الله أن يجهر بالسوء من القول إلا المظلوم.
والموضع الآخر قوله تعالى: ولايملك الذين تدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق أي: أن يشفع أحد إلا الشاهد بالحق.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك.
إن أضمرت المفعول به كما أضمر في قوله: كلما أضاء لهم مشوا فيه والمعنى: كلما أضاء لهم البرق الطريق مشوا فيه جاز ذلك.
وحذف المفعول وإرادته قد كثر عنهم فلا يكون أن تبوء بإثمي وإثمك على هذا التأويل مراداً ولكن يكون مفعولاً له ويكون المفعول المحذوف كأنه: أنا أريد كفك عن قتلي وامتناعك منه.
ونحو ذا ألا ترى أن معنى هذا أنه يريد الكف والامتناع عن مقاتلته والتقدير: إني أريد كفك عن قتلي كراهة أن تبوء بإثمي وإثمك ولأن تبوء بإثمي وإثمك.
وقال: قتل أخيه أي: قتله أخاه فحذف الفاعل وقال: ويوم القيامة يكفرون بشرككم المصدر فيه مضاف إلى الفاعل.
والمعنى: أنكم أشركتم الآلهة مع الله - سبحانه - وكفرتم كقوله: تبرأنا إليك في نحو آي تشبهها.
وقوله: يحبونهم كحب الله أي: يحبون الأنداد كحب الله فحذف على ما تقدم.
ومثل ذلك ما جاء في التنزيل من قوله تعالى: وذلك جزاء الظالمين وذلك جزاء المحسنين فالمصدر مضاف إلى المفعول وجزى فعل يتعدى إلى مفعولين قال الله تعالى: وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً أي: سكنى جنة.
قال أبو علي في قوله تعالى: إني جزيتهم اليوم بما صبروا أي: جزيتهم بجزاء ما صبروا.
ألا ترى أنهم لا يجزون صبرهم إنما يجزون جزاء صبرهم عما حظر عليهم ونهوا عنه.
وكذلك: اليوم تجزون ما كنتم تعملون أي: جزاء أعمالكم إذ أنهم لا يجزون تلك الأعمال التي عملوها ولكن جزاءها والثواب عليها.
وأما قوله تعالى: وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً فيكون على: وجزاهم بصبرهم سكنى جنة ولباس حرير فيكون على الإلباس والإسكان الجزاء.
وكذلك ماذكر من قوله تعالى: ودانية عليهم ظلالها أي: جزاهم جنة أي: سكنى جنة دانية عليهم ظلالها فيكون في المعنى كقوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة.
تقديره: الذين اتخذوهم قرباناً آلهة.
قربان لفظه مفرد في معنى الجمع كما أريد به التثنية في قوله: إذ قربا قرباناً.
والمعنى: قرب كل واحد منهما قرباناً فحذف المضاف.
يقوي ذلك أن قرباناً جمع أنه قد جمع في قول ابن مقبل: كانت لساسته تهدى قرابيناً فلو كان هذا على الظاهر لثني كما جمع القرابين في قول ابن مقبل وقربان في الأصل مصدر كغفران فمن أفرد حمل على الأصل.
ومن جمع اعتبر اللفظ لأنه صار اسماً وخرج عن المصدرية كقوله: لله در اليوم من لامها ألا ترى أنه قال: هو بمنزلة: لله بلادك.
وأما قوله: سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب فمن مبتدأ الاستفهام و يأتيه الخبر ويخزيه صفة العذاب والعلم معلق مثلها في علمت من في الدار ومن هو كاذب من استفهام أيضاً وهو كاذب مبتدأ وخبر في موضع خبر من.
وليس من موصولة لأنه معطوف على من يأتيه وهو مبتدأ وخبر لأنها علقت العلم والموصولة لا تعلق.
وأما قوله تعالى: قل أروني الذين ألحقتم به شركاء أروني هنا منقولة من رؤية القلب وشركاء المفعول له الثالث.
ويقويه: أروني ماذا خلقوا من الأرض.
فأقام الجملة الاستفهامية مقام المفعولين.
وألحقتم من قوله: ألحق الحاكم الولد بأبيه أي: حكم بذلك والمعنى على ذلك التقدير: دلوني على هذا الذي تدعونه وهو من باب علم القلب.
وإن جعلت أروني من رؤية البصر كان شركاء حالاً أي: أوجدونيهم مشركين أي: في هذه الحال ويكون من رؤية العين لأن الضلال قد يكون اعتقاداً فلا يحس.
وإن جعلته من رؤية البصر جاز لأنه أراد: عبادة الأصنام وذلك مما يحس فيكون شركاء على هذا حالاً.
ويقوي ذلك قوله تعالى: وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض فلم يذكر المفعول الثالث.
ويمكن أن يقال: إنه محذوف أي منا فيكون كذلك حالاً.
ويجوز أن يكون كذلك هو المفعول الثالث.
وأما قوله تعالى: فسوف يعلمون من يأتيه عذاب يخزيه فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار فلا تعلم نفس ما أخفي لهم.
ما فيه استفهام.
فما يدل على ذلك قوله تعالى: فسيعلمون من أضعف ناصراً.
ألا ترى أن ما لا تخلو فيه من أن تكون استفهاماً أو موصولة.
فلو كان صلة لم يخل من ذكر عائد إلى الموصول فلما جاء فسيعلمون من أضعف ناصراً.
فلم يذكر هو دل على أنه استفهام وليس بوصل.
فأما قوله تعالى: فاقض ما أنت قاضٍ تكون الموصولة والعائد قد حذف من اسم الفاعل كما يحذف من الفعل وحذفه من اسم الفاعل لا يكثر كثرة حذفه من الفعل.
ولو جعلت ما استفهاماً معناه الرفع والوضع: مما يقتضيه يريد أن ما يقتضيه ليس في شيء لأنك إنما تقتضي في العاجلة.
ولو جعلت موضع ما نصباً بقاض لكان قولاً.
وأما قوله تعالى: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين فنقول: من قال يرون يحتمل رؤية العين ورؤية القلب فمن قال: هو من رؤية القلب ففي المعنى يتعدى إلى مفعولين فإذا جعلتها المتعدية إلى مفعولين سد مسدهما.
وأن تكون من رؤية العين أولى لأنهم يستنظرون في مشاهدة ذلك والإعراض عنه وترك الاعتبار به وهذا أبلغ في هذا الباب من المتعدية إلى مفعولين ألا ترى أن تارك الاستدلال أعذر من المنصرف عما يشاهد.
ومن قرأ أولا يرون فبنى الفعل للمفعول به كان أن في موضع نصب بأنه مفعول الفعل الذي يتعدى إلى مفعول واحد وذلك أنك تقول: رأى عمرو كذا وتقول: أرأيت عمراً كذا فيتعدى إلى مفعولين بالنقل فإذا بنيت الفعل للمفعول به تعدى إلى مفعول واحد كالدرهم في قولك: أعطى زيد درهماً.
ولا يكون يرون هنا كالتي في قولك: أرى زيداً منطلقاً لأن المعنى: ليس على: يظنون أنهم يفتنون في كل عام إنما المعنى: على أنهم يشاهدون ذلك ويعلمونه علم مشاهدة.
وليس المعنى: أنهم يظنون الفتنة في كل عام لأن الظن في الفتنة ليس بموضع اعتبار وإنما فزعوا على ترك الاعتبار بالمشاهدة وأنهم فهذا وجه قراءة من ضم الياء أن قرئ به.
قوله تعالى: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت.
دخلت اللام في إبراهيم على حد دخولها في: ردف لكم.
ألا ترى أن بوأ يتعدى إلى مفعولين قال: لنبوئنهم من الجنة غرفاً.
وقال: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق.
فيجوز أن يكون المبوأ المفعول الثاني كما أن مكان البيت كذلك كل واحد منهما يجوز أن يكون ظرفاً وأن من قوله: أن لا تشرك بي شيئاً.
يجوز أن يكون بمعنى أي: لأن ما قبلها كلام تام ويجوز أن تكون الناصبة للفعل وصلت بالنهي كما توصل بالأمر.
ويجوز أن يكون تقديره لإبراهيم أي: لمكان إبراهيم أي: مكان دعوته وهو قوله: فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
وأما قوله: أن تبوءا لقومكما فكالتي في قوله: ردف لكم والمفعول الأول كعلامة الضمير في قوله: لنبوئنهم.
ألا ترى أن المطاوع من الأفعال على ضربين: أحدهما: لا يتعدى نحو: انشوى وانتأى في مطاوع له: شويته ونأيته.
والآخر: أن يتعدى كما تعدى ما هو مطاوع له وذلك نحو تعلقته وتقطعته فتعلقته يتعدى كما تعدى علقته وليس فيه أن ينقص مفعول المطاوع عما كان يتعدى إليه ما هو مطاوع له.
فإذا كان كذلك كان اللام على الحد الذي ذكرنا.
ويقوي ذلك قوله تعالى: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت.
فدخلت اللام على غير المطاوع في قوله: أن تبوءا لقومكما.
فأما قوله: مكان البيت فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون ظرفاً.
والآخر: أن يكون مفعولاً ثانياً.
فأما وبوئت في صميم معشرها وتم في قومها مبوؤها فكما أن قوله في صميم معشرها ظرف كذلك يكون مكان البيت.
والمفعول الثاني الذي ذكر في قوله تعالى: لنبوئنهم من الجنة غرفاً لم يذكره في هذه لأن الفعل من باب أعطيت فيجوز ألا يذكر ويقتصر على الأول.
ويجوز أن يكون مكان البيت مفعولاً ثانياً.
وكذلك قوله: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق فيجوز أن يكون: مكاناً مثل مكان البيت والمفعول الثاني فيه محذوف وهو: القرية التي ذكرت في قوله: وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها.
ويجوز أن يكون مصدراً أي: تبوأ صدق.
ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً من وجهين: أحدهما: أن تجعله اسماً غير ظرف.
والآخر: أن تجعله اسماً بعد أن استعملته ظرفاً كما قال: .
وسطها قد تفلقا وفي التنزيل: هم درجات عند الله.
ويجوز فيه وجه ثالث: وهو أن يمتنع فيقرر نصبه بأن كان مصدراً انتصب انتصاب المفعول به.
وقوله: وبوأكم في الأرض فتقديره: بوأكم في الأرض منازل أو بلاداً وانتصاب قوله: بيوتاً على أنه مفعول به وليست بظرف لاختصاصها بالبيوت.
كالغرف في قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفاً.
فأما قوله: نتبوأ من الجنة حيث نشاء فيجوز في قياس قول أبي الحسن أن يكون قوله من الجنة كقولك: نتبوأ الجنة فأما قوله: حيث نشاء فيحتمل أن يكون ظرفاً.
فإذا جعلته ظرفاً كان المفعول الثاني محذوفاً كأنه: نتبوأ الجنة منازلها حيث نشاء.
ويجوز أن يكون حيث نشاء في موضع نصب بأنه المفعول الثاني وبوأته منزلاً من قولك: باء فلان منزلاً أي: لزمه وتعديه إلى مفعولين وإن كنا لا نرى ذلك ولكن يدل على ذلك المباءة وقالوا في المباءة هي المراح تبيت فيه ف المباءة اسم المكان.
فإذا كان اسم المكان: مفعلاً أو مفعلة فالفعل منه قد يكون: فعل يفعل أو يفعل فكأنه: باء المنزل وبوأته أنا المنزل.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: فإن أعطوا منها رضوا أي: فإن أعطوا شيئاً منها رضوا.
وعند الأخفش: إن أعطوها رضوا.
ومن ذلك قوله تعالى: إني أسكنت من ذريتي بواد.
تقديره: أسكنت ناساً أو جماعة من ذريتي.
وعن الأخفش أسكنت ذريتي.
ومن ذلك قوله تعالى: وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى أي: أخفى سره كقوله: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً.
وقيل: بل تقديره: بل أخفى من السر فحذف الجار والمجرور كقوله: الله أكبر أي: أكبر من كل شيء.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا وقيل: التقدير: أتقولون للحق لما جاءكم هذا سحر فحذف الجملة ثم ابتدأ فقال: أسحر هذا فحسن الوقف على جاءكم.
وقيل: هو على التكرير كقولك: أتقول: أعندك مال فيكون تأكيداً لأنك لو قلت: أعندك مال لكفى.
وقيل: يجوز أن يكون حكاية قولهم على التعجب فيكون قوله أسحر هذا مفعول أتقولون حكاية بينهم على التعجب.
وزعم الرازي: لما جاءكم كأنه ذهب إلى قول قاسم: إن التقدير: أتقولون للحق لما جاءكم هذا سحر! فأضمر المفعول ثم استأنف فقال: أسحر هذا.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: أو وزنوهم يخسرون.
التقدير: أو وزنوا لهم ما يوزن يخسرون الموزون فحذف المفعول من أو وزنوهم والمفعولين من يخسرونهم.
فأما قوله تعالى: ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد فمن زيادة عند الأخفش أي: لننزعن كل شيعة والفعل معلق عند يونس نحو: علمت لزيد في الدار لأن النزع هذا يراد به التمييز.
وقال الخليل: هو رفع على الحكاية على تقدير: من يقال له: أيهم.
وقال سيبويه: هو نصب مفعول لننزعن لكنه بني على الضم على تقدير: أيهم هو أشد.
وقد ذكرنا وجه كل قول في الخلاف.
وأما قوله تعالى: والذين تبوءوا الدار والإيمان فيكون على: تبوءوا دار الهجرة واعتقدوا الإيمان لأن الإيمان ليس بمكان فيتبوأ فيكون كقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم.
ويجوز على: تبوءوا الدار مواضع الإيمان.
ويجوز أن يكون: تبوءوا الإيمان على طريق المثل كما قال: تبوأ من بني فلان الصميم.
وحذف المفعول كثير جداً.
وأما قوله تعالى: له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء.
فيجوز أن يكون التقدير: والذين تدعونهم فحذف العائد إلى الذين ويعني به الأصنام والضمير في تدعون للمشركين أي: الأصنام الذين يدعوهم المشركون من دون الله لا تستجيب لهم الأصنام بشيء.
ويجوز أن يكون التقدير: والمشركون الذين يدعون الأصنام فحذف المفعول والعائد إلى الذين الواو في تدعون.
وأما قوله تعالى: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه أي: إلا كاستجابة باسط كفيه إلى الماء فالمصدر المحذوف المشبه به في تقدير الإضافة إلى المفعول به وفاعل المصدر مراد في المعنى وهو: الماء.
المعنى: كاستجابة باسط كفيه إلى الماء الماء كما أن معنى: بسؤالك نعجتك ومن دعاء الخير لم يذكر معهما الفاعل فكذلك هاهنا.
واللام متعلق بالبسط.
وأما قوله تعالى: وما هو ببالغه فيأتيك في اختلافهم في عود الضمير إلى ما قبله وهو باب مفرد.
وأما قوله تعالى: أولئك الذين يدعون يبتغون فيجوز فيه التقديران المتقدمان.
يجوز: أولئك الذين يدعونهم يبتغون فحذف العائد.
ويجوز أن يكون التقدير: أولئك المشركون الذين يدعون غير الله يبتغون إلى ربهم الوسيلة.
وحذف العائد من الصلة إلى الموصول أكثر من أن أحصيه لك في التنزيل.
قال: أهذا الذي بعث الله رسولاً أي: بعثه الله ولم يأت في الصلة الهاء في التنزل إلا في مواضع معدودة منها: قوله تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يتلونه وبعده: يعرفونه في موضعين من البقرة.
وقال الله تعالى: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان.
وقال: الذين آتيناهم الكتاب في سورة الأنعام.
وقال: كالذي استهوته الشياطين في الأرض.
وقال: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا.
وقال: والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق.
وقال: والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك من ربك.
وقال: أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة في الأنعام أيضاً.
وقال: وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به فهذه مواضع جاء فيها العوائد إلى الموصولات وهي مفعولات وأمكن حصرها ولا يمكن حصر ما حذف لكثرته.
فأما ما اتصل به الجار فإنه قد جاء محذوفاً في موضعين: أحدهما قوله: وخضتم كالذي خاضوا أي: خاضوا فيه.
وقال: ذلك الذي يبشر الله عباده التقدير: ذلك الذي يبشر الله به فحذف الباء ثم الهاء.
ويحكى عن يونس أنه أجرى الذي في الآيتين مجرى ما فجعله في حكم المصدر على تقدير: وخضتم كخوضهم و: ذلك تبشير الله عباده.
كقوله تعالى: سلام عليكم بما صبرتم أي: بصبركم.
وقال: كما نسوا لقاء يومهم هذا أي: نسيانهم.
وغير ذلك.
وأما قوله: فاصدع بما تؤمر ويا أبت افعل ما تؤمر.
فقد ذكرنا أن التقدير: بما تؤمر به أي بما تؤمر بالصدع به.
وقد شرحناه في باب حذف المضاف.
وقوله تعالى: بما عهد عندك أي: بما عهد به عندك فحذف به إن جعلت ما موصولة.
ومن ذلك قوله تعالى: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء.
المعنى: لا تغني شفاعتهم أن لو يشفعوا ليس أن هناك شفاعة مثبتة.
فأطلق على المعنى الاسم وإن لم يحذف كما قال: لما تذكرت بالديرين أرقني صوت الدجاج وقرع بالنواقيس والمعنى: انتظار أصواتها.
فأوقع عليه الاسم ولما يكن فإضافة الشفاعة إليهم كإضافة الصوت إليها.
وقوله: لمن يشاء ويرضى أي: لمن يشاء شفاعته على إضافة المصدر إلى المفعول به الذي هو مشفوع له ثم حذف المضاف فصار: لمن يشاؤه أي: يشاء شفاعته ثم حذف الهاء كما أن يرضى تقديره يرضاه.
ومن ذلك قوله تعالى: أفرأيتم اللات والعزى.
أفرأيتم بمنزلة أخبروني.
واللات المفعول الأول.
ولكم سد مسد الثاني.
والمعنى: أرأيتم أن جعلتم اللات والعزى بناتاً لله ألكم الذكر فإن قلت: فقد نص على أن الموصول لا يحذف فكيف ساغ هذا قيل: هذا جائز لأن المعنى قد تكرر وهو معلوم ودل على حذفه ألكم الذكر.
ومن ذلك قوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً أي: جعلها الله لكم قياماً أي: ذا قوم معايشكم ومعايش سفهائكم.
فعلى هذا جعل بمعنى صير فحذف المفعول الأول وهو الهاء والمفعول الثاني المصدر الذي هو بمعنى القوام.
وقيل: يعني الأموال التي جعلتم قواماً عليها وحفظة لها على السفهاء.
فعلى هذا قياماً جمع قائم وهو في معنى الحال والمفعول مضمر أي: جعلها لكم قياماً على هذا أي: لسفهائكم كما أن أموالكم في أحد التأويلين: أموال سفهائكم فحذف والذكر إلى الموصول كان مجروراً بعلى فحذف كما حذف: كالذي كانوا عليه أي: جعلكم الله قواماً لسفهائكم قياماً عليها.
قوله تعالى: وفي السماء رزقكم وما توعدون في السماء أي: في كتاب لقوله: وعنده أم الكتاب وما توعدون أي: توعدونه من الثواب والعقاب لأن هذا اللفظ قد وقع عليهما بالثواب قوله: هذا ما توعدون ليوم الحساب وهذا ما توعدون لكل أواب.
قوله: وفجرنا الأرض عيوناً فجر فعل يتعدى إلى مفعول واحد.
قال الله: وفجرنا خلالهما نهراً فالعيون يحتمل انتصابها على وجهين: أحدهما: أن يكون بدلاً من الأرض على حد: ضرب زيد رأسه لأن العيون بعض الأرض.
أو يريد: فجرناها بعيون فحذف الجار ولا يكون حالاً لأنه ينبغي أن يكون ذا الحال والعيون لا تكون كل الأرض.
ويجوز أن يقدر: ذات عيون على حذف المضاف.
ومن هذا الباب قوله تعالى: وجد عليه أمة من الناس يسقون.
أي: يسقون مواشيهم.
ووجد من دونهم امرأتين تذودان.
أي: تذودان مواشيهم.
قال ما خطبكما قالتا لا نسقي.
أي: لا نسقي مواشينا حتى يصدر الرعاء.
أي: يصدروا مواشيهم فيمن ضم الياء.
ومن هذا الباب قوله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن.
فتنة مفعول ثان والشجرة معطوفة على الرؤيا ومفعولها الثاني مكتفى منه بالمفعول الثاني الذي هو الفتنة والرؤيا ليلة الإسراء والشجرة: الزقوم.
والفتنة أنهم قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تأكل الشجرة.
ومن ذلك قوله تعالى: فاضربوا فوق الأعناق.
يحتمل أمرين: أحدهما: يكون: مكاناً فوق الأعناق فحذف المفعول وأقيمت الصفة مقام الموصوف وفيها ذكر منه.
ويجوز أن يجعل المفعول محذوفاً أي: فاضربوا فوق الأعناق الرؤوس فحذفت.
والآخر: أن تجعل فوق مفعولاً على السعة لأنه قد جاء اسماً نحو ومن فوقهم غواشٍ.
وقالوا: فوقك رأسك فتجعل فوق على هذا مفعولاً به ويقوي ذلك عطف البيان عليه كأنه قال: اضربوا الرأس واضربوا كل بنان.
وقال: فإن كن نساء فوق اثنتين كأن المعنى: ارتفعن على هذه العدة أي: زدن عليها وكأن الآية علم منها الزائدات على اثنتين وعلم حكم الاثنتين وأنهما ترثان الثلثين كما ترث الثلثين الزائدات على الاثنتين من أمر آخر من توقيف وإجماع عنه.
وأما قوله تعالى: وهو القاهر فوق عباده يكون فوق ظرفاً ويكون حالاً فإذا كان ظرفاً كان كقوله: والله غالب على أمره ويعلق بالظاهر.
ويجوز أن يكون ظرفاً حالاً فيه ذكر مما في اسم الفاعل ولا يجوز أن يكون فيه ذكر من الألف واللام.
ويجوز في قال سيبويه: وتقول: أخذتنا بالجود.
قوله: امتنع فوق من الحمل على الباء وإن كانت من تدخل عليها كما امتنعت عند من ذلك أي: من مع ذلك ولهذا امتنعت لا لأن الجود ليس فوقه مطر ألا ترى أن الوابل فوق الجود قال: إن دوموا جادوا وإن جادوا وبل ومعنى هذا الكلام: أخذتنا السماء بالجود من المطر وبمطر فوق الجود.
لأن العرب لا تكاد تدخل الباء على فوق لا يقولون: أخذتنا بفوق الجود.
وإنما يقولون: أخذتنا بمطر فوق الجود ولو جررت جاز وليس الاختيار.
ومن ذلك قوله تعالى: فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً.
أي: كيف تتقون عذاب يوم أو جزاء يوم فاليوم على هذا اسم لا ظرف.
ومن هذا الباب قوله تعالى: ولا يحض على طعام المسكين.
من أجرى الطعام مجرى الإطعام كما حكاه البغداديون: عجبت من طعامك طعامنا كان المصدر مضافاً إلى المفعول والفاعل محذوف أي: من إطعامه المسكين وأصله: على طعام المطعم المسكين.
ومن لم يعمل الطعام عمل الفعل كان الطعام عنده عيناً كقوله: ويطعمون الطعام على حبه تقديره عنده: على إطعام طعام المسكين لا يكون إلا كذلك لأن الحض لا يقع على العين والطعام على هذا منصوب الموضع بالإطعام المراد وإضافة الطعام على هذا إلى المسكين هو للملابسة بينهما.
ومن ذلك قوله تعالى: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني.
التقدير: ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب بنيه.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد أي: غير باغ الميتة قصداً إليها أي: لا يطلبها تلذذاً بها واقتضاء لشهوة ولا يعدو حد ما يسد به رمقه فحذف المفعولين من باغ وعاد.
والتقدير: فمن اضطر فأكل الميتة غير باغيها ولا طالبها تلذذاً بها فانتصاب قوله: غير باغ على الحال من الضمير الذي في أكل المضمر لدلالة الكلام عليه.
ألا ترى أن المنصوب يقتضي الناصب.
وفي الآية إضمار الجملة وإضمار المفعولين.
فإن قلت: فلم لا تجعل غير باغ حالاً من الضمير في اضطر دون الضمير في أكل فإن الآية سيقت في تحريم أكل الميتة.
ألا ترى أن قبل الآية: إنما حرم عليكم الميتة ثم عقب التحريم بقوله: فمن اضطر فوجب أن يكون التقدير: فأكل غير باغ بها.
وإذا لم تحمله على أكل وحملته على اضطر لم يكن لقوله باغ مفعول وباغ متعد.
ألا ترى قوله: تبغونها عوجاً والتقدير: تبغون لها عوجاً.
فإن قيل: لا يكون باغ هاهنا بمعنى الطالب وإنما يكون من قوله: إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم.
فيكون التقدير في الآية: فمن اضطر غير باغ على الإمام ولا عاد على الأمة بقطع الطريق.
قلنا: أنك في هذا القول أضمر الجار والمجرور ونحن أضمرنا المفعول وكلاهما وإن جاء في التنزيل فإضمار المفعول أحسن لأنه أقرب وأقل إضماراً على أن الآية في ذكر الميتة وليس من ذكر الإمام والأمة في شيء.
وأبداً إنما يليق الإضمار بما تقدم في الكلام حتى يعود إليه ولا يضمر شيء لم يجر ذكره والآية متعلقة به فجميع ما جاء في التنزيل من قوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد إنما جاء عقيب ذكر الميتة وتحريم أكلها ولم يأت في موضع بعد حديث الإمام والأمة فما بال العدول عن نسق الآية إلى إدخال شيء في الكلام وإضماره ولم يجر له ذكر فانتصاب غير إنما هو على الحال من الضمير في أكل لا في اضطر.
فإن قلت: فهل يجوز حذف الصلة وإبقاء الموصول والصلة بعض الموصول ولا يجوز حذف بعض الاسم فإذا أضمرتم أكل فهو داخل في صلة من فما وجه ذلك قلنا: إن من وصلت بفعلين: أحدهما اضطر والآخر أكل فإذا ذكر اضطر وذكر ما انتصب عن فاعل أكل كان أكل كالمذكور الثابت في اللفظ إذ المنصوب لا بد له من الناصب.
وإذا ذكرت اضطر وجعلت غير باغ حالاً من الضمير فيه ثم أضمرت بعده أكل كنت أضمرت شيئاً يستغنى عنه في الصلة لأن الموصول قد تم بالفعل وما يقتضيه ولم تذكر معمولاً يحتاج إلى عامل وكنت كأنك أضمرت شيئاً فاضلاً.
فالأحسن أن تضمر الفعل بجنب الفعل ويصرف الحال إلى الضمير في الفعل المضمر دون الفعل الظاهر وإضمار أكل على الحد الذي أضمرنا يقتضيه نصب غير باغ وتعليق الغفران به
وعلى الحد الذي يقوله السائل يضمره لتعلق الغفران به دون تعليق الحال به.
وهكذا القول في: فمن فانتصاب غير إنما هو من فاعل أكل وفيه قولان: أحدهما: أن يأكل ما حرم عليه مما قدم ذكره من غير ضرورة.
والثاني: ألا يتجاوز في الضرورة ما أمسك الرمق ولا ينتهي إلى حد الشبع.
ويجوز على القول الأول أن ينتهي إلى حد الشبع.
فإن قيل: إذا كان هذا الأكل مباحاً فلماذا عقبه قوله: فإن الله غفور رحيم ولا معصية هناك فجوابنا أن المراد به أنه غفور إن وقع في هذه الرخصة ضرب من التجاوز لأن ذلك من حيث رخص في ذلك عند الشدة.
ومن ذلك قوله تعالى: وما أكل السبع أي: ما أكله السبع أي: أكل بعضه فحذف المضاف المفعول.
ومن ذلك قوله تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات أي: والسموات غير السموات
ومثله ما روى من قوله عليه السلام: ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده أي: ولا ذو عهد في عهده بكافر.
ونحو ذلك مما يذكر على تكرير المفعول فيه وحذفه لتقدم ذكره فيما تقدم من الكلام.
ومن حذف الفاعل وإضافة المصدر إلى المفعول قوله تعالى: يخشون الناس كخشية الله أي: كخشيتهم من الله.
وقوله: يهبط من خشية الله.
وأما قوله: وعنده علم الساعة فالساعة مفعول به حقيقة وليس على الاتساع وجعل الظرف مفعولاً على السعة.
ألا ترى أن الظرف إذا جعل مفعولاً على السعة فمعناه: متسعاً فيه بمعنى الظرف.
وإذا كان كذلك كان المعنى: يعلم الساعة وليس ذلك بالسهل لأنه سبحانه يعلم على كل حال وإنما معنى يعلم الساعة أي: وإذا كان كذلك فمن نصب وقيله كان حملاً له على المعنى وموضع الساعة منصوب في المعنى لأنه مفعول بها.
وقيل: إن قيله منتصب بالعطف على قوله: لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله.
قال أبو علي: ووجه الجر في قوله وقيله على قوله: وعنده علم الساعة أي: يعلم الساعة ويصدق بها ويعلم قيله.
ومعنى يعلم قيله أي: يعلم أن الدعاء مندوب إليه نحو قوله: ادعوني استجب لكم.
وادعوا ربكم تضرعاً وخفية.
قلت: في قول أبي علي هذا فيه نظر لأن الضمير في قوله: وعنده علم الساعة يعود إلى الله سبحانه هو العالم بوقت حلولها.
وإنما التقدير: وعنده علم وقت الساعة ولا يتوجه على هذا عطف وقيله على موضع الساعة على معنى ما قال أبو علي ويعلم قيله.
أي: يعلم أن الدعاء مندوب إليه لأن هذا مما لا شبه به أن يكون من صفة الرسول وبعد أن يعلم المصدر الذي هو قيل مضاف إلى الهاء وهي مفعولة في المعنى لا فاعلة أي وعنده علم أن يقال: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون والمصدر هنا مضاف إلى المفعول لا إلى الفاعل.
وإنما هو من باب قوله: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه أي: بسؤاله إياك نعجتك لا بد من هذا التقدير.
ألا ترى أنه لا يجوز أن تقدره على أنه: وعنده علم أن يقول الله: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون لأن هذا إنما يقال لله تعالى دون أن يكون هو سبحانه يقول: يا رب إن هؤلاء كذا فتم الكلام على يؤمنون.
وأحسن من جميع ما ذكره أبو علي: أن يكون نصب قيل بالعطف على مفعول يعلمون.
والتقدير: وهم يعلمون الحق وقيله أي قول الحق أو قول محمد عليه السلام والمراد بقيله: شكواه إلى ربه.
ويجوز أن يكون ينتصب قيله بفعل مضمر أي: قال قيله وشكواه.
ومن ذلك قوله تعالى: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى.
أي: أخذ ربك القرى إذا أخذ القرى إن أخذه القرى أليم شديد فحذف المفعولين في الموضعين.
ومن ذلك قوله تعالى: إني أحببت حب الخير إذا جعلته من الإحباب الذي هو إرادة فإن الحب في القياس كان ينبغي أن يكون الإحباب ولكن المصدر حذف منه كما حذف من عمرك الله وكما حذف في قوله: وإن يهلك فذلك كان قدري أي: بقدري.
وكما قال: أبغضت قوماً يريد قياماً.
وأضاف المصدر إلى المفعول وإن كان محذوفاً كما نصب الاسم في عمرك الله وأضافه إلى المفعول وإن كان محذوفاً منه وكما قال: وبعد عطائك المائة الرتاعا أي: إعطائك واستغنى بإضافة المصدر إلى المفعول عن إعمال الفعل الذي هو أحببت فيه.
لأن المفعول قد يحذف من الكلام إذا قامت عليه دلالة في مواضع.
ومن حمل أحببت على البروك من قوله: فإن حب الخير ينبغي أن ينتصب على أنه مفعول له قوله تعالى: فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوىً.
فانتصاب مكان على أحد أمرين: إما أن تنصبه بموعد على: موعد مكاناً.
أي: تعدنا مكاناً مثل: مغار ابن همام على حي خثعما والآخر: أن يكون مفعولاً ثانياً لجعلت على أن يكون على الكلام قبل دخول جعل: موعدك مكاناً سوى كما تقول: موعدك باب الأمير وكما قرئ: موعدكم يوم الزينة فيجعل الموعد الباب واليوم المكان على الاتساع وتدخل جعلت عليه كما دخلت في قوله تعالى: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرجمن إناثاً.
وأن تحمله على جعلت أوجه لأن الموعد قد وصف وإذا وصف لم يسغ أن يعمل عمل الفعل.
ألا ترى أنه لم يستحسن: هذا ضارب ظريف زيداً ولا يكون مكاناً سوى محمولاً على نخلفه لأنه ليس المعنى: لا نخلف الموعد في مكان عدل ووسط بيننا وبينكم إنما المعنى: تواعدوا مكاناً وسطاً بيننا لنحضره جميعاً.
ومن ذلك قوله تعالى: وإنه لذو علم لما علمناه العامل في اللام المصدر الذي هو العلم ونحمله على ضربين: أحدهما: أن يكون مفعولاً له.
والآخر: أن يكون مثل: ردف لكم.
والمعنى أنه يعلم ما علمناه أي: لم ينسه ولكن تمسك به فلم يضيعه.
وقال: وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله لا يجوز أن يكون ما نفياً.
ألا ترى أن من نابذهم أصحاب الكهف وخرجوا عنهم كانوا كفاراً فإذا حملت ما على النفي كان عكس المعنى فإذا لم يجز أن يكون ما نفياً مع القراءة بالياء احتمل وجهين: أحدهما: أن يكون بمعنى الذي كأنه: وإذ اعتزلتموهم والذين يعبدونه من دون الله وذلك آلهة كانوا اتخذوها.
يدلك على ذلك قوله: هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة.
ويقوي ذلك قوله تعالى: واعتزلكم وما تدعون من دون الله في قصة إبراهيم وكانوا قد اتخذوا أيضاً آلهة.
ويجوز أن تكون ما مصدرية على تقدير: وإذ اعتزلتموهم وعبادتهم إلا عبادة الله فيكون الاستثناء منقطعاً والمضاف محذوفاً وما منصوب المحل بالعطف على المفعول.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: فلما آتاهم من فضله بخلوا به أي: فلما آتاهم ما تمنوا.
ومثله: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد أي: لمن نريد تعجيله له والهاء في تعجيله يعود إلى ما نشاء والتي في له تعود إلى الموصول.
وليس هذا على حد: الذي مررت زيد وأنت تريد: الذي مررت به فيمكن أن يكون على حد: من تنزل عليه أنزل.
ألا ترى أن اللام الجارة والتعجيل قد جرى ذكرهما وما حذف على هذا النحو كان في حكم المثبت فأما اللام في لمن نريد فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون المعنى: هذا التعجيل لمن نريد ليس لكل أحد كقوله تعالى: ومن تأخر في يومين فلا إثم عليه لمن اتقى.
أي: هذه التوسعة لمن اتقى ما أمر أن يتقيه.
والآخر: أن يكون بدلاً من اللام الأولى التي في قوله: عجلنا له كأنه عجلنا لمن نريد ما نشاء فيكون ما نشاء منتصباً بعجلنا.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: ومن آبائهم وذرياتهم.
أي: ووهبنا لهم من ذرياتهم فرقاً مهتدين لأن الاجتباء يقع على من كان مهتدياً.
وأما قوله تعالى: وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون.
الضمير الذي بعد الضمير المرفوع في كالوا منصوب وليس بمرفوع على أن يكون وصفاً للمضمر لأن المعنى ليس عليه.
وذلك أن المراد: أنهم إذا قبضوا من الناس استوفوا منهم المكيال وإذا دفعوا إليهم بخسوهم فمن هنا استحقوا الوعيد في التطفيف وإنما هو على: كلتك ووزنتك.
فالمعنى: إذا قبضوا من الناس استوفوا وإذا أقبضوا الناس لم يوفوهم فهذا موضع ذمهم والمكان الذي استحقوا منه الوعيد.
والتقدير: وإذا كالوا الناس أو وزنوهم أخسروهم مكيلهم وموزونهم فيخسرون يراد تعديته إلى مفعولين وحذف المفعولين يدلك على ذلك أن خسر يتعدى إلى مفعول بدلالة قوله تعالى: خسر الدنيا والآخرة فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين تقول: أخسرت زيداً ماله فتعديه إلى مفعولين وهو من باب أعطيت فكذلك أريد المفعولان في قوله: يخسرون فحذف المفعولان كما حذف فيما يتعدى إلى مفعولين الثاني منه هو الأول في المعنى كقوله: كنتم تزعمون وقوله: فهو يرى.
ومن حذف المفعول قوله: بما حفظ الله.
أي: بما حفظهن الله.
وقد قرئ بالنصب.
قال الفراء: وتقدير هذا: بالذي حفظ أمر الله نحو قوله: لا تقربوا الزنى.
وقوله: محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان.
ولست أشتهي النصب لأنه مصدر وليس يقصد شيئاً فأما إذا كان مصدراً خلا الفعل من الفاعل لأنه حرف عندهم ذهبوا فيه إلى قول سيبويه ولكن إذا نصب جعل ما بمنزلة الذي.
قوله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
استدل مستدل على أن الحركات ترى لأنه لم يتعد رأيت إلا إلى مفعول واحد.
فلولا أن معناها الرؤية التي هي حس البصر لتعدى إلى مفعول ثان.
فالقول عندنا: إن الذي ذهب إليه ليس له دلالة فيه على ما ذكر لغير شيء: أحدهما: أن سيرى من قوله: فسيرى الله عملكم ورسوله لا يراد به الحس لأن من أعمالهم ما لا يحس بالأبصار نحو الآراء و الاعتقادات.
ولأن المعنى في فسيرى الله أنهم يجازون على أعمالهم جزاء هو ثواب أو عقاب كما يعرف عريف الجيش من هو عليهم بحلالهم وصفاتهم.
وعلى هذا تقول لمن توعد: قد علمت ما صنعت لا تريد أن تفيده أنك فهمته ولكن توعده وتهدده بالجزاء عليه.
وكذلك قوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره أي: يرى الجزاء عليه وليس يراد به الرؤية التي هي إدراك البصر ألا ترى أن في الجزاء وفي الثواب أو العقاب ما لم يعلم بإدراك البصر
ومثله قوله تعالى: أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم أي: يجازيهم عليه.
وكذلك قراءة من قرأ: فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض.
أي: جازى على بعض وهو إفشاء السر.
الذي كان أسره - عليه السلام - إلى بعض أزواجه وأعرض عن بعض ما أغضى عنه ولم يخبر به.
وليس المعنى على أنه عرف ذلك عرفاناً ألا ترى أنه - عليه السلام - عرف جميع ما أسره ولا يجوز أن يكون عرف بعضاً ولم يعرف بعضاً.
فكما أن هذه الآي على الجزاء فكذلك: فسيرى الله عملكم ورسوله.
وجزاء الرسول هو دعاؤه لهم أو عليهم وتزكيته إياهم بذلك أو لعنه لهم وجزاء المسلمين هو الولاية أو البراءة.
ومن ذلك قوله تعالى: فلما جاوزا أي: مكان الحوت فحذف المفعول.
قوله: فأتبع سبباً ثم أتبع سبباً فالقول في ذلك أن تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين.
يدلك على ذلك قوله تعالى: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة.
لما بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما أتبع فافتعل يتعدى إلى مفعول واحد كما تعدى فعل إليه مثل: شويته واشتويته وحفرته واحتفرته وجرحته واجترحته.
وفي التنزيل: اجترحوا السيئات.
وفيه: ويعلم ما جرحتم بالنهار.
وكذلك: فديته وافتديته وهذا كثير.
وأما قوله تعالى: فأتبعوهم مشرقين فتقديره: فأتبعوهم جنودهم فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله: لينذر بأساً شديداً من لدنه ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولاً.
المعنى: لا يفقهون أحداً ولينذر الناس بأساً شديداً.
وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم أي: عذابه أو حسابه.
فقوله: فأتبع سبباً إنما هو افتعل الذي للمطاوعة فيعدى إلى مفعول واحد كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين واتبعك الأرذلون.
وأما قوله تعالى: فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً.
فتقديره: أتبعهم فرعون طلبته إياهم أو تتبعه لهم.
كذلك فأتبعه شهاب مبين.
المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق أو المنع من استراق السمع.
وقوله تعالى: واتبع الذين ظلموا.
مطاوع تبع يتعدى إلى مفعول واحد ومثله.
واتبعك الأرذلون.
ومن قرأ فأتبع سبباً أي: أتبع سبباً سبباً أو أتبع أمره سبباً أو أتبع ما هو عليه سبباً.
وقوله: فأتبعهم فرعون بجنوده فقد يكون الباء زيادة أي: أتبعهم جنوده وقد يكون الباء للحال أي: أتبعهم عقوبته ومعه جنوده.
قوله: من يضلل الله فلا هادي له هدى فعل يتعدى إلى مفعولين يتعدى إلى الثاني منهما بأحد حرفي الجر: إلى واللام.
فمن تعديه بإلى قوله: فاهدوهم إلى صراط الجحيم واهدنا إلى سواء الصراط.
ومن تعديه باللام قوله تعالى: الحمد لله الذي هدانا لهذا.
وقوله: قل الله يهدي للحق.
فهذا الفعل بتعديه مرة باللام وأخرى بإلى مثل: أوحى في قوله: وأوحى ربك إلى النحل وقوله: بأن ربك أوحى لها.
وقد يحذف الحرف في قولك من قولهم: هديته لكذا وإلى كذا فيصل الفعل إلى المفعول الثاني كما قال: اهدنا الصراط المستقيم أي: دلنا عليه واسلك بنا فيه فكأنه سؤال واستنجاز لما وعدوا به.
وقوله: يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام أي: سبل دار السلام بدلالة قوله: لهم دار السلام عند ربهم.
ومن ذلك قوله: ثم ائتوا صفاً أي: ثم ائتوني صفاً إن جعلت صفاً حالاً أضمرت المفعول ويجوز أن تجعل الصف مفعولاً به.
ومن ذلك قوله تعالى: إما أن تلقي وإما أن نكون أي: إما أن تلقي العصا وإما أن نكون أول من ألقى ما معه.
قال: بل ألقوا.
أي: ألقوا ما معكم.
ومثل هذا كثير يتسع على العاد الخرق اتساعه على الراقع.
ومن ذلك قوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى.
قال كعب: ألف قصر في الجنة كل قصر مخلوق من در واحد.
فترضى أفترضى بالعطاء عن المعطي قال: بلى ألم يجدك يتيماً فآوى أي: فآواك.
ووجدك ضالاً عن الطريق فهدى أي: فهداك ووجدك عائلاً فأغنى أي: فأغناك كما قال: أغنى وأقنى وأضحك وأبكى وأمات وأحيا.
فحذف المفعول فيهن كلهن.
لا أعبد ما تعبدون أي: تعبدونه ولا أنتم عابدون ما أعبد أي: ما أعبده وكذلك: ما عبدتم أي: ما عبدتموه.
فسبح بحمد ربك أي: فسبحه.
ومن ذلك قوله تعالى: ولقد فتنا سليمن وألقينا على كرسيه جسداً.
التقدير: وألقيناه على كرسيه جسداً ذا جسد.
أي: مريضاً فقوله: جسداً في موضع الحال والمفعول محذوف.
وقال قوم بخلاف هذا وجعلوا جسداً مفعولاً به وإنه ما أقعد مكانه جسد آخر في قصة يذكرونها طويلة.
ومن ذلك قوله: وأوتيت من كل شيء أي: أوتيت من كل شيء شيئاً وعليه قوله: فغشاها ما غشى.
أي: ما غشاها إياه فحذف المفعولين جميعاً.
ومن ذلك قوله تعالى: والبدن جعلناها لكم من شعائر الله فجعل هنا من أخوات ظننت وقد قالوا: زيداً ظننته منطلقاً فلما أضمرت الفعل فسرته بقولك ظننته وحذفت المفعول الثاني من الفعل الأول المقدر اكتفاء بالمفعول الثاني الظاهر في الفعل الآخر وكذلك بقية أخوات ظننت.
ومن ذلك قوله تعالى: ودع أذاهم والتقدير: دع الخوف من أذاهم.
حذف المفعول والجار كقوله: لينذر بأساً شديداً.
ومن ذلك قوله تعالى: فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا.
قيل: التقدير: آتنا ما نريد في الدنيا فحذف المفعول الثاني.
وقيل: في زائدة أي: أتنا الدنيا.
ومن ذلك قوله تعالى: إلا بلاغاً من الله ورسالاته.
يجوز أن يكون المراد بالبلاغ ما بلغ النبي - صلى الله عليه وعلى آله - عن الله وآتاه.
والمعنى: لا يجيرني إلا أن أعمل بما آتاني.
وهو قوله: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها.
ويجوز أن يكون المراد بالبلاغ ما يبلغ به عن الله إلى خلقه كما قال: إن عليك إلا البلاغ أي: أن تبلغ ما أمرت في أداء الرسالة.
فعلى الأول: يكون ورسالاته جراً عطفاً على لفظة الله.
وعلى الثاني: يكون نصباً عطفاً على المفعول المحذوف الذي يقتضيه بلاغ فكأنه قال: إلا أن أبلغ من الله ما يحب هو أن يعرف وتعتقد صفاته.
فأما قوله: والذين هم للزكاة فاعلون.
أي: يفعلون ويعملون بالطاعة لأجل طهارة النفس عن المعاصي كقوله: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وقد أفلح من زكاها.
ومن حذف المفعول قوله: على أن نبدل أمثالكم أي: على أن يبدلكم بأمثالكم وعلى أن نبدل خيراً منهم التقدير: على أن نبدلهم بخير منهم كقوله: لينذر بأساً شديداً من لدنه.
وأما قوله: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا.
فالتقدير: تذكروا اسم الله فحذف.
وقال: لمن أراد أن يذكر أي: نعم الله ويفكر ليدرك العلم بقدرته ويستدل على توحيده.
وتخفيف حمزة على: أنه يذكر ما نسيه في أحد هذين الوقتين في الوقت الآخر.
ويجوز أن يكون: على أن يذكر تنزيه الله وتسبيحه.
وأما قوله تعالى: فمن شاء ذكره.
فروي عن الحسن: كلا إنها تذكرة قال: القرآن.
وأما قوله: فمن شاء ذكره فتقديره: إن ذلك ميس له.
كما قال: ولقد يسرنا القرآن للذكر.
أي: لأن يحفظ ويدرس فيؤمن عليه التحريف والتبديل الذي جاز على غيره من الكتب.
لتيسيره للحفظ وكثرة الدرس له وخروجه بذلك عن الحد الذي يجوز معه كذلك له والتغيير أي: من شاء الله ذكره أي ذكر القرآن.
وقال الله تعالى: فمن خاف من موص جنفاً أي: خاف ظهور الجنف.
وقال: وما أكل السبع إلا ما ذكيتم.
أي: وما أكل السبع بعضه فحذف.
ومن ذلك قوله تعالى: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك.
أي: أرسلنا رسلاً.
ومن ذلك قوله: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون مفعول يشعركم محذوف أي: ما يشعركم إيمانكم وما ليست بنافية لأنها تبقي يشعركم بلا فاعل ولا يكون ضمير الله تعالى لأنه أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله: ما كانوا ليؤمنوا.
ومن حذف المفعول قوله تعالى: وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة.
وقال: الظرف متعلق بمحذوف وهو مفعول ثان للظن أي: ما ظنهم في الدنيا حالهم يوم القيامة وما استفهام.
وقال في موضع آخر يوم القيامة متعلق بالظن الذي هو خبر المبتدأ الذي هو ما.
ألا ترى أنه لا يجوز أن يتعلق بالكذب ولا يفترون لأن ذلك لا يكون في الآخرة كأنه: ما ظنهم: أشدة العذاب أم التجاوز عنهم ومن ذلك قوله تعالى: وآتاكم من كل ما سألتموه.
قال الأخفش: التقدير: من كل شيء سألتموه فحذفه وأضمره كما قال: وأوتيت من كل شيء أي: من كل شيء في زمانها.
وقال الكلبي: من كل ما سألتموه وما لم تسألوه.
وقال قوم: هذا من العام الذي يراد به الخاص.
قال سيبويه: جاءني أهل الدنيا وعسى أن يكون قد جاء خمسة منهم وقيل: وآتاكم من كل ما سألتموه لو سألتموه.
ومن ذلك قوله تعالى: لا يكادون يفقهون قولاً فيمن ضم الياء.
أي: من يخاطبونه شيئاً فحذف أحد المفعولين وقيل: لا يفقهون غير لسانهم إياهم ولو لم يفقهوا غيرهم شيئاً لما صح أن يقولوا ويفهموا.
ومن ذلك قوله تعالى: ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا.
انتصاب لسان بالفعل الثاني دون الأول عنده.
وعلى قول الأخفش: من رحمتنا من زائدة.
وأما قوله تعالى: كطي السجل للكتب.
قيل: السجل اسم ملك وقيل: اسم رجل كاتب فيكون المصدر مضافاً إلى الفاعل واللام مثلها في ردف لكم.
وقيل السجل: الصحيفة تطوى على ما فيها من الكتابة والمصدر مضاف إلى المفعول.
أي: كما يطوى السجل على الكتاب.
وقد رواه أبو علي: كطي الطاوي الصحيفة مدرجاً فيها الكتب.
أي: كطي الصحيفة لدرج الكتب فيها على تأويل قتادة: وكطي الصحيفة لدرج الكتب فحذف المضاف والمصدر مضاف إلى الفاعل على قول السدى والمعنى: كطي زيد الكتب.
ومن ذلك قوله تعالى: إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته مفعول ألقى مضمر أي: ألقى الشيطان في تلاوته ما ليس منه.
ومن ذلك قوله: فأرسل إلى هرون أي: أرسلني مضموماً إلى هارون فحذف المفعول والجار في موضع الحال.
وأما قوله: أجر ما سقيت لنا ليس التقدير: ما سقيته لنا وهو الماء فلا يكون للماء أجر وليس الجزاء للماء إنما هو لاستقائه.
فإن قلت: اجعل المعنى: ليجزيك أجر الماء فلم يستقم أيضاً لأن الأجر لاستقاء الماء لا للماء.
فإذا كان كذلك كان المعنى: ليجزيك أجر السقي لنا.
ومن ذلك قوله تعالى: قل أرأيتم إن كان من عند الله.
قال أبو علي: أرأيتم هذه تتعدى إلى مفعولين الثاني منهما استفهام والأول منصوب وهو هاهنا مضمر وهو للقرآن.
أي: أرأيتم القرآن إن كان من عند الله والمفعول محذوف وتقديره: أتأمنون عقوبته أو: لا تخشون انتقامه.
وقدره الزجاج: قل أرأيتم القرآن إن كان من عند الله إلى: قوله: فآمن واستكبرتم أفتؤمنون به ومن ذلك قوله تعالى: ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم فهذا على: ووهبنا له اسحق ويعقوب.
فالمعنى: ووهبنا من ذرياته فرقاً مهتدين لأن الاجتباء إنما يقع على من كان مهتدياً مرتضى فحذف المفعول به
=====================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق